هزيمة مرة متوقعة لماكرون في الانتخابات الأوروبية

قبل أسبوع من موعد انتخابات ممثلي فرنسا في البرلمان الأوروبي (81 من أصل 720 نائباً أوروبياً) والمقررة في 9 حزيران/يونيو الحالي، كيف يبدو المشهد السياسي الداخلي وماذا عن ميزان القوى وما هي التوقعات؟

لولا رفع اللوحات الاعلانية الرسمية الموزعة في الشوارع العامة وبدء الحملات الانتخابية لممثلي اللوائح على شاشات القنوات التلفزيونية العامة، لا مظاهر توحي بأن فرنسا على موعد مع انتخابات عامة سيكون لها تداعيات أكان على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي. وقلة الاهتمام الشعبي هذه تجد ترجمتها عبر توقعات ارتفاع نسبة المقاطعة للانتخاب، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من نصف العدد الاجمالي للناخبين لن يتوجه إلى صناديق الاقتراع.

ما هي المعطيات التي ظهرت حتى الآن؟

1-وصل عدد لوائح المرشحين المعتمدة رسمياً إلى 38 تتوزع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالوسط وصولاً إلى الخضر والمدافعين عن البيئة والحيوان.

2-اسناد الأحزاب الرئيسية رئاسة لوائح المرشحين إلى عنصر الشباب، مرشحين ومرشحات من صغار السن (رئيس لائحة الحزب الشيوعي ليون ديفونتين في سن الـ27 من عمره). ويعود هذا الاختيار إلى رغبة هذه الأحزاب في استقطاب أصوات الفئة الشابة في المجتمع الفرنسي.

3-أهمية هذا الانتخاب تكمن في أنه يشكل الاستحقاق السياسي الانتخابي الأخير قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد ثلاث سنوات.

4-توقيت هذه الانتخابات الأوروبية يترافق مع أحداث خارجية لها تداعياتها وانعكاساتها على الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية داخل الفضاء الأوروبي وفي مقدمها المواجهة المسلحة الدائرة على الحدود الأوروبية والمتمثلة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وتليها الحرب المستمرة والصراع المحتدم بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في غزة.

5-الاقتراع في دورة واحدة، وحسب النظام الانتخابي النسبي، يشكل مؤشراً لفرز وتحديد قوة وحجم كل حزب بمفرده وبالتالي نوعاً من الاستفتاء على شعبيته داخل المجتمع الفرنسي.

6– قضية السلام في الشرق الأوسط وخصوصاً موقف فرنسا حيال الاوضاع المأساوية في غزة والاعتراف بدولة فلسطين، ليست حاضرة فقط في البرامج الانتخابية والمناظرات الاعلامية، بل إن لائحة بين اللوائح المرشحة الـ 38 تحمل اسم “فلسطين حرة” يرأسها نجيب ازيرغي ومبادرة تأليفها تعود إلى “اتحاد الديموقراطيين المسلمين الفرنسيين”.

يجمع المتابعون للوضع الداخلي الفرنسي أن الانتخابات الأوروبية في فرنسا ستكون بشكل من الأشكال اشبه بانتخابات “تمهيدية” ترسم ملامح المشهد السياسي الداخلي لما سيكون عليه ميزان القوى قبل ثلاث سنوات من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة

إضافة إلى أن لائحة “فرنسا الأبية” اليسارية المتشددة بزعامة جان- لوك ميلونشون قرّرت أن تضم وجهاً نسائياً برز كثيراً في الآونة الأخيرة خلال التحركات الشعبية والتظاهرات المؤيدة للقضية الفاسطينية، وهي الناشطة الحقوقية في مجال حقوق الانسان واللاجئين ريما حسان (32 سنة) وهي من أصل سوري – فلسطيني ولدت في مخيم النيرب الفلسطيني غير البعيد عن مدينة حلب السورية. وتحتل المركز السابع داخل اللائحة التي ترأسها مانون أوبري، ما يعني أن لديها فرصة جدية بالدخول إلى البرلمان الأوروبي.

صعود قياسي لليمين المتشدد والمتطرف

كيف تبدو معالم المعركة الانتخابية وواقع ميزان القوى؟

أجمعت معظم استطلاعات الرأي، التي تتم يومياً من قبل أكثر من مؤسسة ومعهد للاستطلاعات، على التوجهات الآتية:

أولاً، تقدم واضح وثابت للائحة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد التي يقودها جوردان بارديلا برعاية ودعم زعيمة الحزب مارين لوبن حيث أن نسبة الأصوات المتوقعة تفوق الـ 33 بالمئة (22 بالمئة عام 2019) وبالتالي يتصدر الحزب المشهد الانتخابي. وتركز حملة هذه اللائحة على “البعد الفرنسي الداخلي” لهذه الانتخابات بحيث تكون بمثابة “استفتاء” على سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون المتبعة منذ أكثر من سبع سنوات على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (تخبط الطروحات الداخلية وتراجع النفوذ الخارجي). يترافق ذلك مع المطالبة بمزيد من تحصين السيادة الفرنسية واتخاذ تدابير متشددة حيال الهجرة غير الشرعية وحماية المنتجات الفرنسية.

