سوليفان إلى الرياض: لا مقايضة بين الصفقة الدفاعية.. والتطبيع!

هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية التاريخية المرتقبة قريباً مع الولايات المتحدة من دون تطبيع مع إسرائيل؟ هذا ما يجيب عنه ستيفن كوك في مجلة "فورين بوليسي"(*).

بحسب مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان؛ الذي سيزور الرياض خلال الأيام القليلة المقبلة؛ فإن إدارة الرئيس جو بايدن لن توقع اتفاقية دفاع مع السعودية إذا لم توافق المملكة وإسرائيل على تطبيع العلاقات “لأنه لا يمكنك فصل قطعة عن الأخرى”. ونفى سوليفان، في مقابلة مع صحيفة “فاينانشال تايمز”، الاقتراحات الأخيرة القائلة إنه يتم النظر في اتفاق ثُنائي بين إدارة بايدن والمملكة إذا رفضت إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين.

في الوقت نفسه، يرى متابعون لشؤون الشرق الأوسط أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الرياض، في نهاية نيسان/أبريل الماضي، كانت لإضفاء شعور بالإلحاح والترقب في قصة الصفقة المحتملة. ويؤكد هؤلاء أن السعوديين وإدارة بايدن “على أتم الإستعداد لتوقيع الصفقة”، لكن “لا تزال هناك عقبات”، وهي طريقة لطيفة للإشارة إلى الإسرائيليين.

وعندما بدأ المسؤولون في واشنطن والرياض مناقشة الأمر، ظنَّت إدارة بايدن أن “صفقة الضمانات الأمنية” لن تحظى أبداً بالدعم الكافي من مجلس الشيوخ، من منطلق أن التوقيع على أي اتفاقية دفاعية يعني إلزام الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية؛ وهو ما يرفضه عدد كبير من الديموقراطيين وعدد أقل من الجمهوريين. لكن البيت الأبيض رأى أنه إذا كانت مثل هذه الصفقة تؤدي في النهاية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، فإن دعم الكونغرس سيكون أكثر احتمالاً.

إذا أرادت إدارة بايدن إبرام اتفاقية دفاعية مع السعودية فعليها أن تفعل ذلك بشكل منفصل عن مسار التطبيع، وأن تُعد حججاً جيدة بما فيه الكفاية لإقناع المتشككين

ويسعى بايدن إلى إبرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، استكمالاً لمسار “اتفاقات أبراهام” بدأ في عهد سلفه دونالد ترامب، وأثمر اعتباراً من العام 2020، توقيع اتفاقات بين الدولة العبرية وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. لكن المباحثات تأثرت بالحرب الإسرائيلية على غزة؛ والتي تنتقدها الرياض بشدة. وكانت “فكرة” التطبيع بين السعودية وإسرائيل جذَّابة ومغرية عندما بدأ النقاش فيها في أيلول/سبتمبر 2023. لكن بعد أكثر من سبعة أشهر من الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة فإن الثمن الذي يطلبه السعوديون اليوم مقابل التطبيع (أي حل الدولتين) باهظ بالنسبة للإسرائيليين الذين يعارض ثلثاهم تقريباً “الثمن”. وبناء على ذلك، لا يوجد أي مبرر للاستمرار في السعي إلى التوصل إلى اتفاق تطبيع مقابل معاهدة الدفاع.

المساعدة السعودية حاجة أميركية

يُذكر أنه خلال حملته الإنتخابية، وفي الفترة الأولى من ترؤسه البيت الأبيض، كان بايدن ينظر إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أنه “شخص غير مرغوب فيه”، وكان أعضاء الكونغرس يطالبون بمحاسبته على ارتكابه “انتهاكات” لحقوق الإنسان.

لكن، وكما توقع المسؤولون في الرياض، جاء وقت احتاج فيه بايدن إلى محمد بن سلمان. كان ذلك عندما واجه البيت الأبيض تحديات صعبة شكَّلت تهديداً حقيقياً للاقتصاد الأميركي ولمستقبل الحزب الديموقراطي ككل، وتطلبت مساعدة السعودية لمواجهتها (ارتفاع أسعار النفط خلال فترة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية). يومها وجد بايدن نفسه مجبراً على إرسال دبلوماسيين إلى الرياض، ومن ثم قام بنفسه بزيارة خاصة، في تموز/يوليو 2022، على أمل إقناع المسؤولين السعوديين بضخ المزيد من النفط لمنح الأميركيين الراحة في ضخ الغاز، وفي الوقت نفسه تحسين نتائج استطلاعات الرأي التي كانت بدأت تشير إلى تراجع نسبة التأييد لبايدن وللديمقراطيين.

وجاء التضخم (أيضاً نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة) والحرب الروسية الأوكرانية على خلفية النهج الصارم الذي يتبعه البيت الأبيض تجاه الصين. منذ توليه السلطة، جعل بايدن من أولوياته التفوق على بكين في جميع أنحاء العالم. وباعتبارها الدولة العربية الأكثر نفوذاً، كان من المتوقع أن تكون السعودية عنصراً حاسماً في تلك الاستراتيجية.

ومن ثم كان هناك التهديد الإيراني. فبعد أن أمضى المسؤولون الأميركيون نحو عامين في دفع الإيرانيين للانضمام مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الذي أُبرم في عام 2015 وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018) يبدو أن إدارة بايدن خلصت إلى قناعة مفادها أن طهران لا تريد علاقات جديدة مع واشنطن ولا مع جيرانها!

