من الآثار الباقيات لكامل مروة “نحن في إفريقيا” الصادر عام 1938 ويعالج فيه الهجرة اللبنانية والسورية إلى إفريقيا الغربية، و”رسالة في الإتحاد” صدر عام 1954 وهو مجموعة مقالات لكامل مروة والمفكر الفلسطيني اكرم زعيتر والمفكر القومي العربي ساطع الحصري حول “الإتحاد العربي” نشرتها صحيفة “الحياة” بين الأعوام 1948 و1954، و “بيروت ـ برلين ـ بيروت” الذي يعرض مشاهدات كامل مروة وتحليلاته أثناء الحرب العالمية الثانية وما تلاها من “حرب باردة” بين المعسكرين الغربي والشرقي، وأخيراً “قل كلمتك وامش” وهو كتاب من أربعة أجزاء يضم افتتاحيات “الحياة” التي كان كتبها كامل مروة منذ العدد الأول لصدور صحيفته عام 1946 وحتى تاريخ اغتياله في السادس عشر من أيار/مايو 1966.
كيف كان يفكر كامل مروة؟ هذا السؤال يفرض العودة إلى مقالاته المعروفة بـ”قل كلمتك وامش” حيث تفيض هذه المقالات بالروح العدائية لإسرائيل وبالإنتماء القومي العربي.
أولاً؛ القضية الفلسطينية:
من المقالات المبكرة التي كتبها كامل مروة حول القضية الفلسطينية، واحدة بعنوان “للـمُفتي أن يطلب إعتقال تشرشل”، والمفتي هو مفتي مدينة القدس محمد أمين الحسيني، وقد طالب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل باعتقاله فكتب كامل مروة في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 1946:
“المستر تشرشل لا يرضى بأقل من اعتقال سماحة المفتي ومحاكمته، هذا ما قاله في مجلس العموم، وإلامَ يستند تشرشل في مطلبه هذا؟ إنه يصف المفتي بأنه عدو بريطانيا ولكن المفتي ليس عدو بريطانيا إنه عدو بريطانيا التي تؤيد الصهيونية؟ إنه ككل عربي عدو تلك السياسة الإستعمارية التي دشنها تشرشل ولا يزال إلى يومنا هذا يؤمن بها ويدافع عنها، لقد قال تشرشل منذ بضعة أسابيع في خطاب له إنه نشأ على تأييد الصهيونية، وسيلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يؤيدها، وإذا حق للمستر تشرشل أن يطلب اعتقال المفتي لأنه خصم القضية الصهيونية، فإنه يحق للمفتي أيضاً أن يطلب اعتقال تشرشل لأنه خصم القضية العربية”.
بعد حرب 1948 والموافقة العربية على مشروع الهدنة مع اسرائيل، جاء في افتتاحية “الحياة” (4ـ 6 ـ 1948) “قرر مجلس الأمن أن العرب واليهود قبلوا بالهدنة بلا قيد وبلا شرط، فهل هذا صحيح؟ أصحيح أن اليهود يريدون الهدنة، إلاّ لكي ينالوا مهلة كافية لتعزيز استعدادهم العسكري؟ أتصدق أيها القارىء أن إسرائيل ستقفل باب الهجرة وترفض استلام المعدات الحربية إكراماً لقرار مجلس الأمن؟ وأميركا أصحيح أنها تريد الهدنة؟ إن كل ما يريده ترومان هو إعطاء اليهود مهلة إضافية للتسلح، وإلاّ لكانت حكومته قد طالبت بالهدنة يوم كان اليهود يقتحمون ديار العرب قبل الخامس عشر من أيار/مايو، ولما اعترفت ـ الولايات المتحدة ـ بالدولة اليهودية؟”.
