نتنياهو يتمسك بورقة غزو رفح.. هل ترفع واشنطن “البطاقة الحمراء”؟

ما يزال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يتمسك بمنطق القوة ساعياً لإطالة أمد الحرب ضد غزة والشعب الفلسطيني خدمة لمصلحة بقائه في السلطة، برغم تيقنه استحالة تحقيق النصر المطلق الذي يُعيد من خلاله تلميع صورته وإعادة تعويم نفسه في المشهد السياسي الإسرائيلي.

بعد سبعة شهور من هذه الحرب الشرسة والأطول في تاريخ إسرائيل، نجد نتنياهو ومن حوله زمرة من الوزراء المتطرفين أمثال ايتامار بن غفير وسموتريتش، يكابرون ويعاندون ويصرون على اجتياح رفح غير عابئين بالنتائج الكارثية التي ستترتب على خطوة من هذا النوع في مربع جغرافي وديموغرافي يعج بكتلة مليونية من النازحين الفلسطينيين، بعد أن جعل جيش الإحتلال باقي مدن وقرى غزة أمكنة غير قابل للحياة حتى إشعار آخر..

صحيح أن إسرائيل استطاعت أن تُدمّر وتقتل وتُجوّع الأطفال والنساء والشيوخ وأن تقضي على الممتلكات والمستشفيات والمدارس والجامعات والجوامع والكنائس، إلا أنها لم تقضِ على حركة حماس ولا استطاعت تفكيك خلاياها ولا كشف انفاقها ولا تحرير المحتجزين الإسرائيليين الـ133 لا بالقوة ولا بالمفاوضات.. والأهم من ذلك أنها لم تقتل روح صمود أبناء غزة في أرضهم برغم المأساة الكبرى التي يتعرضون لها.

ونسمع يومياً العديد من الأصوات في الإعلام الإسرائيلي والغربي تتحدث عن فشل إسرائيل في تحقيق أهداف هذه الحرب (سحق حماس وتحرير أسراها بالقوة)، برغم الثمن الذي دفعه أهل غزة باستشهاد 34 ألفاً منهم وجرح 70 ألفاً، ناهيك بأكثر من عشرة آلاف مفقود تحت الركام.

زدْ على ذلك أن حماس أثبتت أنه برغم تمكن إسرائيل من اغتيال عدد من قيادات الصف الثاني في الحركة، إلا أن الحركة ومن خلال منظومة التحكم والسيطرة في الأنفاق لا تُدير فقط عمليات الكر والفر بل تبادر إلى توجيه الكوادر للعمل بين الناس ومراقبة الأسعار والقيام بالمهام الأمنية والخدماتية المتوفرة، ناهيك بالمساعدة قدر المستطاع في توزيع المواد الغذائية.

لذلك، كلما اقترب الأميركيون وباقي الوسطاء من مطالب حماس، وهو الأمر الذي عبّر عنه القيادي في حماس يحيى السنوار، بقوله إن الصفقة المقترحة هي الأقرب لمطالب حماس برغم وجود بعض التحفظات عليها، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، كلما تعمد نتنياهو تسريب معلومات يؤكد فيها إصرار حكومته على خوض معركة رفح، آخر معقل فلسطيني حمساوي في قطاع غزة يزعم وجود أربع كتائب عسكرية للحركة فيها.

وكما قال يائير لابيد أحد وجوه المعارضة الإسرايئلية، بأنه بات على نتنياهو أن يختار بين أمن إسرائيل أو بن غفير وسموتريتش؛ بين العلاقة مع أميركا أو بن غفير وسموتريتش؛ بين التطبيع مع السعودية أو بن غفير وسموتريتش؛ بين اطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين أو بن غفير وسموتريتش. الأكيد أن نتنياهو يخشى من سيناريو انهيار حكومته المتطرفة إذا انسحب منها بن غفير وسموتريتش، لكن حتماً لن يتركه الأميركيون يقع فريسة المتطرفين، ولذلك ضمنوا له بديلاً من نوع أن تنضم كل الشخصيات المعارضة إلى حكومته واستبعاد كأس الانتخابات النيابية المبكرة، ما يُتيح لنتيناهو أن يستمر على رأس الحكومة حتى نهاية ولاية الكنيست في العام 2026.

