الترسيم لبنانياً بعصا هوكستين.. وجزرة الإمارات!

لولا إسرائيل، وجوداً وجيشاً ومشروعاً وغازاً وأطماعاً، لكان لبنان محذوفاً من أدنى سلم الإهتمام الأميركي والروسي والصيني و"الشرقي" و"الغربي" وما بينهما. هكذا إستنتاج قد يبدو مُتسرعاً بالنسبة إلى البعض لكن مهمة الوسيط الأميركي عاموس هوكستين الأخيرة تشي بأن إستنتاجاً من هذا النوع حتماً في محله. لماذا؟

بلغ الإهتمام الأميركي بلبنان أوّجه في العامين 2005 و2006، مع حدثين تاريخيين كبيرين هما إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 و”حرب لبنان الثانية” في تموز/يوليو 2006. منذ أيار/مايو 2008، إنكشف لبنان سياسياً بوصفه ثاني دولة عربية أصبح الإيرانيون شركاء في قرارها (مع الأميركيين طبعاً) من بعد العراق. لاحقاً، تمدد النفوذ الإيراني صوب غزة في صلب معادلة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؛ وسوريا آخر دولة مركزية في قلب المشرق العربي؛ واليمن الرجراج تاريخياً عند خاصرة السعودية والممرات المائية في الخليج العربي.

برغم ذلك، لم ينكفىء الأميركيون يوماً عن لبنان، لكن منسوب إهتمامهم به كان يرتفع حيناً ويهبط حيناً آخر. ديكتاتورية الجغرافيا، وهي قدر وليست خياراً، كانت دائماً تجعل هذا البلد الصغير، “كبيراً” بما يتجاوز كيلومتراته المربعة القليلة، لكن هذا “الكِبَر” بدا أنه مجرد “إنتفاخ” لا يستند إلى أسس سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية، بدليل الأزمة الوطنية المفتوحة منذ سنتين ونيف! ديكتاتورية الجغرافيا التي تضعه في مثلث ذهبي صعب بين سوريا وإسرائيل والمتوسط وحاضنة لجوء سوري وفلسطيني، كما كان من قبل حاضنة لجوء سياسي لكل ثوار العالم، قبل أن يبهت ويصبح طارداً لهم، كما كان الحال مع عبدالله أوجلان وكارلوس وناصر السعيد وفدائيي الجيش الأحمر الياباني وغيرهم ويصبح بالتالي جاذباً للنصّابين الدوليين ولو كانوا “أذكياء” على طريقة كارلوس غصن!.

إهدار الوقت حرفة لبنانية!

يتأكّد يوماً بعد يوم، أن لبنان لديه مخزون غازي بحري كبير، وهو ما جعله محط استقطاب كبريات الشركات العالمية ومنها الأميركية. أكثر من عشر سنوات من المد والجزر مع الأميركيين، وتحديداً منذ أن قدّم فريدريك هوف خطه الشهير في العام 2012. صال الرجل وجال وأكمل من بعده أكثر من موفد أميركي بين بيروت وتل أبيب، إلى أن تبلور الخط المتعرج الأخير (خط المصالح بدلاً من خط الحدود الأفقي الذي يحمل الرقم 23). خطٌ تشاء الظروف أنه يلبي مصالح إسرائيل والولايات المتحدة ويُسلط الضوء على خيانات بعض “الصغار” من اللبنانيين. كيف؟

أبلغ الأميركيون كل من يعنيهم الأمر بأن سلاح العقوبات ينتظركم إذا لم تضعوا تواقيعكم على “الوصفة الأميركية” الأخيرة (الخط المتعرج الذي يضمن حقل قانا للبنان مقابل حقل كاريش لإسرائيل). يمكن تعميم نموذج “معاقبة” جبران باسيل في أكثر من إتجاه. ثلاث رحلات جوية خاصة متتالية إلى ثلاث عواصم هي برلين وباريس والدوحة وإجتماعات بعيدة عن الأضواء (وما أدراك ما جرى في الدوحة وبين مَنْ ومَنْ؟)

