ماذا إذا ورّط نتنياهو أمريكا في مغامرة حرب إقليمية.. شرارتها لبنانية؟

ارتفعت في الساعات والأيام المنصرمة وتيرة التهديدات "الإسرائيلية" للبنان، وترافقت مع زيارة وزير الحرب "الإسرائيلي" يوآف غالانت إلى واشنطن ومع حملة اعلامية ونفسية بلغت ذروتها مع البيانات التي أصدرتها سفارات دول أجنبية ولا سيما أوروبية بدعوة رعاياها إلى مغادرة الأراضي اللبنانية على الفور.

موجة التهويل ضد لبنان ليست جديدة، بل عمرها من عمر الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، لكن الشريط الذي بثّه حزب الله لطائرة “هدهد” (رصد مواقع حيوية في حيفا ومحيطها) ومن ثم شريط الإحداثيات، والمواقف التي أطلقها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بالتركيز على أن المقاومة لا تريد للحرب أن تتسع ولكن إذا أقدم “الإسرائيليون” على تنفيذ تهديداتهم، فإن المقاومة ستتصرف بلا ضوابط ولا قواعد ولا سقوف، تاركاً الباب مفتوحاً أمام مفاجآت البر والبحر والجو، وبعمق من الدعم الإستراتيجي يجعل، بشكل أو بآخر، بيروت عاصمة محور يمتد من الناقورة حتى عمق أسيا الوسطى.

في ظل هذه الأجواء التصعيدية، يُطرح التساؤل هل تتجه المنطقة نحو حرب شاملة؟

لأن العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة هو جوهر المشكلة، يجب النظر إلى تطورات الأوضاع فيه من أجل قراءة التطورات في المنطقة. بطبيعة الحال، سيُسيطر الجيش “الإسرائيلي” على رفح، عاجلاً أم آجلاً، ولكن هل رفع العلم “الإسرائيلي” في رفح يعني انتهاء الحرب هناك؟ بالتأكيد الإجابة هي النفي، فحركة حماس ليست جيشاً نظامياً ولا تعتمد تكتيك الجيوش النظامية في مواجهتها للعدو، بل تعتمد حرب العصابات، ومن شأن احتلال الجيش “الإسرائيلي” لرفح أن يُوسّع قدرة حماس على المناورة ضد هذا الجيش وأن تمارس عمليات صيد مدروسة ضد جنوده وآلياته، وفق مبدأ الكر والفر، وما العمليات التي تشهدها مناطق شمال ووسط غزة الواقعة تحت الاحتلال “الإسرائيلي” منذ بضعة أشهر، إلا تاكيداً لذلك، كما أن احتلال رفح لا يعني أبداً أن نتنياهو حقّق هدفيه المُعلنين للحرب في غزة، وهما القضاء على حماس واستعادة الأسرى “الإسرائيليين” لديها. ذلك يعني أن انتقاله إلى “الجبهة الشمالية” ومن خلالها إلى احتمال الحرب الواسعة، مع استمرار استنزاف جيشه جنوباً لن يكون خطوة عسكرية حكيمة من قبله.

فرضية الحرب الاقليمية الواسعة هي الأكثر ترجيحاً وستطال نيرانها دول الخليج التي تستضيف قواعد أمريكية على أرضها. أمام هذا السيناريو الدموي، هل تُقرّر الإدارة الأمريكية حماية نتنياهو ولو زجّها في مغامرة توسيع الحرب التي لا تُريد لها واشنطن أن تتوسع؟

