رئيس إيران المقبل.. جليلي أم بزشكيان؟

في انتظار مشهدية اليوم الإنتخابي الطويل، غداً (الجمعة)، تشهد إيران حالة من حبس الأنفاس في انتظار من سيُعلن فوزه من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية المسبقة بالأغلبية المطلقة من أصل المشاركين في الانتخابات، وهو احتمال ضعيف للغاية إلا إذا بلغت نسبة التصويت رقماً قياسياً (60% وما فوق)، فإذا لم ينل أحد من المرشحين الستة هذه الغالبية، تكون إيران على موعد مع دورة انتخابية ثانية الأسبوع المقبل.

تمرّ إيران في لحظة سياسية حسّاسة داخلياً وربما يكون لها تداعياتها الخارجية، فالصراع بين الإصلاحيين والمحافظين حول السيطرة على كرسي رئاسة الجمهورية في إيران بلغ ذروته، وبات المجتمع الإيراني واقعاً عند مفترق طرق بين اختيار مرشح محافظ من أصل أربعة مرشحين بعدما انسحب المرشح أمير حسين قاضي زادة أو انتخاب مرشح المعسكر الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان.

وأن ينحصر المشهد الإنتخابي بهذه الباقة من المرشحين فقط، يضعهُ المراقبون في خانة الهدية المجانية التي قدّمها مجلس صيانة الدستور الإيراني للإصلاحيين، بموافقته فقط على أهلية بزشكيان، الجرّاح المختص في جراحة القلب، من بين كل المرشحين الإصلاحيين، وهذا القرار تحوّل إلى نقطة قوة لمصلحة الإصلاحيين مقابل خصومهم المحافظين.

وعلى الجانب الآخر، قام مجلس صيانة الدستور بالموافقة على أهلية خمسة مرشحين من المحافظين (بين متشددين ومعتدلين)، وهم محمد باقر قاليباف، سعيد جليلي، مصطفى بور محمدي، علي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زادة الذي أعلن انسحابه من المعركة، قبيل 48 ساعة من فتح صناديق الاقتراع. وأن يتم قبول أهلية خمسة مرشحين، فإن هذه الخطوة شكّلت نقطة ضعف لهؤلاء وجعلت المنافسة صعبة بينهم ولا سيما لجهة عدم قدرة فريق المحافظين على حسم نتيجة الانتخابات من الدورة الأولى لمصلحة أحد مرشحيه، إلا إذا تمكن في الساعات الأخيرة من حسم الأمر لمصلحة مرشح واحد في مواجهة بزشكيان، وهو احتمال لا تبدو حظوظه مرتفعة حتى الآن، خصوصاً في ضوء فشل المساعي الهادفة لترتيب انسحاب واحد من المرشحين الأكثر جدية عن المحافظين، أي جليلي أو قاليباف.

إذا نجح الإصلاحيون في جذب الأصوات الرمادية أو الصامتة إلى صناديق الاقتراع، فسوف يتمكنون من تغيير مسار الانتخابات لمصلحتهم والسيطرة على السلطة السياسية والتنفيذية في إيران. ولكن إذا بقيت نسبة مشاركة الشعب حوالي 45%، في الدورة الأولى، سيكون المحافظون هم الذين سيُمسكون بالسلطة في إيران للأربع سنوات المقبلة

ماذا تقول استطلاعات الرأي؟

وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي قبل يومين (24 يونيو/حزيران)، يتصدر مسعود بزشكيان المشهد الانتخابي بنسبة 23.5٪ من الأصوات. يليه محمد باقر قاليباف بنسبة 16.9٪، ثم سعيد جليلي بنسبة 16.3٪.

كما أظهرت الاستطلاعات أن 45.7٪ من الناس قالوا إنهم سيشاركون بالتأكيد في هذه الانتخابات، بينما قال 31.6٪ إنهم مُتردّدون في المشاركة، و22.6٪ قالوا إنهم لن يشاركوا بالتأكيد في الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك، توقع المركز أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة، ستزداد نسبة المشاركة الشعبية، لكن الاستطلاع نفسه يُظهر أنّه إذا قرّر المترددون المشاركة في الانتخابات، فإن النسبة الأكبر من الأصوات الرمادية ستصب لمصلحة بزشكيان يليه قالیباف وأخيراً جليلي.

وتُظهر هذه الإحصائيات أن كل حسابات “جبهة القوى المحافظة” بشأن مسار الانتخابات كانت خاطئة، وإذا استمرت الأوضاع، كما توقع مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي، سيواجه المحافظون سيناريو صعباً جداً، في حين سيكون من الأسهل بالنسبة للإصلاحيين الحفاظ على التفوق في الانتخابات.. أقله في الدورة الأولى..

وتقاربت أرقام مركز استطلاعات الرأي للطلاب الإيرانيين (إيسبا)، الذي يُعدُّ واحداً من أهم وأدق مراكز قياس الرأي العام في إيران، مع نتائج مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي. فقد أعلن مركز “إیسبا” يوم الأحد الماضي أن النسبة المُقدّرة للمشاركة الشعبية في الانتخابات بلغت 43.6٪، وأن نسبة أصوات بزشکیان بلغت 24٪، وسعيد جليلي 21٪، ومحمد باقر قالیباف 14.8٪. ومع ذلك، أكد “إيسبا” (ISPA) أنه بناءً على التجارب السابقة، من المؤكد أن جميع هذه النتائج يُمكن أن تتغير بشكل كبير حتى لحظة اقفال صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات.

