دخل “معبر الحمران” منذ 11 شهراً في دائرة الصراع على خلفية الإقتتال الذي يجري بين فصيلي “فرقة الحمزة” و”سليمان شاه” من جهة و”الفيلق الثالث” بقيادة “الجبهة الشامية” من جهة ثانية، وذلك على خلفية اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته وتوجيه أصابع الاتهام إلى قيادة “فرقة الحمزة” في تنفيذ هذه العملية.
حينذاك، كادت “الجبهة الشامية” تنجح في طرد “فرقة الحمزة” من جميع مقارها في منطقة درع الفرات لولا تدخل “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) بقيادة أبي محمد الجولاني في الإقتتال ووقوفها إلى جانب “فرقة الحمزة”، الأمر الذي تطوّر ميدانياً إلى حد سيطرة الفصائل المتحالفة مع الجولاني على مدينة عفرين في خطوة أثارت قلقاً إقليمياً ودولياً، ما اضطر أنقرة إلى ممارسة ضغوط كبيرة من أجل دفع الجولاني إلى الإنسحاب من عفرين، لكن الأخير اكتفى بالإنسحاب الشكلي تاركاً العديد من أذرعه الأمنية والعسكرية في المنطقة تحت غطاء الفصائل المتحالفة معه.
على هامش “غزوة عفرين” التي سرقت الضوء في حينه، تمكّن فصيل “أحرار الشام-القطاع الشرقي” الذي سبق له الانشقاق عن “الفيلق الثالث” والتحالف مع “هيئة تحرير الشام” من السيطرة على “معبر الحمران” في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، وذلك بالتنسيق مع “فرقة الحمزة” التي كانت تخوض اشتباكات واسعة مع “الفيلق الثالث”.
“هيئة تحرير الشام” ما تزال تضع التمدد في شمال حلب هدفاً لها، حرصاً منها على تنويع خياراتها والحفاظ على تنسيق اقتصادي مع “قسد” يكون قابلاً للتطور إلى تنسيق أمني وسياسي في حال شعرت “تحرير الشام” بخطر مُعين يُهدّد وجودها
وفي إطار الردّ التركي على تداعيات هذه التطورات، اجتمعت الاستخبارات التركية بقادة عدد من الفصائل المسلحة في غازي عنتاب وفرضت عليها مقررات لعل أبرزها توحيد إدارة المعابر تحت إشراف الشرطة العسكرية، وإعادة هيكلة الفصائل لدمجها تحت قيادة موحدة. لكنّ “أحرار الشام- القطاع الشرقي” ظلّ لمدة خمسة شهور يمانع في التنازل عن إدارة “معبر الحمران” الذي سيطر عليه، ولم يوقع على الاتفاق مع قيادة “الجيش الوطني” إلا في شهر آذار/مارس من العام الماضي، بعد تشكيل “تجمع الشهباء” الذي ضمّ إليه كلاً من “الفرقة 50” ومجموعات من “حركة نور الدين الزنكي” و”صقور إعزاز”. وظلت بنود الاتفاق غير معلنة بالكامل، لكن المعبر ظل تحت إشراف “تجمع الشهباء”، حليف “هيئة تحرير الشام”، مع تقاسم الإيرادات المالية وسط اعتقاد أن الهيئة كانت تنال حصة وافرة من هذه الإيرادات عبر حلفائها.
ويعتبر الصراع على “معبر الحمران” امتداداً لغزوة عفرين، وبالتالي فهو يحمل في طياته جميع أبعادها ودلالاتها، ولا سيما لناحية السعي إلى فرض النفوذ والتمدد ومحاولة إعادة التموضع وتغيير خرائط التحالفات، تحسباً لما تستبطنه المرحلة القادمة من متغيرات جذرية في المشهد السوري العام ومشهد مناطق سيطرة الفصائل بشكل خاص.
وقد تزامنت غزوة عفرين في خريف العام الماضي مع تدشين مسار التقارب السوري – التركي، وهو المسار الذي نظر إليه الجولاني بعين الإرتياب ولا سيما أنه رأى فيه تحدياً وجودياً لتنظيمه ونفوذه في إدلب. وقد ذهبت معظم القراءات في حينه إلى اعتبار مغامرة الجولاني في عفرين بمثابة رسالة ضغط موجهة إلى أنقرة مفادها أن الجولاني لن يتخلى عن إمارته التي أنشأها في إدلب بسهولة، وأنه يحاول التمدد في مناطق ريف حلب المجاورة له من أجل تأمين مكان بديل يأوي إليه في حال اتفقت أنقرة مع دمشق وموسكو على التخلص منه في إدلب.
