عبدالله السناوي09/10/2023
لا يتلخص الانقسام الأمريكى الفادح فى الكراهيات المتبادلة، التى أفلتت عن كل قيد، بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، أو بين رئيسين حالى وسابق يطمح كلاهما للمقعد نفسه فى الانتخابات المقبلة. ما هو تحت السطح أخطر وأفدح.
يُقال عادة إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا هزليا.
الأرجح حتى الآن أن يتكرر سيناريو (2020) فى (2024)، نفس المتنافسين «جو بايدن» و«دونالد ترامب»، ونفس خطاب الكراهية مقرونا بعصبية مفرطة.
يتجاوز ذلك السيناريو ما هو هزلى إلى ما يشبه الانتحار الاستراتيجى، كأن الولايات المتحدة تيبست شرايينها السياسية وفقدت قدرتها على ضخ دماء جديدة فى سياساتها الداخلية والدولية.
هذه ليست أزمة عابرة يمكن تجاوزها بصورة أو أخرى، بعد وقت أو آخر.
إنها إشارة لا يمكن تجاهلها إلى نوع المستقبل، الذى ينتظر الولايات المتحدة كقوة عظمى أمسكت لوحدها بمقادير النظام الدولى إثر نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتى السابق مطلع تسعينيات القرن الماضى.
النظام الدولى يبدو الآن متهالكا وغير قادر على البقاء دون أن يولد نظاما جديدا من تحت أنقاضه.
اكتسبت القوة الأمريكية أوزانها الدولية بما توافر لها من قدرات عسكرية واقتصادية فائقة بالإضافة إلى الصورة التى بدت عليها أعقاب الحرب العالمية الثانية وقوة النموذج الذى طرحته فى نظاميها السياسى والقضائى.
أخطر ما يحدث الآن تقوض الثقة العامة فى مؤسساتها، حيث تنتهك أية قواعد وأصول على نحو مزعج.
تسييس القضاء عنوان للأزمة المؤسسية، والطعن فى نزاهته عنوان ثان.
الأسوأ أن الرئيسين السابق والحالى متهمان بارتكاب جرائم جنائية، أو التستر عليها، تستوجب السجن فى حالة «ترامب» والعزل فى حالة «بايدن».
استطلاعات الرأى العام الأمريكية ترجح أن يحوز «ترامب» الرئاسة إذا كان منافسه هو «بايدن».
ربح «بايدن» انتخابات (2020) بتصويت عقابى لا بإقناع سياسى.
بدت تلك الانتخابات أقرب إلى استفتاء على «ترامب».
ربما ينجح هذه المرة أيضا لسبب نفسه.
وربما يراهن غريمه أن تنقلب اللعبة عكسيا.
الشخصنة الزائدة من علامات الأزمة الأمريكية المتفاقمة.
الأرجح حتى الآن أن يتكرر سيناريو (2020) فى (2024)، نفس المتنافسين «جو بايدن» و«دونالد ترامب»، ونفس خطاب الكراهية مقرونا بعصبية مفرطة.
يتجاوز ذلك السيناريو ما هو هزلى إلى ما يشبه الانتحار الاستراتيجى، كأن الولايات المتحدة تيبست شرايينها السياسية وفقدت قدرتها على ضخ دماء جديدة فى سياساتها الداخلية والدولية.
هذه ليست أزمة عابرة يمكن تجاوزها بصورة أو أخرى، بعد وقت أو آخر.
إنها إشارة لا يمكن تجاهلها إلى نوع المستقبل، الذى ينتظر الولايات المتحدة كقوة عظمى أمسكت لوحدها بمقادير النظام الدولى إثر نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتى السابق مطلع تسعينيات القرن الماضى.
النظام الدولى يبدو الآن متهالكا وغير قادر على البقاء دون أن يولد نظاما جديدا من تحت أنقاضه.
اكتسبت القوة الأمريكية أوزانها الدولية بما توافر لها من قدرات عسكرية واقتصادية فائقة بالإضافة إلى الصورة التى بدت عليها أعقاب الحرب العالمية الثانية وقوة النموذج الذى طرحته فى نظاميها السياسى والقضائى.
أخطر ما يحدث الآن تقوض الثقة العامة فى مؤسساتها، حيث تنتهك أية قواعد وأصول على نحو مزعج.
