كيف يتم تعيين رئيس الوزراء في العراق؟

ينشغل الوسط العراقي بنتائج وتداعيات الإنتخابات التشريعية التي جرت في 10/10 لمواجهة الاستحقاق الأكبر وهو الإتفاق علی إسم رئيس الوزراء.

الكل يعلم أن مهمة مجلس النواب العتيد لم تكن بالأهمية ذاتها كالتي عند منصب رئيس الوزراء. والكل يعلم أيضاً أن تعيين رئيس الوزراء لا يتم تحت قبة البرلمان وإنما خارجه؛ لذلك لا أحد ينتظر إلتئام البرلمان بقدر ما يتابع المشاورات التي يجريها قادة الأحزاب والتيارات السياسية والمذهبية والقومية العراقية. صحيح أن الكتلة النيابية الأكبر هي من تستطيع تعيين رئيس الوزراء لكن هناك عوامل أخری تدخل طرفاً فاعلاً في هذا المسار الدستوري ـ السياسي.

يبدو لي أن الإنتخابات التي جرت في 10/10 كانت أفضل من الدورات الإنتخابية الاربع التي سبقتها، سواء من حيث النزاهة أو التنظيم، وهذا يُحسب للمفوضية العليا للإنتخابات وللحكومة العراقية؛ كما أن المجريات الإنتخابية إندرجت في إطار تطبيق قانون الإنتخاب الذي صادق عليه مجلس النواب السابق، سواء أكان جيداً أم لا؛ لكن هذه المفوضية وقعت في شرك إعلان النتائج من خلال فشلها في إدارة عملية إعلان النتائج الرسمية النهائية، وما حصل بعد إعلان النتائج هو تجسيد لهذه الحقيقة. في هذا السياق، لا أريد أن اميل إلی نظرية المؤامرة بأبعادها كافة لتقييم نتائج الإنتخابات لكن خطأ ما قد وقع يجب أن تتحمل مسؤوليته المفوضية وتتصرف بشفافية من أجل معالجة الأمر سريعاً، وحتى لا يتكرر مُستقبلاً.

النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية كانت كافية لدفع الكتل الإنتخابية للتحرك من أجل تشكيل الكتلة النيابية الأكبر ولا زالت هذه الكتل تعمل من أجل توفير إجماع (أو أكبر إجماع ممكن) علی هوية رئيس الوزراء، وهو الهدف الأساس لهذه الكتل.

من خلال المعطيات المتوفرة، فإن جميع الزوايا المتحركة المعنية بالتطورات العراقية تعمل علی الإنتهاء من مهمة تعيين رئيس الوزراء قبل نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بطريقة نمطية سهلة من دون اللجوء إلی اي وسيلة من وسائل التصعيد

ولو عدنا إلى نتائج الدورات الانتخابية السابقة، لوجدنا بوضوح أن النتائج نفسها لم تكن كافية وحدها من أجل تشكيل الأغلبية النيابية، كما لم تكن قادرة وحدها في تعيين رئيس الوزراء وإنما كانت هناك عوامل داخلية خارج إطار نتائج الإنتخابات؛ وعوامل خارجية خارج إطار هذه النتائج، ولعل نتائج انتخابات عام 2014 هي خير دليل علی ما أقول.

أنا أعلم أن الحديث عن دور مرجعية النجف في إختيار رئيس الوزراء تكتنفه بعض الحساسية لإعتبارات متعددة. لكن أعتقد أن هذه المرجعية معنية بهذا الإختيار، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.

نحن نتحدث حالياً عن نتائج إنتخابات 10/10 حيث تتجه الأنظار إلی “الثنائي الشيعي”؛ “التيار الصدري” الذي يتزعمه مقتدی الصدر؛ و”دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي؛ فيما يتربص المكوّن السني والمكوّن الكردي بنتائج المشاورات التي يجريها “الثنائي الشيعي” من أجل الإنحياز لهذا الطرف أو ذاك لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي تستطيع تعيين رئيس الوزراء المقبل.

في هذه الأثناء، يجب الإلتفات إلی أن المكوّنين الكردي والسني ليسا بعيدين عن التجاذبات السياسية لأنهما في نهاية المطاف يمتلكان منصبين رفيعين في الدولة هما رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية، وهما منصبان يدخلان في صلب المشاورات والتفاهمات مع المكوّن الشيعي، وكلنا يذكر كيف كان يجري التوافق والتفاهم علی سلة واحدة تضم الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، رئاسة البرلمان)، خلال السنوات الماضية.

