عبد القدیر خان يرحل بلا أسراره النووية

توفي عبد القدير خان، المعروف باسم "أبو القنبلة النووية الباكستانية"، يوم الأحد 10 تشرين الاول/أكتوبر، عن عمر ناهز الـ 85 عاماً. فمن هو وما هي قصة القنبلة النووية؟

وُلد عبد القدير خان في الأول من نيسان/أبريل عام 1936 في بوبال بالهند، لعائلة بشتونية تتحدث اللغة الأوردية، وبعد انفصال باكستان عن الهند عام 1947 هاجرت عائلته إلى باكستان واستقرت في كراتشي عام 1952.

تخرج من كلية ديارام جيته للعلوم بجامعة كراتشي في العام 1960، وعمل في وظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك.

إلتحق خان في العام 1965 بجامعة برلين التقنية حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن.

حصل خان في العام 1967 على درجة الماجستير في هندسة المعادن من جامعة “دلفت” في هولندا مركزا إهتمامه على “المواد المعدنية القوية في أجهزة الطرد المركزي”. بعدها، توجه إلى بلجيكا للحصول على الدكتوراه في المجال نفسه ثم عاد إلى هولندا للعمل في قطاع التعدين في أوائل السبعينيات الماضية، ثم انضم بين العامين 1972 و1974 إلى شركة “يورنكو” (تملكها هولندا وبريطانيا وألمانيا)، وهي شركة أوروبية لتخصيب اليورانيوم (تزويد المفاعلات النووية الأوروبية بالوقود النووي) وعلوم أجهزة الطرد المركزي ومقرها مدينة ميلو في هولندا.

ومنذ لحظة انضمامه إلى شركة “يورنكو”، حاول خان الحصول على أسرار التخصيب ونقلها إلى بلاده، تمهيدًا لصنع قنبلة ذرية تحدث توازن الرعب المطلوب مع الهند التي صارت نووية بدءاً من العام 1974، اي بعد عشر سنوات من إمتلاك الصين القنبلة النووية.. وهكذا فرّ إلى بلاده في أواخر عام 1975 وبحوزته الأسرار النووية لتنفيذ أفكاره. وقد أسّس خان مختبر كاهوتا للبحوث (KRL) في عام 1976 وعمل كمدير عام وكبير الباحثين في ​​المركز حتى تقاعده (2001).

وحسب رواية رئيس الوزراء الهولندي الأسبق رود لوبرز، فإن الحكومة الهولندية تبلغت من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بأن الشاب الباكستاني كان يبحث أثناء عمله في شركة “يورنكو” عن معلومات استخباراتية ويتجسس لحساب بلاده.

في العام 1983، نظرت محكمة هولندية في قضية خان وحكمت عليه غيابياً بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة سرقة معلومات، على الرغم من نقض الحكم من قبل محكمة الاستئناف، ومع ذلك، فقد منع الحكم عبد القدير خان من السفر إلى أوروبا منذ عودته إلى باكستان. ومنذ ذلك الحين، كانت الدول الوحيدة التي استطاع السفر إليها هي الدول الإسلامية وبعض الدول الآسيوية مثل كوريا الشمالية، وكذلك بعض الدول الأفريقية مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا.

ومع وصوله إلى بلاده، كان الراحل ذو الفقار علي بوتو لا يزال في السلطة، وكان قد قال بعد أول تجربة نووية للهند: “حتى وإن أكل الشعب الباكستاني العشب لسنوات، ولكن يجب علينا أن نبني قنبلة ذرية”.

وينقل أحد الصحافيين الباكستانيين عن بوتو قوله إن “الهندوس يمتلكون قنابل ذرية، والمسيحيون يمتلكون قنابل ذرية، واليهود يمتلكون قنابل ذرية والحضارة الوحيدة التي لا تمتلك قنابل ذرية هي الحضارة الإسلامية”. بهذه الحجة وفي محاولة للحصول على دعم الدول الإسلامية، سعى بوتو إلى صنع قنبلة ذرية، وكان ذلك بالتزامن مع المغامرة الكبرى لعبد القدير خان، حتى أصبحت باكستان عضوًا في نادي الدول الذرية وأصبح خان “بطلاً وطنياً” على هذا الأساس.

ومنذ العام 1980، اضطرت الولايات المتحدة إلى غض الطرف عن سعي باكستان لامتلاك أسلحة نووية بل دعمتها وذلك من أجل بناء حاجز قوي في باكستان في مواجهة الاتحاد السوفيتي الذي يتمركز جيشه في الحدود بين باكستان وأفغانستان.

لقد نجح خان في تصميم جهاز طرد مركزي يدور بسرعة الصوت ويخصب اليورانيوم لإنتاج وقود نووي للتفجير الذري. لقد قام بصنع الآلاف من هذه الأجهزة الصغيرة لتحل محل مفاعلات الماء الثقيل وإنتاج “البلوتونيوم”. استخدم أقصر الطرق لصنع قنبلة نووية. لقد تخلى عن طريقة الماء الثقيل المُكلفة واختار طريقة “إنتاج أجهزة الطرد المركزي” الأقل تكلفة والأسرع. وفي عالم التكنولوجيا النووية العسكرية، تعتبر هذه الطريقة أفضل الطرق وأكثرها أماناً لإنتاج قنبلة نووية.