تسييس القضاء عنوان للأزمة المؤسسية، والطعن فى نزاهته عنوان ثان.
الأسوأ أن الرئيسين السابق والحالى متهمان بارتكاب جرائم جنائية، أو التستر عليها، تستوجب السجن فى حالة «ترامب» والعزل فى حالة «بايدن».
استطلاعات الرأى العام الأمريكية ترجح أن يحوز «ترامب» الرئاسة إذا كان منافسه هو «بايدن».
ربح «بايدن» انتخابات (2020) بتصويت عقابى لا بإقناع سياسى.
بدت تلك الانتخابات أقرب إلى استفتاء على «ترامب».
ربما ينجح هذه المرة أيضا لسبب نفسه.
وربما يراهن غريمه أن تنقلب اللعبة عكسيا.
الشخصنة الزائدة من علامات الأزمة الأمريكية المتفاقمة.
رغم التعهدات الأوروبية من هنا وهناك بمواصلة دعم أوكرانيا، إلا أن تقييد المساعدات الأمريكية يغير فى موازين وحسابات مسارح القتال. ما الذى يمكن أن يحدث إثر ذلك التطور الجوهرى؟ هذا هو السؤال الذى يطرح نفسه الآن بإلحاح على صانع القرار الأمريكى والعالم بأسره
مع كل قضية جنائية جديدة ضده ترتفع شعبية «ترامب»، (4) قضايا فى ولايات مختلفة و(91) تهمة أغلبها ثابتة وموثقة.
هذا بذاته مؤشر خطير على تدهور العدالة الأمريكية واستعداد قطاعات واسعة من الرأى العام للتغاضى عن جرائم جنائية بمقتضى الصراعات السياسية، أو لاعتبارات الانقسام العرقى فى بنية المجتمع الأمريكى.
تسييس العدالة حاضر بصورة أو أخرى فى المحاكمات.. و«ترامب» لا يتورع عن وصف المدعين العامين والقضاة الذين يوجهون له الاتهامات ويحاكمونه بالتحيز السياسى والفساد.
التسييس نفسه يسرى على الطرف الآخر فى الصراع حيث يخضع نجل الرئيس «هانتر بايدن» لتحقيق فيدرالى بشأن جرائم ضريبية وجرائم أخرى تعود إلى الفترة التى كان والده فيها نائبا للرئيس «باراك أوباما».
فى الحالتين تغيب قواعد العدالة لصالح تصفية الحسابات السياسية والشخصية.
إننا أمام دولة مأزومة فى صورتها السياسية وأوضاعها الداخلية فيما التحديات الاستراتيجية الدولية تضغط على أعصابها.
بذريعة «أمريكا أولا» تراجعت المكانة الأمريكية فى سنوات «ترامب».
وبذريعة «أمريكا عادت» تورط «بايدن» فى المستنقع الأوكرانى.
الأول، انسحب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو.
كاد أن يفكك وحدة التحالف الغربى وحلف «الناتو» بشعار: «الأمن مقابل الدفع».
وكانت إدارته لجائحة «كوفيد 19» كارثية.
الثانى، تبنى سياسة مناقضة رهانا على استعادة القيادة الأمريكية، لكنه أخفق فى إدارة الملف الأفغانى وكان الانسحاب العشوائى لقواته من كابول مهينا لدولة توصف بالعظمى.
كما أخفق فى تقدير حدود القوة بإدارة الأزمة الأوكرانية متصورا أن هناك فرصة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
رغم أن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ارتكب خطأ تقديريا مماثلا بتصور أنه يمكن حسم الحرب سريعا، إلا أنه يظل فى موقع أفضل نسبيا، بالنظر إلى أن الحرب بالنسبة لبلاده، التى تحوز أكبر قدرات نووية فى العالم، باتت مسألة وجود.
أعاد «بايدن» رسم خرائط القوة فى أوروبا، وفرض نوعا من القيادة الأمريكية على الحلفاء الذين كادوا أن ينفرط عقدهم.
شيطن روسيا كعدو استراتيجى يستدعى الوحدة الغربية ضدها دون أن يدرك حقائق القوة المتغيرة، وأن النظام الدولى القديم استنفد زمانه فدول آسيوية متقدمة اقتصاديا وتقنيا كالصين والهند تتطلع للعب أدوار قيادية فى النظام الدولى، وروسيا يستحيل حذفها كلاعب دولى جوهرى، ودول عديدة أخرى تتطلع للمشاركة فى صناعة القرار الدولى.