ونتيجة لذلك، شرعت إدارة بايدن في بذل جهد استثنائي لتعزيز الأمن الإقليمي كان يهدف إلى احتواء الإيرانيين وردعهم؛ وهو جهد من المتوقع أن يلعب فيه السعوديون دوراً مهماً. لكن السعوديين أصبحوا أكثر يقظة وحذراً تجاه كل ما يجري من حولهم، لا سيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وعدم رغبة إدارة ترامب في الرد على الهجمات الإيرانية التي استهدفت منشآتهم النفطية في عام 2019. ونتيجة لذلك، يريد السعوديون اليوم توقيع اتفاق رسمي يُلزم واشنطن بأمن السعودية.

إقرأ على موقع 180  بعد أفغانستان: أوروبا تتكل على الذات.. و"الناتو" مسألة وقت

لكن مقايضة “الإتفاقية الأمنية” بـ”صفقة التطبيع” لها مخاطر سلبية كبيرة على العلاقات الثُنائية التي يعتقد المسؤولون الأميركيون والسعوديون أنها ذات أهمية قصوى. لأنه في حال كان التزام الولايات المتحدة الأمني تجاه السعودية مشروطاً بالتطبيع، فمن المرجح أن تفرض العلاقات الإسرائيلية-السعودية نفسها على العلاقة الثنائية بين واشنطن والرياض وتضر بها، كما حصل مع مصر. لذا، يتعين على واشنطن والرياض أولاً استبعاد إسرائيل من الصفقة الأمنية المقترحة، ومن أي شيء آخر من شأنه أن يضخ منطقاً ثلاثياً في العلاقات الثنائية بينهما (…).

السعودية مصر التالية

وتُعد مصر خير مثالٌ على كيفية إمكانية تطور هذه الديناميكية. ففي عهد الرئيس السابق، حسني مبارك، وتحديداً خلال السنوات الأخيرة من حكمه، كان لـ”المنطق الثُلاثي” للعلاقات بين واشنطن والقاهرة وتل أبيب “أثراً مدمراً” للنظام السياسي المصري. فمعارضو مبارك؛ جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص؛ اتهموا واشنطن بتحويل البلاد إلى قوة من الدرجة الثانية (بعد أن كانت الأولى) بسبب إسرائيل، في إشارة إلى أن مصر لم تفعل شيئاً عندما اجتاحت إسرائيل لبنان مرتين (1976 و1982) ولا عندما استوطنت الضفة الغربية وضمت القدس. لأن القيام بخلاف ذلك كان من شأنه أن يُعرّض العلاقات مع إسرائيل للخطر، وهو ما من شأنه أن يؤدي بدوره إلى تقويض العلاقات مع الولايات المتحدة.

مقايضة “الإتفاقية الأمنية” بـ”صفقة التطبيع” لها مخاطر سلبية كبيرة على العلاقات الثُنائية التي يعتقد المسؤولون الأميركيون والسعوديون أنها ذات أهمية قصوى

وعلى سبيل المثال، عندما تم اكتشاف وجود أنفاق للتهريب من مصر إلى قطاع غزة لأول مرة في عام 2007، استغلت إسرائيل ومؤيدوها الأمر، وأشركت واشنطن فيه لتوجيه انتقادات قاسية للقاهرة (…) مما أغضب المسؤولين المصريين الذين كانوا يفضلون التعامل مع الأمر كـ”مسألة ثُنائية”، خوفاً من تعرض المساعدات العسكرية الأميركية للخطر، خصوصاً وأن كشف أنفاق التهريب جاء في وقت كان فيه الكونغرس يناقش ما إذا كان سيتم قطع المساعدة العسكرية لمصر وتحويلها إلى أشكال أخرى من الدعم. ومن وجهة نظر القاهرة، فإن الانتقادات الموجهة إليها بشأن أنفاق التهريب، في ذلك الوقت الحسَّاس، أدت إلى مشاكل ثنائية بينها وبين إسرائيل من جهة، وإلى توتير العلاقات بينها وبين واشنطن من جهة ثانية.

إن إشراك إسرائيل في الجهود الرامية إلى تأمين اتفاق أمني بيت واشنطن والرياض لن يؤدي سوى لمزيد من التعقيد للعلاقات الثنائية المُعقَّدة بالفعل بين البلدين (…).

صحيح أن إسرائيل والسعودية لا يشتركان في الحدود، وبالتالي من غير المرجَّح أن تؤثر المخاوف الأمنية الإسرائيلية على العلاقات الأميركية السعودية على غرار ما حصل مع مصر. ومع ذلك، ماذا يحدث عندما يثير النهج السعودي الدقيق في التعامل مع إيران ذعر الإسرائيليين؟ ومثل المصريين، يعتمد السعوديون على المساعدة الأمنية الأميركية، وإذا لم يعجب الإسرائيليون الطريقة التي يتبع بها الديوان الملكي سياسته الخارجية، فإن احتمال حدوث مشاكل في العلاقات الأميركية السعودية أمر حقيقي.

لكن المشاكل المستقبلية بين إسرائيل والسعودية ستكون على الأغلب سياسية. فالنهج الذي تتبعه الرياض مع خصوم إسرائيل في المنطقة، وعلى رأسهم إيران، قد يثير غضب الإسرائيليين. فالسعوديون أيضاً يعتمدون على المساعدات الأميركية (الأمنية والعسكرية)، وفي حال كان هناك عدم رضا من إسرائيل فإن احتمال حدوث مشاكل في العلاقات الأميركية السعودية سيكون حتمياً.

لذا، إذا أرادت إدارة بايدن إبرام اتفاقية دفاعية مع السعودية فعليها أن تفعل ذلك بشكل منفصل عن مسار التطبيع، وأن تُعد حججاً جيدة بما فيه الكفاية لإقناع المتشككين.

– ترجمة بتصرف عن “فورين بوليسي“.

(*) ستيفن أ. كوك، زميل في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  خيار فرنجية الفرنسي.. لا يخترق الجدار السعودي – المسيحي!