كامل مروة: “في ما مضى كنا نجابه عدواً خارجياً واحداً، أما الآن فإننا نجابه عدوين في آن واحد، العدو الخارجي الأجنبي ذاته والعدو الداخلي الصهيوني، وإذا كان البحث عن وسائل لدفع البلاء قد جعل بعض أركان الحكومات العربية يفكرون بالتحالف مع دول أجنبية، فأحرى بنا أن نفكر بالتحالف الداخلي الأكبر”
وبعد يومين، وكانت وساطة السويدي الكونت فولك برنادوت قد خطت خطواتها بإتجاه وقف القتال الذي نشب بعد الخامس عشر من أيار/مايو 1948، كتب كامل مروة يقول “الكونت برنادوت إنه غير متشائم وإنه يرجو التوصل قريباً إلى وقف القتال لكي يشرع بعد ذلك في مهمة الوساطة، ومهما كانت طبيعة الكونت ميّالة إلى التفاؤل، فإننا لا نستطيع مشاطرته إياه، ذلك أن مهمة الوساطة قائمة على أساس فاسد، فالوساطة لا تستند إلى الحقوق والواجبات، بل إلى إقناع كل جانب بالتساهل والتنازل، إلى أن يلتقي الجانبان عند حل وسط، وهكذا يكون إقرار الوساطة قد اعترف لليهود بحقوق ثاتبة في فلسطين بصرف النظر عن الإعتداءات القانونية والسياسية والإجتماعية التي رافقت قيام الوطن اليهودي الموعود في فلسطين، فمحا مجلس الأمن بشطحة قلم الماضي كله، وبدأ بالحساب الجديد منذ الخامس عشر من أيار/مايو”.
وكتب مروة في السابع من كانون الأول/ديسمبر1948 “تعالوا نجرد اليوم السياسات العربية من ملابساتها، نحن الآن في هذا الشرق سبع دول عربية تجابه دولة يهودية قامت قسراً في وسط أراضينا، وليسمح القارىء ألا أضع الدولة اليهودية بين قوسين فقد كفانا تجاهلا للمصيبة، هذه الدولة اليهودية استطاعت أن توجه الضربات بصورة متتابعة إلى معظم الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، دون أن تهب أية دولة منها لتنجد الأخرى، وكان ذلك دليلاً على مقدرة اليهود على سحقنا دولة دولة وعجزنا عن الإتفاق بعضنا مع بعضنا”.
وفي العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1928 قال كامل مروة في افتتاحيته “إن خلاص العالم العربي من الإستعمار الصهيوني الذي يفرض علينا نفسه مع استعمار غربي أدهى منه، قائم في مشاريع التوحيد، فلا تبديل الوزارات ولا تغيير الرجال، بل ولا توحيد القيادات يستطيع بعد اليوم إنقاذنا من الإستعباد الجديد الذي وقعنا فيه، فإما حل طبيعي ـ مشاريع التوحيد ـ وإما أن نصبح بعد أعوام دويلات هزيلة إلى جانب دولة صهيونية قوية تهدد العالم العربي وتشرف منه على الغرب والشرق”.
وفي الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر 1948 كتب “في ما مضى كنا نجابه عدواً خارجياً واحداً، أما الآن فإننا نجابه عدوين في آن واحد، العدو الخارجي الأجنبي ذاته والعدو الداخلي الصهيوني، وإذا كان البحث عن وسائل لدفع البلاء قد جعل بعض أركان الحكومات العربية يفكرون بالتحالف مع دول أجنبية، فأحرى بنا أن نفكر بالتحالف الداخلي الأكبر”.
ثانياً؛ لبنان وفلسطين:
في عدد “الحياة” الصادر في الخامس من أيار/مايو 1946 كتب كامل مروة “إن لبنان هو الهدف الأول للتوسع الصهيوني بعد فلسطين، ومن يعلم ما يجري منذ سنين في مناطق الحدود وما فعله الصهيونيون وسماسرتهم في لبنان الجنوبي، يدرك أن الصهيونية مصممة على استخدام جميع الوسائل للتوغل في بلادنا، وقد أفلحت فعلاً في دق إسفين عميق فيها، وأنشأت رقبة جسر تهدد سلامتنا واستقلالنا فهل يجوز السكوت إلى أن يصبح الخطر داهماً كاسحاً”.
وفي نظرة رؤيوية عنوانها “مصير لبنان معلق بمصير فلسطين” كتبها في الثاني من آب/اغسطس 1946 وجاء فيها “يجب أن يدرك اللبنانيون أن مشروع الخبراء الإنكلوسكسون لتقسيم فلسطين حدث خطير يؤثر على حاضر لبنان وعلى مستقبله ـ هذا ـ التقسيم يمس كيان لبنان في الصميم، وقد يشغلنا أعواما طوالا، يجب علينا في لبنان أن نذكر أن تقسيم فلسطين في سنة 1936 أشعل نار ثورة عربية أكلت الأخضر واليابس، وأن تقسيمها اليوم سيشعل ثورة عربية لا حدود لها، لنذكر أن فلسطين تشكل الإمتداد الطبيعي للبنان نحو الجنوب، وأن كل عاصفة تهب فيها تهب عندنا في آن واحد، فمصير لبنان معلق بمباحثات لندن العتيدة بقدر مصير فلسطين، لنذكر هذا كله، ولنستخرج العبرة والعدة”.