إهدار لبنان 15 سنة من الوقت هو مسؤولية لبنانية يتحملها كل من تعاقب على السلطة منذ عام 2007 حتى يومنا هذا. “إدارة سياسية” لا تشي بالإدارة ولا بالحِرَفية، بدليل أنها ضيّعت الكثير على لبنان واللبنانيين، وبالتالي قدّمت هدايا مجانية للإسرائيليين، أقلها أن تل أبيب إستكشفت ونقّبت وأبرمت الكثير من العقود مع دول وشركات.. أما لبنان فما زال في مرحلة ما قبل الإستكشاف! أهدرنا الوقت بالإرتجال الحدودي مع قبرص (2007) ومن ثم بإستدعاء شركة إنكليزية أعطتنا إحداثيات بسيناريوهات عديدة (2011)، لكننا أهملناها ولم نختر منها إلا ما لا يناسبنا بألطف تعبير. هنا لا بد من إستدراك بسيط. يقول دبلوماسي أميركي كان يتابع الملف في بداياته “عندما إطلعنا على تقرير الشركة الإنكليزية، سألنا مسؤولاً رسمياً لبنانياً، هل الخط الحدودي الرقم 23 تاريخ 2011 هو خطكم النهائي أم تريدون إعتماد الخط المقترح جنوبه (29) وفق الدراسات الأوروبية (قاصداً الإنكليزية)”؟ ويضيف “لم نسأل لأجل لبنان. الخط المقترح (أي 29) يجعل كاريش حقلاً خلافياً وهذا الأمر لا يناسب الإسرائيليين وهم يستعجلون الحصول على جواب لبناني قبل أن يبدأوا بتطوير هذا الحقل الحيوي (كاريش)”. كان الجواب الرسمي اللبناني حينذاك “هذا هو خطنا (23)”، لترتسم بعد ذلك معالم خلاف حدودي بين لبنان وإسرائيل على خلفية الترسيم الإسرائيلي ـ القبرصي عام 2011. هذا الخلاف عنوانه 860 كلم2. كان فريدريك هوف قد أوجد له مخرجاً بإقتراحه الشهير (2012) الذي يعطي للبنان 500 كلم2 مقابل 360 كلم2 لإسرائيل (أي 55% مقابل 45%)، قبل أن يُقر هوف لاحقاً، وتحديداً في العام 2014 بحق لبنان بحوالي 600 كلم2 من المساحة البحرية المتنازع عليها، أي بزيادة 100 كلم2، لكن فجأة طار هوف وإنتقل الملف إلى الموفد الأميركي من أصل إسرائيلي عاموس هوكستين!

واللافت للإنتباه أن هوكستين وفي أول زيارة له إلى بيروت، غداة إنتهاء مهمة هوف، تنصل من إقتراح سلفه الذي أعطى لبنان مائة كيلومتر مربع جديدة، وإقترح صيغة تلزيم الآبار الخلافية المتنازع عليها إلى شركة دولية متخصصة بالتنقيب وإنشاء صندوق مشترك يستفيد منه لبنان وإسرائيل، إلا أن  رئيس مجلس النواب نبيه بري أجابه “ليكن معلوماً لديك أنه ليس وارداً عندنا التنازل عن كوب واحد من مياهنا ونفطنا.. تذكر أنه بسبب شجرة لبنانية (العديسة) كادت أن تندلع حرب قبل سنوات، فهل تريدون حرباً جديدة”؟

إنها الإمارات يا عزيزي!

ما الذي تغيّر بين 2014 تاريخ الإقتراح الذي تقدم به هوكستين وعودته إلى الملف ذاته في العام 2022 لكن بـ”أفكار جديدة”؟

لنتذكر أن العقوبات الفعلية ضد لبنان بدأت في عهد باراك أوباما في 2014 وكان هوكستين من أبرز “مهندسيها”. فشلت كل أنواع الحروب العسكرية والأمنية ضد حزب الله. لا بد من حرب الجوع والدولار والإقتصاد.

بعد إنخراط حزب الله في الأزمة السورية وصولاً إلى التدخل الروسي عام 2015، إزدادت القناعة في دوائر غربية وعربية وحتى في تل أبيب نفسها “بإستحالة الفصل بين الدولة اللبنانية وحزب الله”. لا بد من الضغط على الواقع اللبناني. شيطنة الحزب. إعادة فتح ملف الرهائن الأجانب في لبنان. ملف تفجير بيونس إيريس. وضع الحزب على لوائح الإرهاب وإتهامه بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا. إتهامه بتبييض الأموال وتجارة المخدرات (ولا سيما الكبتاغون) في كل أنحاء الكرة الأرضية. تحريك البيئات اللبنانية كلها ضد حزب الله (نماذج خلدة وشويا والطيونة وما سيأتي لاحقاً على الأرجح).

