ماذا لو عاد ترامب رئيساً في زمن الحرب الأوكرانية؟

أوروبا والعالم يستعدان لعودة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الإنتخابات الرئاسية في 2024. وقادة أوروبيون ينتابهم قلق غير معلن من هذه العودة، مع ما يمكن أن تعنيه للقارة في زمن الحرب الروسية-الأوكرانية. 

المشاكل القانونية التي يواجهها دونالد ترامب، وبعضها جدي وخطير ويمكن أن يقود إلى سجن الرجل، لم تثبط شعبيته في أوساط الحزب الجمهوري حتى الآن، ولم تجعل قواعد الحزب تنفض عنه. ولا يزال متفوقاً بأكثر من 30 نقطة على أقرب مرشح جمهوري وهو حاكم فلوريدا رون ديسانتس.

وتدليلاً على عدم إكتراث ترامب بمنافسيه الجمهوريين، فإنه تغيب عن المناظرة الأولى التي جرت بين المرشحين للإنتخابات التمهيدية في مدينة ميلووكي بولاية ويسكنسن في 24 آب/أغسطس الماضي بين ثمانية مرشحين، أبرزهم ديسانتس ونائب الرئيس السابق مايك بنس والمندوبة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي.

وقبل ساعات من المناظرة، وعلى طريقته المعتادة، خطف ترامب الضوء عبر المقابلة التي أجراها معه الإعلامي اليميني المتشدد تاكر كارلسون على منصة “إكس” (“تويتر” سابقاً). وفي اليوم التالي، سلّم ترامب نفسه لسلطات سجن سيء السمعة في أتلانتا، على خلفية إتهامات له بمحاولة قلب نتائج الإنتخابات الرئاسية في ولاية جورجيا عام 2020. والتقطت له صور جنائية قبل إطلاقه بكفالة بقيمة 200 ألف دولار. ويواجه ترامب أربع محاكمات جنائيّة العام المقبل خلال موسم الانتخابات التمهيديّة للحزب الجمهوري الذي يبدأ في كانون الثاني/يناير، وفي ذروة الحملة الرئاسيّة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

ولا يعطي ترامب أي إشارة إلى إمكان تراجعه عن خوضه الإنتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس جو بايدن، حتى لو أدين بأي تهمة من الإتهامات الأربعة ووصل به الأمر إلى السجن. لكن التفوق الكاسح الذي يحظى به الرئيس السابق داخل قواعد الحزب الجمهوري، لا يتمتع بمثله على المستوى الوطني. وتتراوح نتائج الإستطلاعات هنا بين تنافس شديد بين المرشحين أو تفوق طفيف لمصلحة أحدهما.

وسبق لترامب وحلفائه أن أشاروا إلى أنهم يعتزمون تحويل المشاكل القانونية المتداخلة التي يواجهها، إلى إستفتاء على النظام القضائي الجنائي، من خلال السعي إلى تصويره على أنه سلاح سياسي في يد الديموقراطيين.

زاد التشنج الأوروبي مع عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد إختراقاً نوعياً في الميدان، يرغم بوتين على القبول بتسوية تفاوضية تصب في مصلحة كييف والشركاء الغربيين. الأوروبيون كانوا مستعجلين لقلب الميدان والدخول في المفاوضات مع وجود بايدن في البيت الأبيض، لكنهم الآن غير متأكدين مما يمكن أن تسفر عنه الإنتخابات الرئاسية بعد 16 شهراً من الآن

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن “الرئيس يفتقد إلى سلطة إلغاء قضايا مرفوعة في الولايات، ولكن حتى لو تمت إدانة ترامب، فإن أي طعون ستنتظر يوم التنصيب في 2025. وإذا ما عاد إلى المنصب بحلول هذا الوقت، فإن وزارة العدل يمكنها أن تثير تحديات دستورية، في محاولة لإرجاء إي إجراءات قانونية إضافية، مثل عقوبة السجن، في الوقت الذي يتولى فيه منصبه”.

ومع ذلك العالم يتحسب منذ الآن. ولم ينسَ القادة الأوروبيون سنوات التوتر التي سادت عبر ضفتي الأطلسي، عندما كان ترامب في البيت الأبيض. فكيف سيكون عليه الحال مع الحرب الدائرة في أوكرانيا؟

لا تزال مواقف ترامب حيال حلف شمال الأطلسي يتردد صداها لدى الشركاء الأوروبيين. ولم يتوانَ عن وصف الحلف بأنه “منظمة عفا عليها الزمن”. وكان دائم التذكير للأوروبيين – وتحديداً ألمانيا – بأنهم يتمتعون بالحماية الأميركية من دون مقابل. وذهب إلى حد الأمر بسحب آلاف الجنود الأميركيين من ألمانيا بعد جولة توتر مشهودة مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل. وها هو المستشار الألماني الحالي أولاف شولتس يتدارك الموقف منذ الآن، بنسج شبكة من الإتصالات مع قادة في الحزب الجمهوري ومقربين من ترامب.

