معادلة إردوغان.. “أنا أو الفوضى”!
Turkish President and Leader of the Justice and Development (AK) Party Recep Tayyip Erdogan speaks during the his party's group meeting at the Turkish Grand National Assembly in Ankara on February 1, 2023. (Photo by Adem ALTAN / AFP)

منى فرحمنى فرح14/05/2023
يتوجه الأتراك، اليوم، إلى صناديق الإقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد وبرلمان، وسط توقعات في أن ينجح الرئيس رجب طيب أردوغان على الأقل في فرض "جولة إعادة"، وأن ينال حزبه "العدالة والتنمية" وحلفاؤه الأغلبية في البرلمان. ويشرح سونر كاجابتاي(*) كيف أن النفوذ الواسع على وسائل الإعلام، وقانون توزيع مقاعد البرلمان، والأصدقاء الأقوياء؛ مثل السعودي والروسي؛ يمكن أن يساعد أردوغان في الفوز باصعب انتخابات له.

بعد 20 عاماً في السلطة، كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على وشك أن يفقد السيطرة على البلاد. ففي أواخر شباط/فبراير الماضي، وبعد زلزال ضخم دمر مساحة كبيرة من البلاد، واجه إردوغان أحد أكبر التحديات في حياته السياسية. ومع حلول موعد الإستحقاق الانتخابي، اليوم، بعد ثلاثة أشهر على الزلزال، لا يزال رد الحكومة على الكارثة الإنسانية ضعيفاً وفوضوياً. علاوة على ذلك، تسببت سياساته الاقتصادية في حدوث تضخم جامح، وضاق العديد من المواطنين الأتراك ذرعاً من حكمه القوي. ومع تراجع شعبيته، بدا التحالف الذي تم تشكيله من ستة أحزاب معارضة، بقيادة رئيس حزب الشعب (CHP)، كمال كليجدار أوغلو، منضبطاً ومنظماً بشكل مدهش.

لكن الأمور مختلفة الآن. ومع حلول يوم الانتخابات، يبدو أن إردوغان قد ينجح على الأقل في فرض “جولة إعادة”، وقد ينال حزبه؛ “العدالة والتنمية”؛ وشركاؤه في التحالف الأغلبية في البرلمان المرتقب. فهو، فبفضل نفوذه الواسع على وسائل الإعلام التركية، استطاع أن يُلجم النقاش العام الدائر حول تداعيات الزلزال وتصويبه نحو الإنجازات التي شهدتها البلاد في عهده؛ الصناعية منها والعسكرية. كما أن الإصلاح الحكومي للطريقة التي يوزع بها البرلمان المقاعد يمكن أيضاً أن يمنح “العدالة والتنمية” ميزة كبيرة في عملية التصويت غداً.

صحيح أن هذا الأمر يبدو مُستبعداً، غير أن إردوغان سبق وأظهر؛ مراراً وتكراراً؛ مهارات عالية في استغلال نفوذه وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالحه السياسية وتشتيت خصومه أو تحييدهم. فجميع نتائج العمليات الانتخابية التي جرت منذ بدء العمل بالنظام الرئاسي؛ الذي فرضه إردوغان في عام 2018؛ كانت في صالحه برغم قول كثيرين إنها لم تكن عادلة. كما أن البيروقراطيين يدعمون “العدالة والتنمية” بشكل علني، ويساعدونه في إستغلال موارد الدولة. أضف إلى ذلك أن الهيئات المستقلة في البلاد؛ مثل المجلس الانتخابي التركي والعديد من المحاكم التركية؛ تعمل وفق توجيهات وإرشادات الرئيس الذي بسط نفوذه على قطاع الشركات لزيادة سلطته. وعلى سبيل المثال، تسيطر الشركات الموالية لإردوغان الآن على ما يقرب من 90% من وسائل الإعلام التركية. وفي الوقت نفسه، يقمع نشطاء المجتمع المدني والسياسيين المعارضين.

كل هذا ساعد إردوغان في خلق ساحة لعب غير عادلة خلال مواسم الحملات الانتخابية التي شارك فيها. وبفضل نفوذه الواسع الذي يبسطه على القضاء ووسائل الإعلانم، وبسبب البيروقراطية الحكومية، تمكن معاونوه من هندسة نتائج انتخابية مواتية بغض النظر عن القوة النسبية للمعارضة.

