كان هذا الاجتماع يهدف للاتفاق على كميات زيادة الانتاج وبالتالي التصدير، للافادة من الارتفاع الكبير لأسعار النفط التي صعدت نحو 50 في المائة منذ بداية العام الحالي، وأكثر من 70 في المائة في سنة واحدة، وذلك على وتيرة التفاؤل الذي رافق نجاحات حملات التلقيح ضد فيروس كورونا، وعودة الاقتصادات العالمية الى الانتعاش التدريجي وبالتالي الى طلب النفط بكثافة.
رفضت الامارات تمديد اتفاق سابق كان خَفَضَ كميات الانتاج على نحو باتت ترى فيه هذه الإمارة الخليجية ذلك يُشكل إجحافاً بحقها.
الحجة الظاهرة ان الامارات ترغب في زيادة انتاجها الى نحو 3.8 ملايين برميل يومياً بدلاً من 3.1 ملايين لاسباب كثيرة منها انها وظفت استثمارات ضخمة في حقولها وشركاتها. وتريد لذلك مردوداً والا تخسر مليارات من جهة، وأسواق تصدير من جهة أخرى.
رفضت السعودية ودول ضمن تحالف “أوبك بلاس” الطلب الاماراتي، فطفت على السطح تباينات كانت مكتومة بين الرياض وأبو ظبي، علماً بأن العلاقات بين العاصمتين لم تكن دائماً على ما يرام كما يتخيل البعض. فعلى سبيل المثال، نشب في 2005 خلاف كبير حول ترسيم الحدود وحقل شيبة النفطي الحدودي وبقى معلقاً نسبياً منذ ذلك الحين ومن دون حل.
الانفتاح الاقتصادي والاستثماري بين الامارات واسرائيل مرشح لتشكيل تحالف ينتج استثمارات ضخمة تنظر اليها السعودية على انها منافسة لمشاريعها العملاقة التي اعلنها الامير محمد بن سلمان ويبني كل احلام نفوذه المحلي والاقليمي والدولي عليها
أما الجديد المتفاقم في السر حيناً والعلن احياناً، فهو التنافس الاقتصادي المحموم، والذي بدأ يطل برأسه المحتدم عندما عبّرت السعودية من خلال ولي عهدها محمد بن سلمان، في السنوات القليلة الماضية، عن طموحات هائلة على صعيد جذب الاستثمارات الخارجية وتنويع اقتصادها في شتى المجالات، وبأرقام ترليونية تجعل من أي دولة اقليمية أخرى مجرد ضاحية. وبرغم الترحيب الاماراتي بالطموحات السعودية الجديدة لكن ابو ظبي ومعها دبي لا تخفيان قلقهما من انحسار نجاح دور الامارات الاقتصادي والمنقطع النظير اقليميا والذي عليه بنت ابو ظبي ادوار نفوذ من طنجة الى صنعاء مروراً بتونس وطرابلس الغرب والقاهرة والخرطوم وغيرها من العواصم في المنطقة.
وازداد منسوب القلق الإماراتي مع توسع السعودية بسرعة قياسية في قطاع الترفيه، والجذب السياحي الذي كان للامارات قصب السباق فيه منذ عقود كانت خلالها السعودية ودول خليجية اخرى شبه مغلقة لاسباب امنية ودينية واجتماعية. اختلف الامر مع محمد بن سلمان، الذي قال وبشكل مباشر في عدة مؤتمرات، ان المملكة ترى نموذج تجربة دبي ناجحاً جداً ويمكن الذهاب باتجاهه، لا بل تخطيه بأشواط بالنظر الى قدرات المملكة التي لا تقاس بقدرات الامارة الصغيرة.
الى ذلك، ومن الاجراءات التي اثارت جدلاً أيضاً قرار السعودية عدم السماح للشركات الاجنبية العمل في المملكة وهي تتخذ من عواصم اقليمية اخرى مقارا رئيسية لاعمالها، واعطت مهلة لذلك تنتهي في 2024. ومن المعروف ان كثيراً من تلك الشركات الدولية تتخذ ومنذ عقود من الامارات عموماً ودبي خصوصاً مراكز اقليمية لها. واكتسبت تلك الامارة صيتاً عالمياً تنافسياً قل نظيره على هذا الصعيد وشكل نقطة جذب لا تضاهى.
وجديد تلك الاجراءات المقلقة متعلق بالحد من البضائع الواردة من المناطق الحرة الاماراتية، على اعتبار انها ليست خليجية معفاة من الجمارك ولا يجب ان تتمتع بتعرفات تفضيلية حتى لو اضيفت اليها قيمة صناعية وخدمية معينة في المناطق الحرة مثل منطقة جبل علي. فالسعودية تؤكد ان القيمة المضافة الاماراتية على تلك السلع والبضائع الاجنبية طفيفة، ولا تستحق الاعفاءات والامتيازات وتجب معاملتها معاملة السلع غير الخليجية بفرض رسوم عليها، وفي ذلك ايضاً ضرب للنموذج الاقتصادي الاماراتي القائم على التفوق التجاري اقليمياً. كما ان السعودية تجد حرجاً الآن في استيراد بضائع من الامارات تدخل فيها مكونات اسرائيلية بعدما بات الانفتاح الاقتصادي والاستثماري بين الامارات واسرائيل على اوسع نطاق، ومرشح لتشكيل تحالف ينتج استثمارات ضخمة تنظر اليها السعودية على انها منافسة لمشاريعها العملاقة التي اعلنها الامير محمد بن سلمان ويبني كل احلام نفوذه المحلي والاقليمي والدولي عليها، وعليها وحدها.