لكن فجأة، وجدنا “لالا لاند” بإنتظارنا في موضوع ترسيم الحدود البحرية مؤخراً. فما هو “الموال” الذي يدور في بال هوكستين؟

أولاً؛ لا عودة إلى طاولة المفاوضات في الناقورة وليس مسموحاً أن يكون هناك أي دور للأمم المتحدة حتى لو كان هامشياً.. ثمة إجتماع واحد يعقد في الناقورة وظيفته التوقيع على إتفاق لبناني ـ إسرائيلي نهائي لترسيم الحدود. ما جرى تحديداً مع الوفد العسكري اللبناني (الدفاع عن الخط 29) ليس مسموحاً أن يتكرر وهذا الأمر سمعه مسؤول عسكري لبناني كبير في البنتاغون.

ثانياً؛ على لبنان أن يجد مستقبلاً المخرج القانوني لفسخ العقد مع الكونسورتيوم الثلاثي (“توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية)، وبالتالي إخراج هذه الشركات نهائياً من البلوكات الجنوبية 8 و9 و10، أي المحاذية للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

ثالثاً؛ تكليف شركات دولية جديدة بالإستكشاف ثم التنقيب، يأمل الأميركيون أن يكونوا جزءاً منها، وثمة رواية إطلع عليها كل أهل السلطة في لبنان من دون إستثناء تقول إن الإماراتيين باتوا جاهزين لأن يكونوا هم بديل “توتال” في البلوكات اللبنانية الجنوبية، بعدما كان قد عُرضَ عليهم أن يكونوا جزءاً من المستثمرين في حقل “كاريش”، لكنهم قرروا التريث حتى يُصار للبت بالخلاف اللبناني ـ الإسرائيلي!

المطلوب تكليف شركات دولية جديدة بالإستكشاف ثم التنقيب يأمل الأميركيون أن يكونوا جزءاً منها، وثمة رواية إطلع عليها كل أهل السلطة في لبنان من دون إستثناء تقول إن الإماراتيين باتوا جاهزين لأن يكونوا هم بديل “توتال” في البلوكات اللبنانية الجنوبية، بعدما كان قد عُرضَ عليهم أن يكونوا جزءاً من المستثمرين في حقل “كاريش”، لكنهم قرروا التريث

إنكشاف الإمارة الصغيرة!

لماذا الإمارات تحديداً؟

يندرج ذلك في سياق يتصل بدور هذه الإمارة الصغيرة في المنطقة. يريد ولي العهد محمد بن زايد أن تكون الإمارات هي الشريك العربي الأول لإسرائيل في المنطقة. على هذا الأساس، بلغ التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب خلال أقل من سنتين ما لم يبلغه خلال أكثر من أربعة عقود مع مصر. قبل نهاية العام 2021، أبرمت الإمارات ممثلة بشركة “مبادلة” صفقة مع شركة “ديليك” الإسرائيلية للحفر قيمتها نحو مليار دولار، باعت بموجبها الشركة الإسرائيلية حصتها المقدرة بنحو 22% من أسهم حقل تمار الذي تديره شركة “شيفرون” الأميركية إلى الشركة المملوكة من الحكومة الإماراتية.

إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": ما بعد خامنئي.. إيران ليست مستعدة!

قرّر الإماراتيون الإنفتاح على الصين وروسيا وتصفير أزماتهم مع الإسرائيلي والإيراني والتركي والسوري واللبناني، لكن بالتنسيق الدقيق مع واشنطن وتل أبيب ومن دون إستفزاز الرياض، بحيث يصبح الإماراتي هو الوكيل العربي الأول للولايات المتحدة في المنطقة بدل السعودية الغارقة في أزمة اليمن.. لكن هل تجري الرياح بما تشتهي سفن أبو ظبي؟

“حرب المسيرات الحوثية” تشي بعكس ذلك. لا يُمكن لدولة أن تتصرف بطريقة توحي بشراكة مع إيران في إغراق السعودي في حرب اليمن وفي الوقت نفسه، تساهم بتعديل ميزان القوى من تحت الطاولة في شبوة ومأرب. إنكشافٌ جعل الإمارات هدفاً.. وهي حتماً غير قادرة على الصمود إذا إستمر الأمر طويلاً، لذلك لا بد من مخرج. فرمل الأميركيون إندفاعة الإماراتيين في أكثر من مكان ولا سيما محاولتهم لإعادة سوريا إلى “الحضن العربي” (الجامعة العربية) في القمة العربية المقبلة (في الفصل الأخير من 2022 حسب الرئيس الجزائري).

