بايدن.. لا يرى فلسطين إلا من أوكرانيا 

إذا كان ما تريده إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط غير معروف، فإن ما لا تريده هو الأكثر وضوحاً. في هذا السياق، تضغط واشنطن بقوة على إسرائيل لمنع إنفجار شامل في الأراضي الفلسطينية أو الذهاب إلى تصعيد في الإقليم، بينما تنشغل أميركا بكليتها في النزاع الأوكراني.   

ثلاثة مسؤولين أميركيين زاروا إسرائيل بفارق أيام، من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى مدير وكالة الإستخبارات المركزية وليم بيرنز إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن، بالتزامن مع إطلاق تدريبات عسكرية أميركية-إسرائيلية تحاكي توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.

عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، لم يكن خبراً سعيداً بالنسبة لإدارة بايدن، فكيف إذا عاد نتنياهو على رأس حكومة يحمل وزراؤها أجندات يمكن أن تقلب المنطقة رأساً على عقب وتتسبب بتفجيرات كبرى في فلسطين وخارجها. والغليان الذي تعيشه الضفة الغربية منذ إقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لباحة المسجد الأقصى، وما تبعها من هجمات “إستباقية” يومية أسفرت عن سقوط العشرات من الفلسطينيين منذ مطلع الشهر الجاري في مدن الضفة ومخيماتها، لا بد أنه سيوصل إلى إنتفاضة فلسطينية ثالثة والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه بين عامي 2000 و2005.

حاول بايدن مماشاة نتنياهو في الملف الإيراني على أن يضبط الأخير نزعات التطرف لدى وزرائه، حتى لا يحدث الإنفجار. في الماضي، كانت تضغط أميركا على السلطة الفلسطينية لمنع هكذا إنفجار، لكن إنسداد الأفق السياسي وموت “حل الدولتين” قضى على هذه السلطة عملياً. والقتل اليومي للفلسطينيين سيؤدي حتماً إلى رد على غرار العملية التي نفذها الشاب خيري علقم في حي إستيطاني بالقدس الشرقية ليل الجمعة أو تلك التي جرت بالأمس في حي سلوان.

ربما كان الضغط الأميركي على نتنياهو سيؤتي ثماره لو لم يكن الأخير، يواجه مشاكل داخلية مستعصية. إذ إنفجرت في وجهه قنبلة نقل الصلاحيات القانونية من المحكمة العليا إلى الكنيست. أحدث هذا التطور خلخلة داخل الحكومة التي كان يعتقد نتنياهو أنها تستند إلى قاعدة صلبة، فإذا بالمحكمة العليا تجبره على إقالة وزير الداخلية والصحة آرييه درعي الذي يتزعم حزب “شاس” لليهود الشرقيين المتشددين، على خلفية إدانته بالإحتيال الضريبي والحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ وتالياً لا يصح توليه مناصب وزارية.

لا تريد واشنطن منع إندلاع حرب لأنها مع حل عادل للقضية الفلسطينية، أو أنها مؤمنة فعلاً بـ”حل الدولتين”، وإنما لهدف واحد وهو الحؤول دون أي تطور من شأنه حرف إنتباه العالم عن أوكرانيا

وإختلال توازن الحكومة يهدد المستقبل السياسي لنتناهو نفسه. كان يريد تمرير قانون في الكنيست يمنحه الحصانة ويمنع عنه المحاكمة بإزاء إتهامات بالفساد. وليست المحكمة العليا التي تصدت له وإنما شهدت تل أبيب تظاهرات لعشرات الآلاف تنديداً بالقفز على صلاحيات المحكمة التي كانت تقوم منذ إنشاء إسرائيل مقام الدستور.

لم تجرِ الرياح السياسية الإسرائيلية الداخلية وفق ما يشتهي نتنياهو. والسبيل الأقرب الذي إختاره للخروج من مأزقه كان بالتصعيد في الضفة الغربية، مجازفاً بإندلاع إنتفاضة ثالثة وبتفجر حرب جديدة مع غزة وبإضطرابات في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.

مثل هذه التطورات الخطيرة وإن كانت ترضي وزراء اليمين المتشدد دينياً وقومياً وتجعلهم يتكاتفون حوله من إيتمار بن غفير إلى بتسلئيل سموتريتش، فإنها تقلق إدارة بايدن التي تسعى جاهدة إلى تفادي نزاع ساخن في الشرق الأوسط، قد يبدأ بفلسطين ولا يمكن أن يعرف أحد أين سينتهي وكيف وبأي كلفة.

وإذا كان السبيل إلى كسب ود نتنياهو، بمزيد من العقوبات الأميركية على إيران، فإن بايدن لا يمانع. وبالتزامن مع المناورات العسكرية الأميركية-الإسرائيلية المشتركة، كانت واشنطن والإتحاد الأوروبي وبريطانيا تفرض “عقوبات منسقة” على طهران، منها ما يتصل بالبرنامج النووي، ومنها ما يتصل بتزويد إيران لروسيا بالمُسيرات، ومنها ما يتصل بقمع الإحتجاجات الداخلية، ومنها ما يتصل بإعدام السلطات الإيرانية نائب وزير الدفاع الأسبق علي رضا أكبري بتهمة التجسس.

“العقوبات المنسقة” هي درجة أعلى من الضغط الأميركي على إيران يحاكي تلك العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا منذ غزوها لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي. وبذلك يلبي بايدن مطلباً أساسياً لنتنياهو يقوم على زيادة العقوبات والإستعداد في الوقت نفسه لعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. ومنذ اليوم الأول لتسلمه منصبه تعهد نتنياهو بأمرين: التصدي لإيران والتطبيع مع السعودية، ولم يأتِ على ذكر الفلسطينيين مطلقاً وكأن النزاع قد حسم في هذه القضية.

وإذا كان هذا ما يشغل بال نتنياهو، فإن بايدن لا ينظر إلى الشرق الأوسط اليوم بمعزل عن التطورات الجارية في أوكرانيا. هناك تتقرر زعامة أميركا للعالم. وهو يرى أن تفجر أي نزاع في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر، يُمكن أن يُضعف أميركا ويُقوي روسيا. لا تريد واشنطن منع إندلاع حرب لأنها مع حل عادل للقضية الفلسطينية، أو أنها مؤمنة فعلاً بـ”حل الدولتين”، وإنما لهدف واحد وهو الحؤول دون أي تطور من شأنه حرف إنتباه العالم عن أوكرانيا.

إقرأ على موقع 180  طلال سلمان اقتحم الإستحالة وغرّد بطائر برتقالي

لم يعد بايدن يفصل أي قضية في العالم عن أوكرانيا. من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى الصين وأميركا اللاتينية، إلى الإنقسامات الحادة في الداخل الأميركي.

وبرغم ذلك، فإنه بوجود حكومة إسرائيلية على هذه الدرجة غير المسبوقة من التشدد، لا يمكن التنبؤ بالمآل الذي يمكن أن تُدفع إليه الأمور في المرحلة المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  نهاية ناغورني-كراباخ.. عجز روسي أم اندفاع تركي ـ أذري؟