هذا في الجانب الاقتصادي، اما في الجانب السياسي فهناك جملة اعتبارات لا يمكن فصلها عن مسار التباينات وهي على الشكل التالي:
أولاً، بعد قرار انهاء محاصرة قطر، برز تباين بين السعودية والامارات، لان الاخيرة لم تكن بنفس حماسة المملكة لانهاء الخلاف بالشروط الميسرة التي حصل الحل بموجبها ولمصلحة الدوحة نسبياً. فبين الامارات وقطر قضايا عالقة حتى تاريخه برغم اعلان الصلح ظاهرياً، في الوقت الذي قطعت فيه المملكة اشواطاً بعيدة وعميقة في التطبيع مع قطر وانهاء معظم ذيول الازمة كأنها لم تكن!
في الملف اللبناني، بدا الإماراتيون أكثر تساهلاً مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ووفروا له حضانة سياسية وشخصية، بعكس السعوديين الذين رفضوا التجاوب مع كل محاولات محمد بن زايد لإعادة فتح الأبواب السعودية أمام الحريري
ثانياً، في اليمن تباين ايضاً، بعدما اتخذت الامارات قرار الانسحاب من هناك ودعمت فريقاً انفصالياً في عدن لا ترى السعودية انه مطابق لمشروع دعم ما تسميه الشرعية اليمنية التي تريدها بأي ثمن ضداً بالحوثيين. وتسربت اتهامات من جهات رغبت في اذكاء الخلاف مثل ان الامارات لم تعد بنفس العداء السعودي للحوثيين، بدليل أن الحوثيين لا يستهدفون الامارات بالطائرات المسيرة ولا بالصواريخ..
ثالثاً، اما فتح المفاوضات الاميركية الايرانية وما تلاها من لقاءات استخبارية بين السعوديين والايرانيين في بغداد (ولاحقاً في سلطنة عُمان)، فقد رأت فيه الامارات نافذة اضافية لتتمايز هي الاخرى في صوابية خياراتها البراغماتية مع طهران، لان بين أبوظبي وطهران علاقات اقتصادية وتجارية لا تريد الامارات التضحية بها كرمى لأحد برغم كل الاحتدامات التي طرأت على العلاقات الخليجية الايرانية في السنوات الاخيرة.
رابعاً، يملك الإماراتيون مقاربة مختلفة لطريقة الانفتاح على تركيا وحل الخلافات معها. فالسعودية ترغب في تطويق تلك الخلافات لان ملف اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي مستمر في اقلاق راحة السعوديين، لأن الجريمة ارتكبت على الاراضي التركية. الامارات، من جهتها، لا ترى في الانفتاح السهل على انقرة الا تقويضاً ممنهجاً لحربها التي شنتها بلا هوادة من سنوات طويلة على الاسلام السياسي المتمثل بحركة الاخوان المسلمين التي تتخذ من تركيا حليفاً وظهيراً لها.
خامساً، حتى في الملف اللبناني، بدا الإماراتيون أكثر تساهلاً مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ووفروا له حضانة سياسية وشخصية، بعكس السعوديين الذين رفضوا التجاوب مع كل محاولات محمد بن زايد لإعادة فتح الأبواب السعودية أمام الحريري.
سادساً، برزت حماسة الإماراتيين منذ نهاية العام 2019 لعودة العلاقات مع سوريا، وهم بادروا إلى إعادة فتح سفارتهم في دمشق، الأمر الذي أثار حفيظة السعوديين والأميركيين، فكان قرار فرملة تلك الإندفاعة، إلى أن برزت مؤخراً “إستفاقة” خليجية عنوانها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية!
سابعاً، تضامنت معظم دول الخليج ولا سيما السعودية مع مصر في مواجهة أزمة سد النهضة، بينما كانت الإمارات ومعها إسرائيل يدعمان الموقف الأثيوبي، حتى أن الإمارات كانت الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد في حربه ضد إقليم تيجراي. وإنسحب التوتر في العلاقات المصرية الإماراتية ضموراً للرساميل والإستثمارات الإماراتية في مصر ولا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة.
ثامناً، كلما خفت قبضة الأميركيين، كلما إنفجرت التناقضات بين حلفائهم في العديد من مناطق العالم، وما يجري بين السعودية والإمارات هو خير دليل على ذلك.
تبقى الاشارة الى ان امكان اعادة احياء الاتفاق النووي الايراني قد يشبه طابة البليار التي تضرب كومة طابات لتحدث جلبة تدحرج في كل الاتجاهات. وليس الصراع النفطي السعودي الاماراتي اليوم ببعيد عن حسابات عودة ايران الى ضخ النقط بكامل طاقتها الانتاجية اليوم وبطاقة مضاعفة غدا. لذا سنرى تباعاً كيف سيشد كل طرف نفطي اللحاف الى جهته في حرب مفتوحة قد تعود باسعار النفط الى الهبوط مجدداً وينهي هذا الجدل المستجد حول من سيقطف أكثر من ثمار الاسعار المرتفعة.