العلاقة السعودية الإيرانية.. أبعد من فتح السفارات!

من المتوقع أن نشهد إجتماعاً لوزيري خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان والسعودية فيصل بن فرحان خلال شهر رمضان المبارك، وذلك إستكمالاً لمسار بكين الثلاثي وللأجواء الإيجابية التي سادت إثره.

تم الإعلان عن اللقاء السعودي ـ الإيراني إثر ثلاثة اتصالات هاتفية جرت بين الوزيرين عبد اللهيان وبن فرحان في أعقاب الإتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه في بكين في العاشر من آذار/مارس الماضي، وتقرر بموجبه إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وبعد أن أعلنت طهران تسلمها دعوة سعودية رسمية للرئيس إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض، قال عبد اللهيان إن بلاده ستوجه دعوة مماثلة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة طهران.

غير أن السؤال الأهم هو الآتي: إلی أين تسير العلاقات السعودية الإيرانية التي لم تستقر علی حال منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979 حتى الآن.

تفاءل الكثيرون بإتفاق البلدين علی عودة العلاقات الدبلوماسية إيماناً منهم أن هذه العودة سوف تنعكس علی الملفات الشرق أوسطية وربما علی ملفات خارج الإقليم، بحكم موقع البلدين الجيوسياسي وقدرتهما على التأثير ليس علی صعيد الإقليم وحسب، بل على مجمل المشهد الدولي.

ومن الصعوبة بمكان الإعتقاد أن العلاقات السعودية الإيرانية تسير علی سجادة حمراء من دون عوائق أو مشاكل سواء أكانت داخلية أم خارجية. ومن ينظر إلی هذه العلاقات نظرة تفاؤلية، لا يأخذ في الاعتبار الثوابت السياسية والأمنية الإستراتيجية لكلا البلدين. فطهران تملك تعريفاً واضحاً لأمنها القومي الذي يمتد من أفغانستان شرقاً الی شواطیء المتوسط في غرب آسيا وإلی مضيق باب المندب ومضيق هرمز جنوباً؛ ولديها أصدقاء لا تسمح – كما يُردّد المرشد الأعلی السيد علي خامنئي – بإضعافهم سياسياً وأمنياً؛ فيما تملك الرياض تعريفاً لأمنها القومي يستند علی علاقاتها التاريخية مع أصدقائها في المنطقة العربية والإسلامية حيث تری أن إيران اقتحمت مجالها الحيوي في المنطقة العربية وبذلك أخلت بتوازن القوی في الإقليم. وتعتقد أيضاً أن أصدقاءها “يمتلكون الشرعية” فيما أصدقاء إيران لا يمتلكون مثل هذه الشرعية، وهم ليسوا أكثر من “أذرعة” وميليشيات مدعومة بالسلاح أخذت علی عاتقها “مهمة زعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة خدمة للمصالح الإيرانية”!

قوة الوقائع في المنطقة تتطلب منا أن نكون أكثر واقعية في النظر للعلاقة السعودية الإيرانية؛ فكلا المنطقين (المتفائل والمتشائم) يمتلك عناصر موضوعية في تقييم هذه العلاقة لكن من المهم إيجاد “عوامل قوة” كفيلة بتوفير بيئة حاضنة إيجاباً في الإتجاهين. فالاقتناع بفتح أبواب السفارات لن يُغيّر شيئاً اللهم إلا علی صعيد تسهيل إعطاء التأشيرات لموسم الحج

نحن أمام نظرتين متباينتين إلی مصالح وثوابت الآخر؛ فهل يمكن تجاوز هذه التباينات؛ وكيف وما هي مآلات التفاهمات التي حصلت أو التي قد تحصل بين البلدين؟

هناك منطقان يتحكمان في النظرة إلى العلاقات السعودية الإيرانية المستقبلية. أول متفائل؛ والآخر متشائم. فالمتفائل يريد “حرق المراحل” وصولاً إلى فتح السفارات بأسرع وقت ممكن لتحقيق إنجاز مهما كان حجمه ظناً منه أن هذا الإنجاز كفيل بترطيب المواقف وتحسين الأجواء وإزالة المخاوف وتعزيز الثقة وتناميها؛ فيما المنطق المتشائم يعتقد أن ما بين البلدين أبعد من فتح السفارات وأن ثوابت البلدين لا يمكن حلها بفتح سفارة هنا أو قنصلية هناك. وأن جميع الجهود المبذولة لن تتجاوز حدود فتح السفارات والقنصليات من دون أن نشهد أي تراجع في مواقف البلدين.

غير أن قوة الوقائع في المنطقة تتطلب منا أن نكون أكثر واقعية في النظر للعلاقة السعودية الإيرانية؛ فكلا المنطقين (المتفائل والمتشائم) يمتلك عناصر موضوعية في تقييم هذه العلاقة لكن من المهم إيجاد “عوامل قوة” كفيلة بتوفير بيئة حاضنة إيجاباً في الإتجاهين. فالاقتناع بفتح أبواب السفارات لن يُغيّر شيئاً اللهم إلا علی صعيد تسهيل إعطاء التأشيرات لموسم الحج، لكننا نتحدث عن تعاون وتنسيق وفك اشتباك وصياغة علاقات جديدة تستند إلی تعزيز الثقة وصولاً إلی منطقة يسودها الأمن والأمان حتى تنعم شعوبها بثرواتها وخيراتها في التنمية والرقي.

ومن أبرز “عوامل القوة” التي تستطيع دعم الاتفاق والتوصل إلى تفاهمات تصب في مصلحة البلدين وبقية الأطراف المعنية هو الآتي:

أولاً؛ توفر الإرادة السياسية لدی قادة البلدين بحل الإشكالات والإتفاق علی الحد الأدنی من المشتركات وصولاً إلی درجات أعلی من التنسيق والتعاون في المجالات المختلفة.

ثانياً؛ توفر منظومة مصالح إقتصادية متبادلة متعددة المجالات كفيلة بجعل البلدين يتصرفان على قاعدة “رابح/رابح”.

ثالثاً؛ إيجاد إطار أمني سعودي – إيراني أو خليجي – إيراني وظيفته تذليل العديد من القضايا والإشكالات الأمنية وبالتالي ترسيخ وتدعيم الثقة بين الجانبين.

رابعاً؛ تحصين الإتفاق السعودي الإيراني بمناخ إقليمي ودولي عبر تقديم فوائده وإبراز أثرها الإيجابي على العلاقات الإقليمية والدولية.

ومن يقرأ الجملة التي قالها الرئيس الصيني شي جين بينغ في وداع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بأن هناك تغييرات “لم تحدث منذ مئة عام.. عندما نكون معًا، فإننا نقود هذه التغييرات”، يُدرك أن العالم يقف على عتبة نظام دولي جديد؛ والجميع يتحدث عن قواعد اشتباك جديدة في المنطقة والعالم؛ وبالتالي على دول الإقليم ألا تكون بعيدة عن هذه التطورات بل منخرطة فيها.

إقرأ على موقع 180  تركيا.. هل نقلت سلاحها من كتف إلى كتف؟

إن توفر عوامل القوة الآنفة الذكر وغيرها مع الإيمان الكامل بثقافة الحوار كفيل بتعزيز الثقة التي تحتاجها ليس إيران والسعودية فحسب وإنما كل أهل البيت الخليجي الإيراني بشكل عام.. ولنا في هذا المجال تتمة.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  عقدان على "لحظة 11 أيلول"..  "الإمبراطورية" تفقد الصدارة