عرش “السلطان” يهتز

على الورق، تمثل انتخابات هذا العام تحديات جديدة هائلة لإردوغان. لسبب رئيسي واحد، وهو أن الاقتصاد التركي يمر في أزمة منذ فترة طويلة. فالعملة الوطنية فقدت أكثر من 450% من قيمتها خلال السنوات الخمس الماضية، والتضخم يقترب من 100%. في الماضي، كان النمو الاقتصادي المطرد عاملاً حاسماً في نجاح إردوغان. لقد فاز بما يقرب من اثني عشر انتخابات على مستوى البلاد بسبب سجله في انتشال الناخبين من الفقر، وتحسين

الخدمات (خصوصاً الرعاية الصحية)، وتوفير الازدهار الاقتصادي والاستقرار. والجدير ذكره، أنه خلال العقد الأول من حكم إردوغان؛ بين عامي 2003 و2013؛ اجتذبت تركيا الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير، مما ساعد في تمويل معجزته الاقتصادية وتعزيز قاعدة حزبه (“العدالة والتنمية”). حتى بعد أن جفَّت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر؛ في السنوات التي أعقبت احتجاجات حديقة جيزي عام 2013، ظلَّ إردوغان قادراً على الحفاظ على اقتصاد وطني قوي بفضل التدفقات الكبيرة من المستثمرين العالميين.

تلقت تركيا في عهد إردوغان مليارات الدولارات من روسيا والسعودية مما ساعد في الحفاظ على الاقتصاد عائماً

لكن منذ عام 2018، تآكل سجل إردوغان الاقتصادي المزخرف. فبعد أن نجح في تغيير الدستور وتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، نصَّب نفسه “سلطاناً” جديداً لتركيا، وأصبح رئيساً للدولة، ورئيساً للحكومة، ورئيساً للحزب الحاكم، ورئيساً للشرطة الوطنية، وقائداً للجيش. كل هذا ساعده في فرض المزيد من السيطرة المباشرة على الاقتصاد، لكن في الوقت نفسه تسبب في تجريد البنك المركزي من استقلاليته، مما جعل المستثمرين الأجانب متقلبين. علاوة على ذلك، كانت سياساته الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها منذ جائحة كورونا السبب الرئيسي في دفع الاقتصاد إلى حالة من الاضطراب. فقد أبقى أسعار الفائدة منخفضة فارتفع مستوى التضخم، وتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن المالي. بعبارة أخرى، إن استيلاء إردوغان على السلطة أدى إلى سحب القاعدة الكبيرة التي كانت تدعمه ذات يوم.

في الوقت نفسه، أصبحت المعارضة أكثر تماسكاً من ذي قبل. في الانتخابات السابقة، كان بإمكان إردوغان أن يجذب قاعدته الوطنية من خلال شيطنة الجماعات السياسية المعارضة في تركيا؛ مثل اليساريين والليبراليين والأكراد والعلويين. وبما أن هذه الجماعات نفسها انقسمت إلى أحزاب صغيرة ومتنافسة، فإنها لم تكن قوية بما يكفي لمواجهة ضغط الحزب الحاكم. ولكن في عام 2018، ورداً على قرار تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي، قرَّرت أربعة أحزاب معارضة توحيد قواها. في البداية، لم يكن لهذا الإئتلاف، بزعامة كليجدار أوغلو، تأثير كبير، ولكن في الفترة التي سبقت الحملة الإنتخابية الحالية، انضم حزبان آخران إليه، فتشكلت جبهة قوية للتغيير تغطي تقريباً كامل أطياف السياسة التركية، وتعد بإنهاء حكم الرجل الواحد، وإعادة إدخال وتعزيز الأعراف والحريات الديموقراطية، وإعادة إرساء سيادة القانون، بالإضافة إلى تغيير سياسة إردوغان الخارجية (…).

المراهنة على “جولة الإعادة”

إلى جانب الوعد بـ”تركيا جديدة” في عهد كليجدار أوغلو، شكل الاقتصاد المتعثر والمعارضة الموحدة أصعب اختبار انتخابي في حياة إردوغان المهنية. ومع ذلك، طوَّر استراتيجيات لمواجهة هذه التهديدات. فبرغم تقدم كليجدار أوغلو عليه بفارق نقطة أو نقطتين، وتقدم ائتلاف المعارضة على “تحالف الشعب” في السباق للسيطرة على البرلمان، يعتقد إردوغان وأنصاره أن بإمكانهم حرمان المعارضة من الأغلبية البرلمانية ومنع كليجدار أوغلو من تحقيق فوز كامل. كما أن إردوغان واثق من الفوز إذا تمكن من فرض جولة إعادة للانتخابات الرئاسية المقررة في 28 أيار/مايو الجاري.