الزعماء الأوروبيون يتفادون الحديث علناً عن رأيهم في العودة المحتملة لترامب ويفضلون إلتزام جانب الحذر، كي لا تحسب مواقفهم تدخلاً في الإنتخابات الأميركية. لكن بواعث القلق موجودة والتساؤلات كثيرة. وأول ما يشغل بال الأوروبيين هو مصير المساعدة العسكرية السخية التي يقدمها بايدن لكييف. هل يعمد ترامب إلى وقفها أو خفضها بالحد الأدنى، في وقت لا تستطيع الدول الأوروبية مجتمعة تعويض أي نقص في المساعدة الأميركية. بلغت قيمة المساعدات العسكرية الأميركية حتى الأسبوع الماضي 70 مليار دولار، ومثلها أو أقل بقليل مساعدات مالية.

سبق لترامب أن تعهد بوضع حدٍ للحرب في أوكرانيا “في يوم واحد”، وهو قال في مقابلة مع “فوكس نيوز بيزنس” في تموز/يوليو الماضي: “سأتصل بالرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين، وأقول لهما: إذا لم يقبل أحدكما بوقف النار وتسوية سلمية، فإنني سأقف ضد الطرف الرافض للتسوية بكل قوة”.

كلام أحدث هلعاً في أوساط السياسيين الأوروبيين وإن كانوا يُعبّرون عن ذلك مواربة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال مؤخراً في مقابلة مع مجلة “لوبوان” الفرنسية: “لقد كنا محظوظين بوجود إدارة أميركية ساعدتنا.. هل يمكننا جعل أوكرانيا تخسر وروسيا تربح؟ الجواب هو كلا.. يتعين علينا الصمود مع مرور الوقت”.

إقرأ على موقع 180  رسالةُ الرد الإيراني.. ولّى زمن عربدة إسرائيل في المنطقة

زاد التشنج الأوروبي مع عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد المستمر منذ ثلاثة أشهر، إختراقاً نوعياً في الميدان، يرغم بوتين على القبول بتسوية تفاوضية تصب في مصلحة كييف والشركاء الغربيين. الأوروبيون كانوا مستعجلين لقلب الميدان والدخول في المفاوضات مع وجود بايدن في البيت الأبيض، لكنهم الآن غير متأكدين مما يمكن أن تسفر عنه الإنتخابات الرئاسية بعد 16 شهراً من الآن.

وفي مقابل الهواجس الأوروبية، يسري الإرتياح في الكرملين. ويبدو بوتين متيقناً بتغير الموقف الأميركي في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض. ولذلك، ما على القوات الروسية إلا الصمود من الآن وحتى موعد الإنتخابات الأميركية.

عندما سأل تاكر كارلسون ضيفه دونالد ترامب، هل يعتقد في ظل هذا الإنقسام أن أميركا في طريقها إلى حربٍ أهليةٍ، أجاب الرئيس السابق “لا أدري”!

وإلى القلق من إحتمالات تغير الموقف الأميركي، وعودة التيار الإنعزالي إلى الإنتصار في الولايات المتحدة، يخشى الأوروبيون أن يلجأ ترامب مجدداً إلى إضرام نيران الحرب التجارية مع الإتحاد الأوروبي، عبر زيادة التعرفة الجمركية على كل الصادرات الأوروبية إلى أميركا.

وعلى الضفة الآسيوية من العالم، لا يخفي ترامب عداءه التجاري للصين، لكنه لم يؤسس أحلافاً أمنية وعسكرية في المنطقة لتطويق الصين، ولم يرفع التحدي في تايوان إلى المستوى الذي ذهب إليه بايدن.

ولن تشعر اليابان وكوريا الجنوبية بإرتياح لعودة ترامب، الذي عقد قمتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، محاولاً إنتهاج لغة الحوار والإغراءات لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن الأسلحة النووية والحد من التوتر في شبه الجزيرة الكورية.

وفي ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، لا تنسى طهران أن ترامب هو الذي إنسحب عام 2018 من خطة العمل المشتركة الشاملة (الإسم الرسمي للإتفاق النووي) لعام 2015. وإتفاق تبادل السجناء والإفراج عن ودائع إيرانية مجمدة في الخارج مؤخراً والحديث عن إمكان التوصل إلى “تفاهم” ولو مؤقت على البرنامج النووي الإيراني، وضعته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في سياق التحسب من عودة ترامب، ولذلك يجب الحصول على أقصى ما يمكن من مكاسب في ظل إدارة بايدن.

وعلى صعيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يشعر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإرتياح أكبر للتعامل مع ترامب، برغم أن الأخير أخذ عليه التهنئة التي وجهها إلى بايدن على إنتخابه رئيساً.

ولم يغير بايدن الكثير من سياسات ترامب في المسألة الفلسطينية. وهو يعمل بنشاط اليوم من أجل إقناع السعودية بالتطبيع مع إسرائيل والإنضمام إلى “إتفاقات إبراهام”. فهل ينجز الأمر في ظل إدارة بايدن أم ينتظر الطرفان عودة ترامب؟ يسأل مراقبون.

كل ما تقدّم من سيناريوات مبني على إفتراضات. ومن غير الممكن التنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه الإنتخابات في ظل هذا الإنقسام السياسي الحاد. وعندما سأل تاكر كارلسون ضيفه دونالد ترامب، هل يعتقد في ظل هذا الإنقسام أن أميركا في طريقها إلى حربٍ أهليةٍ، أجاب الرئيس السابق “لا أدري”!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ثقافة التمرّد بوجه الأحزاب.. لمصلحة المجتمعات