بقوة الحقائق المستجدة بدأت الشروخ تضرب فى بنية التحالف الغربى وحلف «الناتو» نفسه.
يستلفت النظر هنا أن سلوفاكيا، إحدى الدول الرئيسية فى شرق أوروبا، انتخبت رئيسا يناهض الحرب الأوكرانية وقريب من موسكو، المجر لها موقف مماثل، والظاهرة مرشحة للتمدد بدواعى الضجر من كلفة الحرب الباهظة على اقتصاداتها دون أن يبدو فى الأفق المسدود أية احتمالات منظورة لتسوية سياسية.
أوكرانيا تطلب مزيدا من الدعم المالى والعسكرى حتى تحقق اختراقا عسكريا كبيرا فى «الهجوم المضاد» المتعثر والتباين يفرض سطوته على الحلفاء الأوروبيين وروسيا تحاول أن توظفه لصالحها.
فى الولايات المتحدة، طرحت تكلفة الحرب الأوكرانية نفسها موضوعا رئيسيا على التنازع الداخلى حتى كادت المؤسسات الفيدرالية أن تغلق فيما يعرف بأزمة الإنفاق الحكومى قبل أن يجرى تدارك الإغلاق فى الساعات الأخيرة.
لأول مرة فى التاريخ الأمريكى يُعزل رئيس مجلس النواب لإقدامه على عقد اتفاق مع الديموقراطيين يتجنب الإغلاق.
رغم أن الاتفاق مؤقت لمدة (45) يوما إلا أن «كيفين مكارثي« اتهم بالتواطؤ مع الديموقراطيين وجرت إزاحته من منصبه.
الجناح المتشدد فى الحزب الجمهورى، الموالى لـ«ترامب» قاد عملية الإطاحة.. وهو نفسه لا يمانع فى أن يتولى رئاسة مجلس النواب حيث لا يشترط أن يكون عضوا فيه!
وفق الاتفاق المؤقت، الذى يناهضه أغلب الجمهوريين، عرقلت أية مساعدات جديدة إلى أوكرانيا تنتويها إدارة «بايدن».
بعد شهر ونصف الشهر سوف تزداد الأمور صعوبة ويصبح «بايدن» عاجزا تماما عن تمويل كييف بما تطلبه من أموال وأسلحة.
رغم التعهدات الأوروبية من هنا وهناك بمواصلة دعم أوكرانيا، إلا أن تقييد المساعدات الأمريكية يغير فى موازين وحسابات مسارح القتال.
ما الذى يمكن أن يحدث إثر ذلك التطور الجوهرى؟
هذا هو السؤال الذى يطرح نفسه الآن بإلحاح على صانع القرار الأمريكى والعالم بأسره.
هذا بذاته مؤشر خطير على تدهور العدالة الأمريكية واستعداد قطاعات واسعة من الرأى العام للتغاضى عن جرائم جنائية بمقتضى الصراعات السياسية، أو لاعتبارات الانقسام العرقى فى بنية المجتمع الأمريكى.
تسييس العدالة حاضر بصورة أو أخرى فى المحاكمات.. و«ترامب» لا يتورع عن وصف المدعين العامين والقضاة الذين يوجهون له الاتهامات ويحاكمونه بالتحيز السياسى والفساد.
التسييس نفسه يسرى على الطرف الآخر فى الصراع حيث يخضع نجل الرئيس «هانتر بايدن» لتحقيق فيدرالى بشأن جرائم ضريبية وجرائم أخرى تعود إلى الفترة التى كان والده فيها نائبا للرئيس «باراك أوباما».
فى الحالتين تغيب قواعد العدالة لصالح تصفية الحسابات السياسية والشخصية.
إننا أمام دولة مأزومة فى صورتها السياسية وأوضاعها الداخلية فيما التحديات الاستراتيجية الدولية تضغط على أعصابها.
بذريعة «أمريكا أولا» تراجعت المكانة الأمريكية فى سنوات «ترامب».
وبذريعة «أمريكا عادت» تورط «بايدن» فى المستنقع الأوكرانى.
الأول، انسحب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو.