السعودية كانت الأقرب إلى البرنامج النووي لباكستان وإلى عبد القدير خان نفسه من أي دولة أخرى، ولهذا يقال إن السعودية هي أحد المصادر المالية المهمة للبرنامج النووي الباكستاني

وكتب الكاتب والصحافي الباكستاني شهيد الرحمن: “لقد شعر عبد القدير خان بالسوء لعدم تمكنه من السفر إلى الغرب. كان يعتبر رجلاً مطلوباً في الولايات المتحدة وأوروبا. المكان الوحيد الذي كان بإمكانه الذهاب إليه هي البلدان الإسلامية التي كانت تنظر إليه كبطل. وهذا جعله يشعر بأنه بطل إسلامي”.

تم إطلاق خطة عبد القدير خان في باكستان في ربيع عام 1998، وأجرت باكستان أول تجربة نووية لها للاحتفال بعيد ميلاد بطلها القومي عبد القدير خان. من تلك اللحظة فصاعدًا، وُلِدت آلاف الأسئلة لوكالات التجسس والاستخبارات الغربية: هل قدّم خان، الذي لديه حساسية عالية تجاه الغرب، معلوماته إلى دول أخرى؟ هل يمكن أن ينقل علومه النووية إلى دول إسلامية من الآن فصاعدًا؟

عبد القدير خان متهم بتزويد كل من كوريا الشمالية وإيران وليبيا بالتصاميم والخرائط الهندسية وخطط العمل وعينات من أجهزة الطرد المركزية. كما يقال بأنه زود إيران بـ 500 جهاز طرد مركزي إلى جانب خططها الإنشائية. وقال ماثيو بان، المدير الأسبق للمشروع النووي بجامعة هارفرد: “لم يكن برنامج إيران النووي ليتحقق لولا شبكة عبد القدير خان وقد اكتسبت إيران كل التكنولوجيا من خلال خان”.

ويمكن القول بأن السعودية كانت الأقرب إلى البرنامج النووي لباكستان وإلى عبد القدير خان نفسه من أي دولة أخرى، ولهذا يقال إن السعودية هي أحد المصادر المالية المهمة للبرنامج النووي الباكستاني.

وبعد أول تجربة نووية لباكستان، وتحديداً في العام 1999 التقى عبد القدير خان بوزير الدفاع السعودي آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود. وقال سايمون هندرسون من مركز دراسات الشرق الأقصى في واشنطن: “لطالما كانت السعودية لاعباً رئيسياً في البرنامج النووي الباكستاني. أنا قلق من أن السعودية تحاول الحصول على قوة صاروخية نووية، وأخشى أن تكون باكستان مصدر تزويدها بذلك”.

إقرأ على موقع 180  أزمة ثقة بين بايدن وMBS.. فرصة صينية وروسية!

وقال محمد البرادعي، الرئيس الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية: “لم أحلم قط بأن يقوم شخص ببيع معلومات نووية كبضائع السوبر ماركت”، ويضيف: “بيع المعلومات للحكومات لا يزعجني كثيرًا ، لكني أخشى أن تقع هذه المعلومات في أيدي الشبكات الإرهابية”.

لكن قلق البرادعي كان أشبه بالابتزاز السياسي إلى جانب الدعاية السياسية الأمريكية، التي زعمت بأن عبد القدير خان كان يحاول نقل معلوماته إلى زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن. لكن هنا يطرح سؤال جوهري: هل تستطيع المنظمات الإرهابية، حتى في مستوى منظمة القاعدة، أن تكون قادرة على توفير منشآت طرد مركزي بآلاف الأعداد وبأحجام كبيرة جدًا؟ الجواب بالتأكيد لا، ولكن هناك احتمال واحد فقط وهو أنهم قد يجدون قنابل جاهزة للانفجار.

إيران كانت إحدى الدول التي كان يتردد عليها عبد القدير خان. وتعتبره إيران أحد كبار العلماء في الدول الإسلامية ولهذا تفتخر إيران بتكريمه وحصوله على أعلى جائزة علمية في مهرجان الخوارزمي الدولي للعلوم والذي يعد من أهم مراكز تكريم عظماء العلوم في إيران والدول الإسلامية. ويقال انه في عهد الراحل هاشمي رفسنجاني كانت علاقاته جيدة جداً مع إيران. هذه العلاقات الطيبة هي مصدر الشكوك الأولى حول بيعه معلومات تكنولوجيا نووية لإيران.

