إطفاء فتيل التوتر في البحر الأحمر.. بإنهاء حرب غزة 

تشهد منطقة باب المندب والبحر الأحمر تطورات متسارعة علی خلفية إعلان الحوثيين ملاحقة السفن المتجهة للموانیء الإسرائيلية؛ في الوقت الذي قرّرت الولايات سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد من البحر المتوسط، وتزامن ذلك مع إعلان إيران عبور المدمرة "البرز" مضيق باب المندب متجهة نحو البحر الأحمر. 

تكمن الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر في كونه يربط ثلاث قارات هي إفريقيا وآسيا وأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط مروراً بقناة السويس المصرية وصولاً إلى باب المندب؛ فهذه المنطقة تُعتبر ممراً ملاحياً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً تتداخل فيه الأهمية الإقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية لكن تبقی الأهمية الإقتصادية والعسكرية والأمنية من أكبر العوامل التي تؤثر في كل هذه المنطقة.

وخلال حرب اليمن على مدى السنوات الثماني الماضية، لم تتأثر الملاحة في ممر البحر الأحمر الحيوي برغم التهديدات التي أطلقت من هنا وهناك؛ لكن حركة “أنصار الله” الحوثية وبالتنسيق مع الجيش اليمني في صنعاء، قرّرت هذه المرة ملاحقة السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية علی خلفية الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد قطاع غزة. هذا القرار أربك الواقع الأمني في هذه المنطقة التي جاءتها حاملتا الطائرات الأمريكية جيرالد فورد وأيزنهاور لدعم الكيان الإسرائيلي في حربه ضد الفلسطينيين منذ حوالي التسعين يوماً.

المشكلة ليست في قرار الحوثيين وانما في استمرار العدوان على غزة. كما أن واشنطن تدرك أنه متی وقفت الحرب هناك يتوقف التصعيد في البحر الأحمر. أما أن تذهب واشنطن بعنوان “التحالف” الفضفاض لاستهداف الحوثيين فإن ذلك لن يُؤدي سوى إلى المزيد من التصعيد ليس في باب المندب بل ربما في مناطق أخری

في 18 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت الحكومة الأمريكية إنشاء مبادرة “حارس الإزدهار” (تحالف دولي وإقليمي) وهدفها حماية الأمن في البحر الأحمر. الدول العربية الرئيسية الموجودة في هذه المنطقة امتنعت عن المشاركة؛ كما أن عدداً من الدول الأوروبية المتوسطية مثل إيطاليا وإسبانيا انسحبت من التحالف، قبل أن يبدأ مهمته، وهو ما يؤشر إلی عدم رغبة هذه الدول في الدخول بتصعيد غير محسوب العواقب خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بأمن الملاحة الدولية بقدر ما يتعلق باستمرار الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ناهيك بعدم وجود شفافية إزاء الأسباب الحقيقية التي دعت الولايات المتحدة لتشكيل هذا التحالف؛ فهل وظيفته تأمين الملاحة البحرية الدولية؟ أم مراقبة خط الملاحة المتجه للموانیء الإسرائيلية بعد إعلان الحوثيين عزمهم ملاحقة السفن المبحرة في هذا الخط؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن تفعيل عمل هذا التحالف سيُعرّض الأمن والسلام في هذه المنطقة الحيوية إلى خطر لا يُمكن تفاديه إقتصادياً وأمنياً خصوصاً أن النمو في الإقتصاد العالمي مرشح في العام 2024 للكثير من التباطؤ والانكماش.

وثمة مقاربة أخری؛ هل أن هذا التحالف الدولي يستطيع إقناع السفن المتجهة للموانىء الإسرائيلية بالمرور في البحر الأحمر؟ هل يتمكن من خفض أكلاف التأمين التي ارتفعت نتيجة قرار الحوثيين؟ وهل ينجح التحالف بتوفير الأمن في خط ملاحي بحري يساهم في نقل أكثر من 30 بالمئة من الطاقة العالمية و60 بالمئة من البضائع والسلع والخدمات للسوق العالمية بأسرها؟

صحيح أن بعض الشركات البحرية الناقلة إستطاعت أن تُوفّر طرقاً أخری بعيداً عن قناة السويس؛ لكن يبقی هذا الممر هو الأفضل والأقل تكلفة لعديد الشركات العالمية، وهو ما يعطي المنطقة أهمية إستثنائية يصعب تجاوزها. وإذا ما أراد هذا التحالف التحرش بالحوثيين عسكرياً فهذا يعني زيادة المخاطر وتعريض الأمن والسلام في هذه المنطقة للخطر.

وفي ظل هذه الأجواء، علّقت بعض أهم شركات تشغيل الخطوط البحرية في العالم عمليات العبور في البحر الأحمر وخليج عدن في حين رفعت شركات التأمين البحري أسعارها ربطاً بارتفاع معدلات مخاطر الحرب إلی مستويات غير مسبوقة. وفي الوقت الذي ما زالت السفن التي تجد نفسها غير معنية بالتهديد الحوثي تسلك هذا الطريق لكن العديد من الشركات قرّرت القيام برحلات طويلة عبر رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الموانئ المقصودة ولا سيما في حوض المتوسط، متحملة بذلك زيادة في الوقت وارتفاعاً في التكلفة.

هذه التطورات غير بعيدة عن القواعد التي وضعها زعيم حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، لجعل مرور السفن في البحر الأحمر أكثر كلفة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم لأن إطالة الرحلات حول رأس الرجاء الصالح يعني الحاجة حتماً إلى فترات زمنية أطول، وتأخير في عمليات التسليم المخطط لها قبل التغيير، وزيادة الأكلاف التي تشمل الوقود ورسوم الموانىء، وهذا الأمر سينعكس زيادة للتكلفة علی المستهلكين في تلك الدول.

خلاصة الأمر؛ ثمة قناعة متزايدة بأن تصعيد الأوضاع في منطقة باب المندب والبحر الأحمر لا يخدم انسيابية النقل في هذه المنطقة؛ وأزيد إلی ذلك أن المشكلة ليست في قرار الحوثيين وانما في استمرار العدوان على غزة. كما أن واشنطن تدرك أنه متی وقفت الحرب هناك يتوقف التصعيد في البحر الأحمر. أما أن تذهب واشنطن بعنوان “التحالف” الفضفاض لاستهداف الحوثيين فإن ذلك لن يُؤدي سوى إلى المزيد من التصعيد ليس في باب المندب بل ربما في مناطق أخری؛ زدْ على ذلك أن الأمريكي صار لزاماً عليه أن يُدرك أنه ليس صاحب مصلحة في العمل طوال الوقت رجل إطفاء حرائق عند بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية.

إقرأ على موقع 180  حرب أميركية بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  عن وهم الحرب على الإرهاب