كاد أن يفكك وحدة التحالف الغربى وحلف «الناتو» بشعار: «الأمن مقابل الدفع».
وكانت إدارته لجائحة «كوفيد 19» كارثية.
الثانى، تبنى سياسة مناقضة رهانا على استعادة القيادة الأمريكية، لكنه أخفق فى إدارة الملف الأفغانى وكان الانسحاب العشوائى لقواته من كابول مهينا لدولة توصف بالعظمى.
كما أخفق فى تقدير حدود القوة بإدارة الأزمة الأوكرانية متصورا أن هناك فرصة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
رغم أن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ارتكب خطأ تقديريا مماثلا بتصور أنه يمكن حسم الحرب سريعا، إلا أنه يظل فى موقع أفضل نسبيا، بالنظر إلى أن الحرب بالنسبة لبلاده، التى تحوز أكبر قدرات نووية فى العالم، باتت مسألة وجود.
أعاد «بايدن» رسم خرائط القوة فى أوروبا، وفرض نوعا من القيادة الأمريكية على الحلفاء الذين كادوا أن ينفرط عقدهم.
شيطن روسيا كعدو استراتيجى يستدعى الوحدة الغربية ضدها دون أن يدرك حقائق القوة المتغيرة، وأن النظام الدولى القديم استنفد زمانه فدول آسيوية متقدمة اقتصاديا وتقنيا كالصين والهند تتطلع للعب أدوار قيادية فى النظام الدولى، وروسيا يستحيل حذفها كلاعب دولى جوهرى، ودول عديدة أخرى تتطلع للمشاركة فى صناعة القرار الدولى.
بقوة الحقائق المستجدة بدأت الشروخ تضرب فى بنية التحالف الغربى وحلف «الناتو» نفسه.
يستلفت النظر هنا أن سلوفاكيا، إحدى الدول الرئيسية فى شرق أوروبا، انتخبت رئيسا يناهض الحرب الأوكرانية وقريب من موسكو، المجر لها موقف مماثل، والظاهرة مرشحة للتمدد بدواعى الضجر من كلفة الحرب الباهظة على اقتصاداتها دون أن يبدو فى الأفق المسدود أية احتمالات منظورة لتسوية سياسية.
أوكرانيا تطلب مزيدا من الدعم المالى والعسكرى حتى تحقق اختراقا عسكريا كبيرا فى «الهجوم المضاد» المتعثر والتباين يفرض سطوته على الحلفاء الأوروبيين وروسيا تحاول أن توظفه لصالحها.
فى الولايات المتحدة، طرحت تكلفة الحرب الأوكرانية نفسها موضوعا رئيسيا على التنازع الداخلى حتى كادت المؤسسات الفيدرالية أن تغلق فيما يعرف بأزمة الإنفاق الحكومى قبل أن يجرى تدارك الإغلاق فى الساعات الأخيرة.
لأول مرة فى التاريخ الأمريكى يُعزل رئيس مجلس النواب لإقدامه على عقد اتفاق مع الديموقراطيين يتجنب الإغلاق.
رغم أن الاتفاق مؤقت لمدة (45) يوما إلا أن «كيفين مكارثي« اتهم بالتواطؤ مع الديموقراطيين وجرت إزاحته من منصبه.
الجناح المتشدد فى الحزب الجمهورى، الموالى لـ«ترامب» قاد عملية الإطاحة.. وهو نفسه لا يمانع فى أن يتولى رئاسة مجلس النواب حيث لا يشترط أن يكون عضوا فيه!
وفق الاتفاق المؤقت، الذى يناهضه أغلب الجمهوريين، عرقلت أية مساعدات جديدة إلى أوكرانيا تنتويها إدارة «بايدن».
بعد شهر ونصف الشهر سوف تزداد الأمور صعوبة ويصبح «بايدن» عاجزا تماما عن تمويل كييف بما تطلبه من أموال وأسلحة.
رغم التعهدات الأوروبية من هنا وهناك بمواصلة دعم أوكرانيا، إلا أن تقييد المساعدات الأمريكية يغير فى موازين وحسابات مسارح القتال.
ما الذى يمكن أن يحدث إثر ذلك التطور الجوهرى؟
هذا هو السؤال الذى يطرح نفسه الآن بإلحاح على صانع القرار الأمريكى والعالم بأسره.
(*) بالتزامن مع “الشروق“