وتجدّدت الاشتباكات حالياً حول “معبر الحمران” منذ حوالي الأسبوعين بشكل عنيف، بالتزامن مع تطورات هامة، يأتي في مقدمتها، الإقتتال الدائر بين “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) و”قوات العشائر” في ديرالزور وامتد إلى أرياف حلب، وهو ما يعني أن الصراع على “معبر الحمران” لا يقتصر على البعد الإقتصادي والرغبة في السيطرة على عائداته المالية وحسب، بل يتعدى ذلك إلى توظيفه في إعادة رسم المشهد الميداني وصياغة استراتيجيات جديدة تضمن مواجهة تطورات كبرى محتملة في حنايا المشهد السوري الآتي.
وقد اختلفت القراءات للصراع المتجدد حول “معبر الحمران” وارتباطه ببعض “الأجندات” الخارجية. حيث ذهب فريق للقول إن واشنطن تريد من خلال الإقتتال بين “قسد” و”العشائر” إعادة التوازن إلى علاقاتها مع العشائر العربية في منطقة شرق الفرات من خلال إضعاف هيمنة “قسد” وإظهارها غير قادرة على فرض سيطرتها. ويُخالف هذا الرأي مضمون البيانات التي صدرت عن قوات التحالف الدولي وما تضمنته من إشادة بقوات “قسد” والتأكيد على علاقة التحالف المستمرة معها.
ويذهب الرأي الثاني إلى أن الولايات المتحدة تدعم التقارب بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” بهدف العمل على توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش السوري وتشكيل كانتون كبير تديره حكومة واحدة بهدف منافسة حكومة دمشق الشرعية دولياً.
وقد تسربت في الصيف الماضي معلومات عن اتصالات قامت بها “هيئة تحرير الشام” مع “قسد”، وأن هذه الاتصالات بدأت بالجانب الاقتصادي لكنها سرعان ما انتقلت إلى الجانب السياسي.
وفي محصلة المفاوضات بين الجانبين، تُشير المعلومات إلى توقيع اتفاق حول توريد المحروقات من مناطق “قسد” إلى مناطق “هيئة تحرير الشام” عبر منطقة درع الفرات. وبموجب هذا الإتفاق تتولى “شركة الشمال” التي يُشرف عليها مالك العبد الموالي لـ”هيئة تحرير الشام” تحديد المصافي التي يُسلمها التجار الموالون لـ”قسد” مادة الفيول، حتى تضمن “شركة الشمال” أن يلتزم أصحاب مصافي التكرير بتسليم الشركة المازوت بعد تصفيته، وفي حال عدم الالتزام تتولى الشركة التراسل مع “قسد” من أجل وقف تزويد المصفاة غير الملتزمة بالفيول.
وتُفيد المعلومات أن النقاشات امتدت إلى الجانب السياسي بين الطرفين، وشملت الحديث عن إمكانية تشكيل إدارة مدنية مشتركة في حال استطاعت “هيئة تحرير الشام” السيطرة على مناطق “الجيش الوطني” السوري، وأشارت “قسد” إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ترحب بتوحيد مناطق شمال شرقي وشمال غربي سوريا، وذلك وفق تقرير نشره “تلفزيون سوريا” المعارض.
ويبدو أن “قسد” تريد توظيف “هيئة تحرير الشام” ضد تركيا بهدف الضغط عليها لحرف أنظارها عن منطقة شمال شرقي سوريا، حيث تحدثت مع “تحرير الشام” حول ضرورة العمل المشترك ضد النفوذ التركي وتحريك مظاهرات شعبية والضغط باتجاه الانفتاح بين مناطق “قسد” وشمال غربي سوريا وفرضه كأمر واقع.
تُفيد المعلومات أن النقاشات امتدت إلى الجانب السياسي بين الطرفين، وشملت الحديث عن إمكانية تشكيل إدارة مدنية مشتركة في حال استطاعت “هيئة تحرير الشام” السيطرة على مناطق “الجيش الوطني” السوري
ومن الواضح أن “هيئة تحرير الشام” ما تزال تضع التمدد في شمال حلب هدفاً لها، حرصاً منها على تنويع خياراتها والحفاظ على تنسيق اقتصادي مع “قسد” يكون قابلاً للتطور إلى تنسيق أمني وسياسي في حال شعرت “تحرير الشام” بخطر مُعين يُهدّد وجودها.
ومن الواضح أن سيطرة “هيئة تحرير الشام” على “معبر الحمران” تضمن لها تحقيق الهدفين السابقين وهما احتكار تجارة النفط مع “قسد” بما تدره عليها من أرباح خيالية، وكذلك تأمين نافذة مستدامة للتواصل بين الطرفين تكون صالحة لبناء علاقات أوثق في مواجهة العواصف التي تنذر بها التطورات الجارية.