وقد أدت هذه الإحصائيات والأرقام إلى تعاظم القلق في أوساط جبهة المحافظين. ووفقاً لما كتبته صحيفة “دنياي اقتصاد”، فقد قام محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري ومسؤول هيئة الشؤون الاقتصادية في الحكومة الإيرانية، بتنظيم اجتماعات في منزله لأجل محاولة التوفيق بين قالیباف وجليلي، على أن ينسحب أحدهما للآخر، لكن تبين إستناداً إلى استطلاعات الرأي التي ترجح فرضية الجولة الانتخابية الثانية، أن فرص جليلي بالفوز في الجولة الثانية أكبر من فرص قاليباف.. ولذلك، أعلن ممثلو جليلي في الإجتماع برعاية رضائي أن لدى سعيد جليلي فرصة كبيرة للفوز، وبالتالي لا يعتبرون انسحاب جليلي قرارًا صائبًا. لكن صحيفة “وطن أمروز” الأصولية تعتبر انسحاب جليلي أقل خطورة من انسحاب قالیباف. وكتبت في عددها الصادر يوم الإثنين الماضي الآتي: “سعيد جليلي في حال انسحابه سيكون لديه أقل نسبة نقل أصوات إلى سلة مسعود بزشکیان، وفي حال انسحاب قالیباف، ستزداد أربعة أضعاف نسبة نقل أصوات جليلي إلى سلة بزشکیان، ما قد يؤدي إلى فوز الأخير في الجولة الأولى”.

إقرأ على موقع 180  بايدن.. لا يرى فلسطين إلا من أوكرانيا 

وكتب حسين شريعتمداري (المحافظ الأصولي الإيراني الشهير) أيضًا في صحيفة “كيهان” في عددها الصادر أمس (الأربعاء) إن المشهدية الانتخابية “تشير إلى ضرورة تحالف المرشحين الأصوليين”. وأضاف: “يجب الحذر من سياسات الإصلاحيين لمنع التحالف بين المرشحين الأصوليين”. وختم: “يجب أن يرضى المرشحون الأصوليون والثوريون بالتحالف”.

مع ذلك، تعذر الإجماع على مرشح واحد من قبل المحافظين، وهذا الأمر سيخلق بلا شك مشاكل كبيرة لهذا التيار السياسي الوازن في البلاد.

في المقابل، نزل السيد محمد خاتمي، زعيم جبهة الإصلاح والرئيس الايراني الأسبق، إلى الساحة الإنتخابية، ودعا جميع الإيرانيين للتصويت لمصلحة بزشكيان. وقال في رسالته: “في الانتخابات الماضية (مجلس الشورى الإسلامي) لم أُدلِ بصوتي وتضامنتُ مع الأغلبية التي تشعر بأنه لا يوجد من يستمع إلى صوتها ولا يد قوية لحل مشاكلها. الآن، أتمنى أن تكون هذه فرصة لفتح نافذة إلى فضاء يتم فيه سماع صوت الأغلبية”.

وعن شخصية بزشکیان قال خاتمي: “لا يمكن الشك في صدق ونزاهة والتزام الدكتور بزشکیان بأهداف الثورة. وحضور الدكتور بزشکیان يمكن أن يبعث الأمل في قلوب الأغلبية غير الراضية عن الوضع الحالي”.

من جهته، طلب الشيخ حسن روحاني، الرئيس الإيراني الأسبق الذي ظهر في هذه الانتخابات بشخصية الزعيم السياسي المعتدل، من الشعب الإيراني في رسالة فيديو أن يصوّت لمصلحة بزشكيان. وقال في رسالته: “علينا يوم الجمعة أن نصوّت لمن هو مُصمّم على رفع ظل العقوبات عن الشعب الإيراني. مصمم على توقيع هذا الاتفاق بشجاعة وإحياء الاتفاق النووي. لنصوّت لمن سيسعى للانضمام إلى FATF ووضع إيران في القائمة البيضاء وحل مشاكل البنوك والعلاقات المصرفية”. وأضاف: “من بين المرشحين المحترمين للحكومة الرابعة عشرة، الدكتور مسعود بزشکیان هو المؤهل لهذا العمل ويمكنه تحمل هذه المسؤولية بجدارة، وهو يمتلك الصفات والميزات التي ذكرتها”.

وبمعزل عن الإحصائيات والأرقام والمواقف، ثمة لحظة مصيرية يُحدّد معالمها المجتمع الإيراني لسنوات أربع قادمة. ومن المؤكد أنه إذا نجح الإصلاحيون في جذب الأصوات الرمادية أو الصامتة إلى صناديق الاقتراع، فسوف يتمكنون من تغيير مسار الانتخابات لمصلحتهم والسيطرة على السلطة السياسية والتنفيذية في إيران. ولكن إذا بقيت نسبة مشاركة الشعب حوالي 45%، في الدورة الأولى، سيكون المحافظون هم الذين سيُمسكون بالسلطة في إيران للأربع سنوات المقبلة.. طبعاً في الدورة الانتخابية الثانية التي ستكون محصورة بين مرشحين إثنين هما اللذان نالا أكبر معدل من الأصوات (على الأرجح بين جليلي وبزشكيان).

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  قراءة إسرائيلية في قمة طهران: التقاء مصالح جزئي