ثانياً، تراجع غير مسبوق لحزب “النهضة” (يمين الوسط) الموالي الذي أسّسه الرئيس ماكرون. وحسب الاستطلاعات، فإن نسبة الأصوات التي قد تنالها اللائحة الماكرونية التي ترأسها فاليري هاير ستتراوح بين 15 و16 بالمئة (23 بالمئة عام 2019)، أي أقل من نصف نسبة أصوات اللائحة اليمينية المتشددة المعارضة لنهج ماكرون. وتحاول هذه اللائحة ابراز “البعد الأوروبي” لهذا الاستحقاق الانتخابي وبالتالي إبعاده عن “الخيارات السياسية الداخلية الضيقة”.

ويبدو أن ماكرون الذي بدأ يستشعر بدقة وصعوبة هذه المواجهة شجع رئيس وزرائه غبريال أتال على الانخراط في المعركة الانتخابية وتحشيد التأييد للائحة المدعومة من حزبه.

ثالثاً، اليمين االتقليدي المعتدل المنبثق عن حزب “الجمهوريين” الممثل بلائحة يرأسها فرنسوا- كزافيه بيلامي يمضي هو أيضاً في تراجعه بحيث لا تتعدى نسبة أصواته المتوقعة الـ 7 بالمئة.

رابعاً، اليسار المعارض بكل مكوناته تتوزع الأصوات المتوقع أن ينالها كالآتي: تحالف الحزب الاشتراكي مع “الساحة العامة” برئاسة رافايل غلوكسمان بين 15 و16 بالمئة (نسبة متقدمة برغم الوضع الصعب الذي يجتازه الحزب الاشتراكي؛ لائحة حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتشدد برئاسة مانون أوبري ينال نسبة 7 بالمئة وحزب الخضر برئاسة ماري توسان ينال 6 بالمئة.

إقرأ على موقع 180  كُنّا شهوداً.. مقاومة المُستعمر الأجنبي تُبعثُ من جديد

خامساً، اليمين المتطرف برئاسة ماريون ماريشال (ابنة شقيقة مارين لوبن) أكثر من 6 بالمئة. وهذا يعني أن مجموع نسبة اليمين المتشدد والمتطرف ستقترب من 40 بالمئة (بارديلا 33 ونصف + ماريشال 6 ونصف) وبالتالي سيصبح القوة السياسية الأكبر في فرنسا وهي سابقة في التاريخ السياسي للجمهورية الخامسة الفرنسية.

انتخابات “تمهيدية”.. للرئاسة

ماذا بعد التاسع من حزيران/يونيو، وما هي التداعيات لهذا الاستحقاق الانتخابي الأوروبي؟

المعني الأول بالنتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات هو الرئيس ماكرون الذي سيرى، من جهة، أن رهانه الخارجي على الخيار الأوروبي سيصاب بنكسة، ومن جهة أخرى، فإن توجهاته السياسية الداخلية ستتعرض لأزمة ثقة كبيرة غير مسبوقة من قبل. وبالتالي ستتعزز الهوة بينه وبين الشعب الفرنسي الذي سبق وحرمه في الانتخابات النيابية التي تلت ولايته الثانية الأكثرية المطلقة داخل الجعية الوطنية (البرلمان).

والملاحظ ان ماكرون، الذي بدأ يستشعر بدقة وصعوبة هذه المواجهة لم يكتف بدعوة رئيس وزرائه إلى النزول للميدان، بل انخرط هو أيضاً في المعترك ليدق ناقوس الخطر من أجل مواجهة صعود اليمين المتطرف داخل الفضاء الأوروبي من جهة، ومن جهة أخرى خطر تمدد الأنظمة الاستبدادية التوتاليتارية الآتية من خارج حدود الاتحاد (روسيا). وحذر في الوقت نفسه من “أن اوروبا قد تموت”، داعياً إلى “حماية الديموقراطية”.

لكن المراقبين رأوا في هذه المواقف ذات السقف العالي دليل قلق وضعف في مواجهة “فائض القوة” الذي يتمتع به منافسوه وفي مقدمهم زعيمة اليمين المتشدد التي سمحت لنفسها بوضع شروط للقبول بالمناظرة التلفزيونية التي اقترحها عليها ماكرون، اذ اشترطت عليه التعهد مسبقاً باستعداده إما لحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة تفرز أكثرية جديدة، وإما التنحي وتقديم استقالته من الرئاسة وذلك في حال مني حزبه بهزيمة في الانتخابات الأوروبية!

ويجمع المتابعون للوضع الداخلي الفرنسي أن الانتخابات الأوروبية في فرنسا ستكون بشكل من الأشكال اشبه بانتخابات “تمهيدية” ترسم ملامح المشهد السياسي الداخلي لما سيكون عليه ميزان القوى قبل ثلاث سنوات من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  حتى لبنان كان في انتظار لافروف في أبو ظبي