ماذا عن لبنان؟

علينا أن نراقب ما بعد مهمة هوكستين. أبلغ الأميركيون كل من يعنيهم الأمر بأن سلاح العقوبات ينتظركم إذا لم تضعوا تواقيعكم على “الوصفة الأميركية” الأخيرة (الخط المتعرج الذي يضمن حقل قانا للبنان مقابل حقل كاريش لإسرائيل). يُمكن تعميم نموذج “معاقبة” جبران باسيل في أكثر من إتجاه. ثلاث رحلات جوية خاصة متتالية إلى ثلاث عواصم هي برلين وباريس والدوحة وإجتماعات بعيدة عن الأضواء (وما أدراك ما جرى في الدوحة وبين مَنْ ومَنْ؟) ومن بعد هذه “المجالس” والعواصم كلها صار المستحيل مُمكناً. طار الخط 29 من قاموس ميشال عون و”التيار البرتقالي”. ما هو الثمن؟ حتماً يتصل بالعقوبات التي فُرضت وبات ممكناً البحث عن مخارج لها وبالتالي حماية آخرين من السلاح نفسه، وبعضهم يلعب أدواراً إستشارية قديمة ـ مستجدة في محيط “الرئيس القوي”.. وبالطبع هذا موسم رئاسي يحتمل جوائز معنوية من “عيارات” مختلفة، فضلاً عن حسابات قوى أخرى تتصل بترتيب أوضاع الإقليم، في ضوء إرتفاع إحتمالات التوصل إلى تفاهم نووي.

ومَنْ يُدقّق في الموقف اللبناني حتى من قبل أن يأتي هوكستين إلى بيروت، يستنتج أن “النصاب اللبناني” كان مُتوفراً للمقترحات الأميركية ولم يبقَ سوى بضعة “رتوش”، وحذار أن يتأخر الرد اللبناني ولا سيما من الجهة التي تفاوض بإسم “الثنائي”، أي رئيس مجلس النواب، ذلك أن سلاح العقوبات سيكون في إنتظار من يقول “لا لمقترحات هوكستين”.. ولننتظر عودة عاموس في الأسابيع المقبلة إلى بيروت، لكن هذه المرة مُحملاً بـ…..

تعديل أنابيب المتوسط.. لماذا؟

ما هي حسابات الأميركيين في هذه اللحظة؟

من المرجح أن الأميركيين يضبطون إيقاعهم تبعاً للأولويتين الصينية والروسية دولياً. أيضاً يريدون التحشيد غازياً في خدمة أوروبا من أجل تحريرها من الغاز الروسي وقطع الطريق نهائياً على “نورد ستريم 2” الذي يمكن أن يؤسس لصياغة علاقة مختلفة جذرياً بين ألمانيا وروسيا ثم بين أوروبا وروسيا على حساب العلاقة التاريخية بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. يشمل التحشيد إستقطاب قطر بأكبر إغراءات ممكنة (تصنيفها خلال زيارة أميرها الأخيرة إلى واشنطن “الحليف الرئيسي” للولايات المتحدة من خارج حلف الأطلسي). تشجيع الإمارات على المضي في خيار الشريك العربي الأول لإسرائيل. إستقطاب تركيا من خلال نسف كل مضمون منتدى القاهرة الغازي المتوسطي وبالتالي تعديل مسار أنابيب الغاز من كل شرق المتوسط بإتجاه تركيا ثم أوروبا بدلاً من ذهابه من إسرائيل بإتجاه قبرص وكريت ثم أوروبا. وهنا يصبح السؤال الأساس: لو تم تمرير أنبوب عابر من شرق المتوسط ينطلق من إسرائيل ويصل إلى جيحون في الساحل التركي، وهي جزء من “اللواء السليب”، هل سيتجنب هكذا أنبوب المنطقة الإقتصادية لكل من سوريا ولبنان وإذا تجنبهما أم لم يتجنبهما كيف ستحاول روسيا منعه بسبب تهديده مصالحها في أوروبا، وهي قادرة حتماً على المنع؟

صار الترسيم مطلوباً أميركياً وإسرائيلياً أكثر من أي وقت مضى. إسرائيل جاهزة للإستخراج وإبرام عقود تجارية الآن بينما يحتاج لبنان إلى سبع سنوات من لحظة نجاح التنقيب الإستكشافي، أي لا إستفادة لبنانية من الغاز قبل العام 2030 بالحد الأدنى