المعلومات.. لكسب الأصوات

تُعتبر السيطرة على مصادر المعلومات الأداة الأقوى بيد الرئيس التركي لكسب الأصوات الإنتخابية. فهو؛ وبفضل النفوذ الكبير الذي يمارسه على وسائل الإعلام المحلية؛ قادر على التحكم في صناعة الخبر وتوجيهه، لا سيما أن نحو 80% من السكان غير قادرين على قراءة لغات أخرى غير التركية. كما أنه استطاع كبح جماح هؤلاء الذين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن أخبار ومعلومات مجانية. ففي عام 2020، أقرَّ البرلمان قانوناً يفرض على منصات التواصل الاجتماعي التي ترغب في العمل في تركيا فتح مكاتب لها في البلاد، وجعلها عرضة للعقوبات والغرامات وخطر الحظر عند مخالفة توجيهات الحكومة. في الوقت نفسه، تعرضت شبكات التلفزة التركية المستقلة (وهي قليلة) لتهديدات مباشرة بدفع غرامات باهظة ووقف البث لعدة أيام إذا تجرأت وعرضت محتوى لا يتوافق مع السرد الحكومي.

إقرأ على موقع 180  البحر الأحمر بين مصر واليمن.. نظرية "الخنق الإستراتيجي"

وعليه، كانت التغطية الإخبارية في ظل حكم إردوغان انتقائية للغاية. بالكاد تم ذكر معلومات عن التضخم، الذي وصل إلى 85.5% في عام 2022. وبالكاد تجرأ أحد على إثارة موضوع أداء الحكومة وقت كارثة الزلزال (…) وخلال جائحة كورونا. كذلك تغيب القصص التي تتناول الفساد المتفشي وسط النخب الحاكمة؛ بما في ذلك الرئيس وعائلته؛ وقضايا الصحافيين والسياسيين المسجونين؛ والانتهاكات التي ترتكبها الحكومة لحقوق الإنسان. بدلاً من ذلك، يُطلب من المواطنين الإلتفاف حول إردوغان لأنه قائد مذهل جعل بلادهم عظيمة مرة أخرى، وذلك عن طريق تغذيتهم بسيل متواصل من الأخبار التي تركز على مكانة تركيا كقوة دولية كبرى، وقصص عن أول سيارة منتجة محلياً، واكتشاف رواسب الغاز الطبيعي في البحر الأسود، وأول حاملة طائرات هليكوبتر تركية بحرية.. إلخ (…).

مساعدة الأصدقاء الأقوياء

خلال أزمة التضخم؛ أودع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي مما ساعد إردوغان في الحفاظ على الاقتصاد عائماً. كذلك قدمت شركة “روساتوم” الروسية؛ المملوكة للدولة؛ وبمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مبلغاً مماثلاً، في تموز/يوليو 2022، لتمويل محطة “أكويو” للطاقة النووية الجديدة في جنوب تركيا، مما ساعد على استقرار العملة المحلية، وفي الوقت نفسه أظهر تركيا كـ”دولة نووية”؛ أو بعبارة أخرى، قوة عظمى على قدم المساواة مع العمالقة النوويين في العالم. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها روسيا، فقد يساعد بوتين أيضاً نظيره التركي في التحويلات النقدية. فبالنسبة لبوتين، يُعتبر إردوغان “حليفاً جذاباً” يمكنه المساعدة في تقويض النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. كذلك أوضح ولي العهد السعودي أنه يفضل التعامل مع إردوغان المحافظ بدلاً من التعامل مع كيليجدار أوغلو الديموقراطي ذي الميول الغربية.