وبعنوان “على حدودنا الجنوبية خطر عسكري” كتب (22ـ4ـ1948) قائلاً “اضطرب الموقف على حدودنا الجنوبية خلال الأيام الأخيرة اضطراباً شديداً امتد من نقطة الناقورة غرباً حتى النبي يوشع شرقاً، ذلك أن الجيش البريطاني بدأ ينسحب من معسكراته في هذه المنطقة، فنشأ عن ذلك تنافس عنيف بين العرب واليهود على احتلالها، وقد استطاع العرب استباق اليهود إلى كثير من تلك المعسكرات، ولكن اليهود احتلوا مواقع هامة، فضلا عن المواقع الحصينة الأخرى التي تقوم عليها مستعمراتهم الحدودية، فأصبح في مقدورهم تهديد حدودنا الوهمية في كل ساعة، ونقول الوهمية لأن الحدود بين فلسطين ولبنان متشابكة متداخلة، بحيث عجزت يد الإنتداب عن تخطيط ما لم تخططه الطبيعة، إن الحشد اليهودي الجديد على حدودنا يشكل خطرا ملموسا فمن يحافظ الآن على الأمن في منطقة الحدود؟ ومن يدفع العدوان؟ هذه المهمة قد انتقلت الآن إلى لبنان، ولن نتهرب منها”.
وجاء في افتتاحيته (30 ـ 5 ـ1948) الشهيرة “لم يكن الخطر الصهيوني الكامن على حدودنا سراً مكتوماً، ولم تتستر المطامع الصهيونية يوماً بل نشرت نفسها أمام عيوننا وتحت أنوفنا في هذه السلسلة من المستعمرات القائمة من الناقورة حتى الحولة، وكان علينا أن ندرك منذ اللحظة الأولى أن هذا الجوار ينتهي إلى أمرين لا ثالث لهما، أما إدماجنا في المجال الحيوي الصهيوني أو تحويل حدودنا إلى قاعدة عسكرية ضده”.
ثالثاً؛ العروبة والمواقف القومية:
في سياق دعوة كامل مروة لـ”إتحاد عربي”، كتب في التاسع والعشرين من تموز/يوليو 1951 الآتي:
“من أسوأ المساوئ التي ارتكبتها حكومات الإستقلالات العربية أنها كتمت عن رعاياها سر نشأتها وكياناتها، فهذه الحدود التي تفصل بين الدويلات العربية لم تكن موجودة منذ ثلاثين سنة، بل اخترعها المستعمر وفقا لمصلحته، واليوم عندما تطلب هذه الحكومات من مواطنيها الولاء لهذه الحدود، فإنها تطلب إليهم الوفاء لتراث الإستعمار”.
وعن ذاك الإستعمار الذي بات “حليفاً” بعد عهود الإستقلالات كتب (31ـ8 ـ 1951) كامل مروة ناقداً ولائماً “مصيبتنا نحن العرب بما يسمونه حلفاءنا هي لعمري مصيبة، وأية مصيبة، على الورق ترتبط مصر والعراق والأردن بتحالف مع بريطانيا كما أن السعودية أصبحت حليفة الولايات المتحدة، وكما أن النفوذ الأنكلوسكسوني يرعى لبنان وسوريا، حلفاؤنا إذن هم الذين يقطعون رؤوسنا هم الذين خلقوا إسرائيل وناصروها علينا، وتبنوها بعطف لا مثيل له في التاريخ كله، واليوم تقف بريطانيا ـ حليفتنا ـ في مجلس الأمن لتقوض القليل الباقي من الحصار العربي حول إسرائيل، بفتح قناة السويس للتجارة مع اليهود”.
ويكمل قائلاً “لولا تدخل روسيا أمس لفرض مجلس الأمن على مصر فتح القناة، إذن: ما هذا التحالف؟ وما هؤلاء الحلفاء؟ وما هذه الأيدي الصديقة التي تحمل الخناجر في وجوهنا وظهورنا؟ قد يقولون إن المندوب الروسي فعل ما فعل نكاية بالأنكلوسكسون ورغبة منه في تعزيز الدعاية السوفياتية في بلاد العرب، قد يكون هذا صحيحاً ولكن ذلك لا يمنع أن التدخل الروسي أنقذ مصر ومعها الدول العربية من قرار مجلس الأمن، أي من حلفائنا الأكارم الذين يعتبرون سيادة إسرائيل علينا شرطا لكل تحالف”.