لبنان لا يُقاس في هذا السياق إلا بما يشكله حزب الله من خطر على الشركات الدولية المستثمرة في الحقول الشمالية في إسرائيل. هذه النقطة إلتفت إليها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو. ثمة تقديرات روسية تشي بأن ما يملكه لبنان وسوريا من ثروات غازية في المتوسط يفوق ما تملكه خمس دول خليجية، ما عدا قطر. موسكو مهتمة بالغاز اللبناني والسوري، وواشنطن تريد أن تخرجها كلياً من البحر (نوفاتيك) والبر (روزنافت). صار الترسيم مطلوباً أميركياً وإسرائيلياً أكثر من أي وقت مضى. إسرائيل جاهزة للإستخراج وإبرام عقود تجارية الآن بينما يحتاج لبنان إلى سبع سنوات من لحظة نجاح التنقيب الإستكشافي، أي لا إستفادة لبنانية من الغاز قبل العام 2030 بالحد الأدنى.

حزب الله.. والتسوية الغازية

من الآن وحتى ذلك التاريخ، ستكون إسرائيل قد أبرمت عقودها وأنهت تلزيم حقولها الشمالية و”من ضرب ضرب ومن هرب هرب”. كل ما نشهده في المنطقة ينسجم ورؤية نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني منذ العام 1999. هذه هي شركة “هاليبرتون” تعتمد دبي مقراً رئيسياً ثانياً لها وتختار ـ بالتزامن مع دخول شركة “مبادلة” الإماراتية على خط إستثمار حقل تمار ـ أن توقع إتفاقاً مع “إنرجيان” اليونانية (المملوكة لإسرائيليين) بالإستثمار في حقل كاريش وحقول أخرى على بعد كيلومترات قليلة من حدود لبنان!

يسري ذلك على خط الغاز العربي الذي لا هو عربي ولا من يحزنون. فكرة الخط أصلاً تخدم غاز شرق المتوسط لكن بإتجاه تركيا. القضية الأساس هي بيع الغاز الإسرائيلي لأوروبا. هذا يقودنا إلى نقاش من نوع آخر هل سيصل الغاز المصري إلى لبنان قبل ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. الجواب حتماً لا..

لا يمكن فصل ملف الغاز والطاقة في شرق المتوسط عن ملفات المنطقة وخرائطها الجديدة التي هي قيد الإرتسام. لنأخذ مثل الحقل الإيراني القطري المشترك (حقل “غاز الشمال” أو “فارس الجنوبي”) وهو الأضخم في العالم. قطر حصتها أكبر وتنتج منه بقدرة كاملة، بينما لا تُنتج إيران إلا حوالي 3 ـ 5 % من حقوقها. هذا الحقل يمكن أن يقلب حياة إيران رأساً على عقب إذا حصل إتفاق نووي. يسري ذلك على مجمل خرائط وأنابيب النفط والغاز في المنطقة. هل يُمكن أن يقبل حزب الله بتسوية ما لملف ترسيم الحدود البحرية بمعزل عن معادلات الإقليم وعن لازمة “نقبل بما تقبل به الحكومة اللبنانية” وماذا إذا تبين أن ما يُمكن أن تقبل به قد يكون ظالماً للبنان أو أنه لا يناسب حسابات بيدر الإقليم؟

في المحصلة، لدينا ثروة قيمتُها إستراتيجية. هذه القيمة تتراجع حتماً مع الوقت خصوصاً إذا إزداد العرض وخفّ الطلب بتنوع مصادر الطاقة البديلة دولياً، لكن بلداً بلا دولة، يُصرُّ على إقحام هذه الورقة الإستراتيجية في زواريب اللعبة الداخلية الطائفية المقيتة، تماماً كما فعل أحدهم بإصراره على جعل حديقة منزله جزءاً من حقل وهمي رقمه (أربعة).

على لبنان أن يُحدّد خطوطه الحمر وموقفه الوطني. ما يقبل به وما لا يُمكن أن يقبل به. الأمر يتجاوز الخطوط وأرقامها إلى خيارات إستراتيجية مستقبلية. لكن للأسف “لبنان بلد الخيارات الضائعة”. هذا هو حالنا مع الغاز، كما هو حالنا مع صندوق النقد والموازنة وغيرها.. “خلي عينكم عالإمارات”، ينصح أحد العارفين.. للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  زلزال تركيا وأردوغان.. لمن الكلمة الأخيرة؟