في العوامل الخارجية؛ كان لكل من واشنطن وطهران موقف من تعيين الرئاسات الثلاث؛ لكن الرقعة إزدادت هذه المرة لتشمل دولاً إقليمية أخری مثل تركيا والسعودية والأردن والكويت والإمارات وقطر.. وبذلك ربما يكون الأمر أكثر تعقيداً من سابقاته.

بالنسبة لواشنطن؛ يقول باحث أمريكي غير بعيد عن مصادر القرار الأمريكية؛ إن العاصمة الأمريكية بصدد الخروج ليس من العراق فحسب وإنما من منطقة الشرق الأوسط مع نهاية العام الحالي، وبذلك تبدو مستعجلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، كما أنها تريد تسوية المشاكل الأخری في المنطقة وصولاً إلى تحقيق تلك النقطة (الإنسحاب).

ويضيف الباحث الأمريكي نفسه قائلاً إن الحكومة الأمريكية غير معنية بمن يستلم منصب رئاسة الحكومة العراقية بقدر رغبتها في أن يتحلى رئيس الوزراء بالمواصفات الآتية: أن يتمتع بقوة سياسية وبأوسع إجماع عراقي؛ أن يقيم علاقة جيدة مع دول الجوار؛ أن يكون قادراً علی ضبط إيقاع جميع الفصائل العراقية السياسية والعسكرية؛ أن يُوفر عودة الهدوء والإستقرار إلى الساحة العراقية من دون توتر أو استفزاز أحد في الداخل والخارج.

ويعتقد هذا الباحث أن العراق لم يعد مهماً للولايات المتحدة كما كان خلال الأعوام التي تلت العام 2003 وبالتالي فهي تعمل علی تركه بهدوء لأجل عدم تكرار التجربة الأفغانية.

أما طهران؛ فربما تبدو حساباتها مختلفة بعض الشيء عن غريمتها واشنطن. إنها ما زالت تعتقد أن العراق يقع في إطار تعريفها لأمنها القومي وبالتالي هي لا تريد أي توتر علی حدودها الغربية وتعمل علی مساعدة العراق للخروج بأطر عراقية قادرة على معالجة أموره السياسية.

العراق لم يعد مهماً للولايات المتحدة كما كان خلال الأعوام التي تلت العام 2003 وبالتالي فهي تعمل علی تركه بهدوء لأجل عدم تكرار التجربة الأفغانية

في حياة اللواء الراحل قاسم سليماني، كان الأخير ينشط في مثل هذه الأوقات من أجل تقريب وجهات النظر للإتفاق او التفاهم علی مرشح لرئاسة الحكومة يرضي جميع الأطراف. وفي معظم الأوقات، كان تحركه شخصياً، بمعنی أن علاقاته مع جميع الأطراف هي التي كانت تحكم تحركه في العراق دون أن يكون له أبعاد داخل المؤسسة التي ينتمي لها؛ لكنه كان يسّخر الإمكانات التي بحوزته حتى تصب في مصلحة التوافق العراقي الداخلي.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل ودروس حرب اليمن: قلق من حزب الله والحوثيين

يبدو لي أن الوضع الآن بات مختلفاً عما كان عليه قبل نهاية العام 2019. طهران لا تريد إثارة أي حساسية عند العراقيين ولا ترغب بالتأثير علی مسار المشاورات التي تجريها الكتل السياسية العراقية؛ لكنها لن تدخر جهداً من أجل مساعدة العراقيين إذا ما طُلبَ منها ذلك. السؤال؛ هل لديها بديل عن سليماني؟ أنا أعتقد نعم. لكنها تفضل أن يعالج العراقيون أمورهم بأنفسهم من أجل تعزيز الأمن والإستقرار في العراق الذي تعتبره إيران جزءاً لا يتجزء من أمنها القومي ومن الأمن الإقليمي.

من خلال المعطيات المتوفرة، فإن جميع الزوايا المتحركة المعنية بالتطورات العراقية تعمل علی الإنتهاء من مهمة تعيين رئيس الوزراء قبل نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بطريقة نمطية سهلة من دون اللجوء إلی اي وسيلة من وسائل التصعيد.

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "الخميس الحكومي" من بعبدا إلى نصرالله: لا حكومة!