بايدن يستطيع إنهاء العدوان على غزة.. إن أراد!

يقول اللواء الإسرائيلى المتقاعد يتسحاق بريك، والذى قاد سلاح المدرعات بين عامى 2009 و2018، وأنهى خدمته العسكرية بعد قضاء 34 عاما فى الجيش الإسرائيلى، «كل صواريخنا، وكل الذخيرة، وكل القنابل الموجهة بدقة، وجميع الطائرات والقنابل، كلها من الولايات المتحدة. فى اللحظة التى يغلقون فيها الصنبور، لا يمكنك الاستمرار فى القتال، لن يكون لدينا القدرة على القتال».

تؤكد هذه الشهادة ما يدركه كُثر من الخبراء الأمريكيين من غياب أى رغبة لدى الرئيس جو بايدن، لوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. إذ منذ اللحظات الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، والتى بدأت فى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، دعا الرئيس الأمريكى إسرائيل للقضاء على حركة “حماس”، وتعهد بدعمها بكل ما فى جعبة الولايات المتحدة ولأى فترة يستلزمها ذلك دون تحديد أفق زمنى لوقف القتال.
وعندما سأل أحد المراسلين بايدن قبل أسابيع عن فرص وقف إطلاق النار فى غزة، فى وقت وصل فيه عدد الضحايا آنذاك إلى 14 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وسط نقص حاد فى إمدادات الغذاء والماء والإمدادات الطبية، لدرجة تقترب من المجاعة، لم يتردد الرئيس الأمريكى فى عدم التطرق لاحتمالات وقف إطلاق النار، والذى يدرك جيدا، أنه الشخص الوحيد الذى لديه سلطة أكبر من أى شخص آخر فى العالم للمساعدة فى تحقيقه، وقال بايدن «لا شىء، لا احتمال لوقف إطلاق النار».
بالرغم من ظهور علامات على معارضة تيارات داخل الحزب الديموقراطى لدعم بايدن غير المشروط لإسرائيل، وهى تشن واحدة من أكثر حملات قصف السكان المدنيين والتدمير فى التاريخ الحديث، لم يظهر الرئيس الأمريكى أى علامة على التراجع.
فى الوقت ذاته، لا يتردد بايدن فى وصف معاناة الشعب الإسرائيلى مما جرى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومعاناة الأسرى والأشخاص المحتجزين، إذ لم يقترب على الإطلاق من الحديث عن معاناة الأطفال والنساء الفلسطينيات، ودعا ذلك أحد مساعدى بايدن السابقين للقول إن «الرئيس لا يعترف بإنسانية جميع الأطراف المتضررة من هذا الصراع»!.
نعم تشير تقارير متكررة عن محاولة مسئولى إدارة بايدن مؤخرا إقناع إسرائيل بتقليل حدة الحرب فى الأسابيع المقبلة، لكنهم لم يقولوا ما إذا كانت واشنطن ستفرض عقوبات أو تبطئ شحن الأسلحة والذخيرة، والذى يجرى بصورة يومية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
كذلك، لم ينتقد بايدن علنا الحكومة الإسرائيلية، واكتفى بالاعتماد على الضغط الخاص الذى طالما فضله، حتى مع عدم وجود أى آذان صاغية وسط أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية وتطرفا على مدار تاريخها.

يملك بايدن التحكم فى قرار وقف العدوان على قطاع غزة، وذلك على الرغم من قوة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، إلا أن الرئيس الأمريكى لا يرغب بعد فى وقف إراقة دماء الأبرياء، ولا يرغب فى وقف تدمير قطاع غزة

وعلى الرغم من تجاهل إسرائيل للعديد من نداءات بايدن، تواصل الإدارة الأمريكية ذاتها دفع الكونجرس لتقديم 14 مليار دولار فى شكل مساعدات عسكرية من دون قيود لتل أبيب.
كان من المؤكد أن هجوم حماس فى 7 تشرين الأول/أكتوبر سيُوفر فرصة لإظهار تماهى بايدن العميق مع إسرائيل، وفى خطاب ألقاه بعد ثلاثة أيام من الهجوم، تحدث بايدن بشكل مؤثر، انطلاقا من تجربته الشخصية، عن «الثقب الأسود فى صدرك عندما تفقد أحد أفراد عائلتك». وكان من الواضح أيضا وقت الخطاب أن رد إسرائيل سيكون مدمرا، وكانت قد قطعت بالفعل الغذاء والماء والوقود والكهرباء عن غزة، وأعلن وزير دفاعها بيني جانتس فرض حصار كامل فى انتهاك صريح لقوانين الحرب، التى تحظر العقاب الجماعى الذى يتحمل فيه السكان المدنيون المسئولية عن أفعال لم يرتكبوها.
بعد ذلك كرر بايدن ادعاءات الحكومة الإسرائيلية التى كُشف لاحقا أنها أكاذيب، كما أن إدارته لم تتردد فى استخدام حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الذى عارضته 10 دول فقط من أصل 186 دولة، وتجاوز بايدن الكونجرس لإيصال قذائف الدبابات إلى إسرائيل بسرعة أكبر، والحفاظ على دعم «لا يتزعزع» لحكومة خلصت العديد من جماعات حقوق الإنسان داخل إسرائيل وخارجها ــ بالإضافة إلى رئيس سابق للموساد ــ إلى إجبارها الشعب الفلسطينى على العيش فى ظل نظام فصل عنصرى.

***

هذا ما فعلته الولايات المتحدة تحت حكم الحزبين الجمهورى أو الديموقراطى لأكثر من نصف قرن بشأن الصراع العربى الإسرائيلى: تمكين وتمويل السياسات الإسرائيلية التى تؤدى فى النهاية إلى ضم الأراضى الفلسطينية، واحتلالها والسيطرة عليها، بينما تعارض علنا وتدين النتيجة المنطقية للسياسات ذاتها التى تمولها واشنطن وتمكنها. وجاء ذلك بوضوح فى حالة تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، تعقيبا على دعوات أطلقها الوزيران الإسرائيليان المتطرفان، بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، الداعية لتهجير الفلسطينيين والفلسطينيات من قطاع غزة. وجاء فى بيان الخارجية الأمريكية «ترفض الولايات المتحدة التصريحات التحريضية وغير المسئولة الصادرة عن الوزيرين الإسرائيليين سموتريتش وبن غفير. يجب ألا يكون هناك نزوح جماعى للفلسطينيين من غزة».
إلا أنه من دواعى السخرية والتعجب أن إدارة الرئيس جو بايدن ترفض هذه التصريحات الإسرائيلية المتطرفة، لكنها فى الوقت ذاته تمول وتسلح السياسات الإسرائيلية التى تخدم وتمهد لهذه التصريحات، كما تدعم تدمير قطاع غزة بحيث يصبح غير قابل للحياة داخله مرة أخرى، ناهينا عن تدميرها بصورة ممنهجة، وبدعم ومباركة من إدارة بايدن، مساكن ومستشفيات ومدارس ومنشآت البنية التحتية من محطات كهرباء ومحطات مياه، وطرق ومزارع القطاع.
فى النهاية، يملك بايدن التحكم فى قرار وقف العدوان على قطاع غزة، وذلك على الرغم من قوة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، إلا أن الرئيس الأمريكى لا يرغب بعد فى وقف إراقة دماء الأبرياء، ولا يرغب فى وقف تدمير قطاع غزة.

إقرأ على موقع 180  عباءة غازي كنعان المثقوبة.. وطوائف لبنان المأزومة

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  عباءة غازي كنعان المثقوبة.. وطوائف لبنان المأزومة