بعد “العدوان الثلاثي” على مصر عام 1956 نشر (15ـ12ـ 1956) كامل مروة هذه الإفتتاحية “ليس لنا أن نحاسب الولايات المتحدة على المساعدات التي تقدمها إلى من تشاء، فهي حرّة بأموالها وهي فوق هذا دولة كبرى ذات سياسة عالمية، ولكن عندما نقرأ أن الولايات المتحدة بادرت لمساعدة بريطانيا مالياً، لكي تتحمل الخسائر التي تكبدتها بفعلتها الشنيعة في قناة السويس، يحق لنا أن نتساءل: ومصر الضحية، من يعوض عليها الخسائر التي أنزلها بها العدوان، هذه الخسائر الهائلة التي أنزلتها بنا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ونحن في أشد الحاجة إلى الموارد لتغذية نهضتنا، هذه الخسائر، أيجوز أن ينام الضمير العالمي عليها”؟
وحول “السد العالي” جاء في “قل كلمتك وامش” في التاسع من كانون الثاني/يناير 1960 “نبأ المباشرة في بناء السد العالي يجب أن يثلج صدر كل عربي إنه ليس حدثا اقليمياً محدود الوقع، بل يتناول المجموعة العربية بأسرها، ويسرنا أن يكون الرئيس عبد الناصر قد استطاع أخيراً المباشرة في تنفيذ هذا المشروع الجبار، ويسوؤنا أن تكون القاهرة قد اضطرت إلى طلب المعونة من الخارج، مع أن الأموال العربية المجمدة والمهدورة كانت تستطيع تنفيذ هذا المشروع، وسيرى الذين حبسوا ويحبسون المساعدات العربية عن مثل هذا المشروع، إنهم يرتكبون خطأ فاحشاً سينقلب يوما ما عليهم، إننا نهنئ الاقليم والرئيس عبد الناصر بهذه الخطوة داعين الله أن يأخذ بأيدي المسؤولين لإكمال المشروع إلى نهايته، وفي أسرع ما يكون”.
كامل مروة: عندما نقرأ أن الولايات المتحدة بادرت لمساعدة بريطانيا مالياً، لكي تتحمل الخسائر التي تكبدتها بفعلتها الشنيعة في قناة السويس، يحق لنا أن نتساءل: ومصر الضحية، من يعوض عليها الخسائر التي أنزلها بها العدوان، هذه الخسائر الهائلة التي أنزلتها بنا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل
ماذا بعد؟
كتب المفكر أكرم زعيتر صديق كامل مروة ورفيق دربه في مقدمة سلسلة “قل كلمتك وامش” التي صدرت عام 1986 في بيروت “كان كامل قومياً عربياً ذا نزعة إسلامية لا طائفية، وكان يؤمن بالفكرة الإتحادية (…) وما أكثر ما كان يؤلمني ويثير في نفسه سخرية وهزؤا أن يقال يومئذٍ: إن اتحاد العراق والأردن هو مشروع استعماري، ونحن نعلم علم اليقين أن الإستعمار هو الذي يعرقله ويحول دون تحقيقه وكان يقال: إن وراء الدعوة إلى اتحاد سورية والعراق مطامع لساسة عراقيين وأردنيين، وأنا أعلم ويعلم هو أن أولئك الساسة كانوا يعارضون الدعوة ويثبطون عنها العزائم”.
يقول رجل الأعمال اللبناني حكمت قصير (1920-2016) في شهادة مسجلة له عام 2011 “كنت يافعاً عام 1938 عندما جاءنا إلى داكار ـ عاصمة السنغال ـ النائب رشيد بيضون بصفته رئيسا للجمعية العاملية ومعه كامل مروّة، كانا يهدفان إلى حثّ المغتربين على التبرع للجمعية، رآني كامل وطلب مني أن ألاقيه في الفندق، ولما التقيته في اليوم التالي، قال لي: عندنا قضية اسمها القضية الفلسطينية وهي مقدسة، وأريد أن أوجد محطة في عالم الإغتراب لجمع المساعدات لهذه القضية، كان على صلة بالحاج أمين الحسيني، قلت له لا مانع لدي وهكذا بدأنا نجمع المساعدات ونرسلها إلى المؤسسات الفلسطينية المختلفة، وبقينا على ذلك لغاية السبعينيات”.
رحم الله كامل مروة.