أنا أو الفوضى

كما فعل في الماضي، يستخدم إردوغان اليوم النظام الانتخابي لصالحه. وهو كان في عام 2022 قد دفع بقانون من شأنه أن يزيد من فرص سيطرة “العدالة والتنمية” و”تحالف الشعب” على مقاعد البرلمان. إجراءات التصويت الرئاسي واضحة ومباشرة في النظام الانتخابي التركي: يمكن اختيار الفائز الذي يحصل على أكثر من 50% من الأصوات. وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50% من الأصوات تجري جولة إعادة بين أكبر فائزين في الجولة الأولى. لكن الطريق إلى السيطرة على البرلمان أكثر تعقيداً، بسبب التقاليد التركية الحديثة في التحالفات الانتخابية. (…).

التهديد بالعنف المتطرف يشكل تهديداً مباشراً لتماسك تحالف المعارضة وقد يساعد إردوغان على الفوز في جولة الإعادة

في الواقع، من المرجح أن يسعى إردوغان إلى مثل هذه النتيجة اليوم: تحقيق فوز صريح في البرلمان واجراء جولة إعادة للرئاسة. وأثناء التحضير لجولة الإعادة، سيخبر إردوغان الناخبين أن الحكومة المنقسمة ستكون كارثة على تركيا وأنه يجب إعادته إلى الرئاسة للحفاظ على الاستقرار. فقد سبق ونجحت استراتيجية إردوغان “أنا أو الفوضى” في الماضي: ففي عام 2015، عندما فقد “حزب العدالة والتنمية” السيطرة على البرلمان لفترة وجيزة في حزيران/يونيو، سقطت قوات الأمن التركية في حالة ضعف، ودخلت البلاد في ما يسمى بـ”صيف الجحيم”، بسبب الهجمات التي كان ينفذها حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية. فبسبب تلك الهجمات سارع الناخبون للإلتفاف حول إردوغان، مما أعطى حزبه أغلبية تشريعية جديدة في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر (…).

في الواقع، يمكن أن يشكل احتمال اندلاع أعمال عنف تهديداً مباشراً لتماسك تحالف المعارضة. فكليجدار أوغلو يحظى بدعم الأحزاب الموالية للأكراد. من المؤكد أن تجدد النزاع المسلح الذي يشمل “العمال الكردستاني” و”هدى بار”، سيؤدي إلى استقطاب أعمق بين الأفرقاء، ومن المرجح أيضاً أن يؤدي إلى تقسيم الكتلة الموالية لكليجدار أوغلو ويُخسّر المعارضة معركة الرئاسة.

الفرصة الأخيرة للديموقراطية

قد تكون المنافسة على الرئاسة التركية هي الانتخابات الأكثر أهمية. فإما أن يخسر إردوغان ويمنح تركيا فرصة لاستعادة الديموقراطية كاملة، أو يفوز ويبقى في السلطة لبقية حياته وتفقد المؤسسات التي لم تقع في قبضته بعد، مثل المحاكم  ومراكز الفكر والجامعات ووزارة الخارجية، استقلاليتها تماماً، مع تداعيات مهمة ليس فقط على النظام السياسي الداخلي، ولكن أيضاً على سياسة البلاد الخارجية. ومن دواعي سرور بوتين، أنه على الرغم من احتمال بقاء تركيا في “الناتو“، فإن إعادة انتخاب إردوغان يمكن أن يعمل بشكل أكثر حزماً كـ”مفسد” يساهم في تقويض وحدة “الحلف”.

لا يزال من الممكن أن ينجح كليجدار أوغلو في سحب ورقة رواية الفوضى من إردوغان، ويقنع الناخبين بالتخلي عن “سلطان العصر” (…). لكن لدى إردوغان أيضاً سنوات من الخبرة في التلاعب بالنظام السياسي وتجييره في صالحه. لقد وضع استراتيجية قوية للبقاء في السلطة… واخترع “السلطوية الشعبوية” في أوائل القرن الحادي والعشرين (…).

من المرجح أن تكون عملية التصويت اليوم حرة وسلمية. إذا هُزِم إردوغان، فسيشكل ذلك بمثابة تحول كبير في مكانته الشعبوية القومية على مستوى العالم. الأمر الأقل يقيناً هو الشكل الذي ستبدو عليه الانتخابات في المستقبل إذا فاز إردوغان.

– النص بالإنكليزية على موقع “فورين أفيرز”.

(*) سونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن. له كتاب “سلطان في الخريف: إردوغان يواجه قوات تركيا التي لا يمكن احتوائها“.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  بوتين بين بطرس الأكبر وهنري كيسنجر