في الوقت نفسه، يُحمّل أهالي الأسرى نتنياهو وحكومته مصير أبناءهم ويتهمونه بالتقاعس وعدم الرغبة في تحريرهم، بسبب اخفاقه في إدارة الحرب والتفاوض مع حماس. ولأجل ذلك رفعوا سقف مطالبهم بالدعوة إلى اسقاط الحكومة واجراء انتخابات مبكرة. والملفت للإنتباه أن الانتقادات التي توجه إلى نتنياهو وحكومته لا تقتصر على المعارضة والإعلام بل تأتي تعبيراً عن مناخ يتعاظم في صفوف الجيش والمؤسسات الأمنية، من خلال الإستقالات (نموذج استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) اهارون هاليفا واستقالة قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس) من جهة ورفض الأوامر العسكرية من جهة ثانية.

يُدرك نتنياهو أنه من دون التعاون الإستراتيجي مع واشنطن، ستظل إسرائيل عالقة في وحول غزة ولن تكون قادرة على اقفال الجبهة الشمالية ناهيك بالملفين المفتوحين في كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التي تلوّح باصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وقادة إسرائيليين آخرين

ومن عادة إسرائيل أن تجري تحقيقات بعد انتهاء كل حرب تخوضها ومحاكمة المسؤولين عن أية اخفاقات، وهذا ما جرى مع غولدا مائير التي تحملت مسؤولية اخفاق الجيش الإسرائيلي في رصد حركة الجيشين المصري والسوري عشية حرب العام 1973 ومع مناحيم بيغن وأرييل شارون إثر حرب لبنان 1982 ومع إيهود أولمرت إثر حرب 2006 مع لبنان أيضاً.

هذا يعني أن نتنياهو يُدرك ويعي مسؤولية الاخفاق من الدروس السابقة التي واجهت أسلافه في الحكم وبالتالي يحاول بالتحايل والتكاذب إبعاد هذه الكأس المرة عنه. غير أن الشارع الاسرائيلي يُحمّله شخصيًا المسؤولية الأولى عما جرى في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، لا سيما في ضوء ما كان قد تلقاه من تحذيرات بشأن ما يُمكن أن تُقدِم عليه حماس ولكنه لم يكترث لها بل غطى ارتكابات وزراء اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين أكان على شاكلة الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى أو من خلال الممارسات اللاإنسانية ضد الأسرى الفلسطينيين أو التحرشات اليومية عند نقاط التفتيش وحرب القضم والتخويف اليومية في الضفة الغربية ومحاولة إضعاف وتهميش السلطة الفلسطينية، وكلها عناصر كانت تشي بانفجار كبير.

إقرأ على موقع 180  المغرب.. مملكة مرتبكة بالتجسس والفساد وتراجع الهيبة!

وكعادته، يريد نتنياهو لعامل الوقت أن يفعل فعله. كلما أطال أمد الحرب كسب أكثر. هذا ما تشي به استطلاعات الرأي التي تعطيه المزيد من المقاعد بعكس الصورة الدراماتيكية التي كانت عليها في الأسابيع الأولى التي تلت “طوفان الأقصى”. كل الوسائل مباحة عند نتنياهو من تضليل وتكاذب وتحميل مسؤولية الاخفاقات للآخرين. فهو يصر على أن يكون التحقيق موجهاً من لجنة حكومية يستطيع بصفته رئيساً للوزراء تقييد نطاق عملها والتحكم بنتائجها. بينما يتمسك رئيس الأركان هرتسي هاليفي باجراء تحقيق رسمي برئاسة قاضٍ يتمتع بصلاحيات واسعة وهو تعهد بتقيدم استقالته ووضع نفسه بتصرف التحقيق فور انتهاء الحرب..