خان هو أحد المتهمين الرئيسيين في “تعزيز البرنامج النووي في كل من إيران وكوريا الشمالية”، حسب القناعة التي تكونت لدى وكالات الاستخبارات الغربية، أي أن خان جعل إيران تبلغ حافة التكنولوجيا النووية وكوريا الشمالية تمتلك الأسلحة النووية

ومنذ اليوم الذي حاول فيه الغرب بكل قوته تفكيك شبكة عبد القدير خان التجارية، كانت إيران أيضاً هدفاً لهجمات غربية شديدة. وتقول وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس: “لم يكن لأي من مجالات عمل عبد القدير خان أي علاقة بتطور الطاقة النووية المدنية، لذلك عندما يزعم الإيرانيون بأن منشآتهم مخصصة للأغراض السلمية، يجب أن يُسألوا عن الغرض منها، ثم لماذا كانت لديكم علاقات مع خان”؟

وفي هذا الصدد، زعم بعض مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران حصلت على وثائق تتعلق بالصدع النووي من شبكة خان. كما يزعمون أن بعض الخطط التي سلمها خان إلى إيران تتعلق باستخدام اليورانيوم المخصب في الغلاف الجوي العلوي الذي يستخدم لصناعة القنبلة النووية فقط. كما زعم مفتشو الوكالة بأنهم عثروا على خرائط سرية تظهر إيرانيين يعملون مع علمائهم النوويين لاختبار متفجرات قوية ومعدات عسكرية، بعبارة أخرى، أي أن إيران تمتلك الرؤوس الحربية النووية.

لا شك أنه منذ أن حصلت الولايات المتحدة على سلاح نووي في أربعينيات القرن الماضي، سعت دول عديدة إلى الحصول على التقنية النووية إما عن طريق شراء الأسرار والتجسس أو بمساعدة قوة عظمى أو دولة ثانية. حتى أن خان نفسه، كان يعلم بأن العلوم النووية الإيرانية لا تعتمد على علومه، وأن العلماء الإيرانيين كانوا يعملون بجد لمدة 20 عامًا للحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.

ويقول محمد سعيدي، النائب الأسبق لمدير منظمة الطاقة النووية الإيرانية: لم تكن لدينا أي معلومات عن التخصيب. لم ينقل إلينا أي بلد معلوماته وتقنياته. في وقت من الفترات قمنا بشراء عدد من أجهزة الطرد المركزي من السوق الحرة، كانت تتعطل جميعاً عند 12 ألف دورة في الدقيقة بينما كان من المفترض أن تصل إلى 60 ألف دورة في الدقيقة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنه إذا كان عبد القدير خان قد زود إيران بـ 500 جهاز طرد مركزي عالي السرعة، فلماذا بدأت إيران في العمل بهذه الأجهزة بسرعة 12 ألف دورة؟

يتابع سعيدي: لقد صممنا الآلات بأعلى التقنيات. وصلنا بهم إلى حوالي 40 ألف دورة،  ومرة أخرى كانت تتعطل في هذه المرحلة. لقد حللنا مشكلتين أو ثلاث مشاكل حسابية وتمكنا من إنتاج أول آلة بسرعة 60 ألف دورة والآن أصبح إنتاج أجهزة الطرد المركزي بسرعة 60 ألف دورة كإنتاج سيارة پیکان في البلاد.

إن تشابه نماذج إيران في إنتاج وصناعة أجهزة الطرد المركزي مع نماذج عبد القدير خان لا يعني بالضرورة أنه تم تنفيذ تصاميمه. باكستان نفسها حصلت على دعم صيني منذ حصول الهند على القنبلة النووية، أي قبل حصولها على الأسرار الأوروبية. يسري ذلك على إسرائيل التي حصلت على القنبلة النووية، بدعم كامل من فرنسا والولايات المتحدة. أما كوريا الشمالية، فقد حصلت على القنبلة بفعل الدعم الصيني وخان الذي زار بيونغ يانغ 14 مرة خلال عشر سنوات ما قبل العام 2003. لذلك، فإن مبدأ الوصول إلى العلوم النووية متاح للجميع.

برغم ذلك هناك من يردد أن خان هو أحد المتهمين الرئيسيين في “تعزيز البرنامج النووي في كل من إيران وكوريا الشمالية”، حسب القناعة التي تكونت لدى وكالات الاستخبارات الغربية، أي أن خان جعل إيران تبلغ حافة التكنولوجيا النووية وكوريا الشمالية تمتلك الأسلحة النووية.

وقد قدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) تقريراً إلى الكونغرس عام 2004 زعمت فيه أن التصاميم ومواد الأسلحة التي قدمتها شبكة خان إلى الدول الأخرى أكثر تطوراً مما كان يتم تصورها.

وفي كانون الثاني/يناير 2004، أقر مسؤولون في الباكستان بدور خان المهم في نقل وإعادة إنتاج تكنولوجيا الأسلحة النووية إلى دول أخرى. وبعد شهر اعترف رسميًا بجميع أنشطته غير القانونية وحُكم عليه بالاقامة الجبرية، قبل ان تقرر المحكمة العليا في اسلام آباد في شباط/فبراير 2009 إنهاء إقامته الجبرية والسماح له بالعيش بحرية داخل بلده مثله مثل باقي المواطنين الباكستانيين.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  أيّها الكلي الطوبى.. ما هكذا يُحمى وجود المسيحيين في لبنان!