ثمة شعور عام في إسرائيل يتنامى تدريجياً بأن حرب الجيش الإسرائيلي ضد غزة فشلت برغم مضي سبعة شهور ونحن أصبحنا على عتبة الشهر الثامن خلال أيام قليلة.. ولم تستطع حكومة نتنياهو تحقيق أهدافها، وصار لزاماً على جهة دولية أن تضع السلم لنتنياهو للنزول عن شجرة مطالبه المستحيلة غير القابلة للتحقيق. ويزيد الطين بلة تعاظم الرأي العام الدولي المعارض للحرب وتحول قضية غزة إلى قضية رأي عام في الداخل الأميركي على مسافة أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في الخريف المقبل.

وبين حاجة نتنياهو للولايات المتحدة وأسلحتها وذخائرها وللتغطية الدولية التي وفّرتها له في مجلس الأمن والأمم المتحدة، ووقوفها إلى جانبه في لحظة 7 أكتوبر وفي مواجهة الرد الإيراني ليل 13 ـ 14 نيسان/أبريل الماضي، يُصبح السؤال هل سيكون بمقدور نتنياهو أن يرفض النصائح الأميركية التي يُمكن أن تنتقل إلى مرحلة أكثر قسوة من خلال التلويح بتجميد المساعدات العسكرية؟ مع العلم أن هذا الأمر أفصح عنه معلقون إسرائيليون نقلاً عن مصادر أميركية في الساعات الماضية، وربما يكون أحد أكبر عناصر الضغط على حكومة نتنياهو من أجل ابرام صفقة جديدة مع حماس برعاية أميركية ـ مصرية ـ قطرية (يُطالب الفلسطينيون بانضمام تركيا إلى الدول الضامنة).

ويُدرك نتنياهو أنه من دون التعاون الإستراتيجي مع واشنطن، ستظل إسرائيل عالقة في وحول غزة ولن تكون قادرة على اقفال الجبهة الشمالية ناهيك بالملفين المفتوحين في كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التي تلوّح باصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وقادة إسرائيليين آخرين، الأمر الذي جعل نتنياهو يطلب من الرئيس جو بايدن وقادة غربيين آخرين التوسط لدى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية كريم خان لعدم ملاحقة كبار المسؤولين الإسرائيليين.

وهذا يعني أن إسرائيل باتت دولة منبوذة ومكروهة في العالم حتى من أعز الأصدقاء التقليديين نظرا لهول المجازر التي ترتكبها في غزة بحق الفلسطينيين ونقل هذه الصور في الفضائيات العالمية وعبر وسائل التواصل الإجتماعي..

وما يجري في جامعات أميركا والعالم من تظاهرات تأييد لغزة وفلسطين ينم عن تغيير كبير في الرأي العام الغربي وخاصة لدى فئات الشباب والنساء والاكاديميين، فإذا قرّر نتنياهو اجتياح رفح، كما تشي الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية “الإعلامية”، يكون قد نجح في تعطيل صفقة تبادل الأسرى ورضخ لضغوط حلفائه المتطرفين الذين هدّدوه بالخروج من الحكومة “إذا وافق على الاستسلام لحركة حماس” كما يدعون، لكن الأهم من ذلك، أن نتنياهو سيُحرج الإدارة الأميركية التي قالت إن اجتياح رفح “خط أحمر”، وبالتالي كيف ستتصرف إدارة بايدن، وهل نشهد تكرار مشهد العام 1973 عندما لوّح “المُنقذ” هنري كيسنجر بورقة حجب السلاح الأميركي لفرض وقف النار؟

حتماً سيؤدي اجتياح رفح حتماً إلى إطالة أمد الحرب وارتكاب مجازر إنسانية يندى لها جبين البشرية وربما يقضي على حياة من بقي من الأسرى المحتجزين ويوتر العلاقات مع أميركا ويُجمّد اتفاقيات السلام والتطبيع مع العالم العربي، فهل تستطيع إسرائيل تحمل كل هذه الضغوط وهي التي خرجت منذ أسبوعين، اي خلال الاشتباك الإسرائيلي الايراني، أشبه ما تكون ببطة عرجاء لولا الدعم الأميركي والغربي الذي أمّن ويؤمن لها كل عناصر الصمود والاستمرار في الحرب؟

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الهند ورفض عضوية الـ"أبيك".. إنه الإقتصاد!