ولنفترض أن نتنياهو قرّر أن يُنفذ ما يقوله وانتقل الى “الجبهة الشمالية”، فإن سيناريو الحرب مع لبنان يحتاج إلى الكثير من الدراسة، فقبل الدخول فيها على نتنياهو أن يُجيب على أسئلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، كيف سيُنفّذ هذه الحرب، فتاريخياً كانت “إسرائيل” تعتمد في حروبها على أمرين إثنين هما عنصر المفاجأة والقدرة النارية الهائلة منذ اللحظة الأولى للحرب. هذان الأمران غير متوفرين حالياً، فالحرب بشكلها الراهن منذ أكثر من ثمانية أشهر، أفقدت “إسرائيل” عنصر المفاجأة، وأيضاً القدرة النارية العمياء التي ستكون مُقيّدة ربطاً بتطور الترسانة التسليحية لحزب الله، كما أن المعادلة التي أرساها حزب الله منذ سنوات بالرد على قصف البنى التحتية في لبنان بقصف البنى التحتية في “إسرائيل” يجعل القيادة “الإسرائيلية” تُعيد النظر قبل أن تشن حملة نارية عمياء وهوجاء.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن سيناريو التدمير الممنهج للبنى التحتية اللبنانية الذي نفذته “إسرائيل” في عدوان تموز/يوليو 2006 غير قابل للتحقق هذه المرة إذا أرادت “إسرائيل” حماية بناها التحتية. هذا كله يُضافُ إليه التساؤل عن تصور نتنياهو لنهاية الحرب وأهدافها قبل البدء بها، فتدمير القرى الحدودية اللبنانية وصولاً إلى الضفة الجنوبية لنهر الليطاني سيقابله تدمير في المقلب الآخر يتجاوز مدينة حيفا، بحسب قول السيد حسن نصرالله، كما أن شبكة أنفاق حزب الله في الجنوب، كما في أماكن أخرى من لبنان، تؤكد أن تدمير القرى لن يُحدث فارقاً عسكرياً لمصلحة الجيش “الإسرائيلي”، أما دخول هذا الجيش براً إلى الأراضي اللبنانية فسيكون كمن يُعيد تكرار العمل نفسه الذي فشل فيه مراراً وتكراراً، وهو يتوقع أن تكون النتيجة مختلفة، وبالتأكيد فإن افراغ كل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني الذي يبعد عن حدود فلسطين المحتلة اكثر من أربعين كيلومترا من السكان، لا يعني إفراغها من المقاتلين المحصنين والمتسلحين جيداً، زدْ على ذلك أن التضاريس المعقدة التي تتمتع بها هذه المنطقة تصب في مصلحة المدافعين عنها لا المهاجمين لها، فالأرض تحمي أبناءها لا غُزاتها.

خلاصة القول إذا نظرنا إلى توسيع الحرب في لبنان فقط من الجانب العسكري بين طرفي الصراع، يتبين لنا أنها ستكون مغامرة غير محمودة العواقب لـ”إسرائيل”، أما إذا وسّعنا بيكار الرؤية، فإن توسيع الحرب من شأنه أن يُوسّع دائرة القوى المنخرطة فيها، فحزب الله يمتلك قوة عسكرية وتسليحية في الميدانين اللبناني والسوري وهذه القوة لن تقف متفرجة على عدوان هدفه القضاء على الحزب. وقوى المقاومة العراقية واليمنية لا بدّ أن تُوسّع دائرة قصفها للمواقع الاستراتيجية “الإسرائيلية” وبصواريخ نقطوية أكثر دقة من تلك التي استخدمتها حتى الآن، وستكون عندها “إسرائيل” بحاجة ماسة لانخراط أمريكي مباشر في الحرب على الأقل عبر الدفاعات الجوية والصواريخ الأمريكية في المنطقة وفي البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، ومن شأن ذلك أن يُوسّع دائرة الرد عند محور المقاومة لتشمل القواعد الأمريكية في المنطقة، وبطبيعة الحال إن حصل ذلك، فإن واشنطن ستُوسّع دائرة هجماتها على محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن، ما يجعل فرصة انخراط إيران في المعركة أيضاً عالية، وذلك يقود إلى أن فرضية الحرب الاقليمية الواسعة هي الأكثر ترجيحاً وستطال نيرانها دول الخليج التي تستضيف قواعد أمريكية على أرضها. أمام هذا السيناريو الدموي، هل تُقرّر الإدارة الأمريكية حماية نتنياهو ولو أنه زجّها في مغامرة توسيع الحرب التي لا تُريد لها واشنطن أن تتوسع؟

إقرأ على موقع 180  إقّرأوا عدوّكم.. إنه لا يحترم المذبوحين!

قبل أشهر كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتمتع بقدرة أعلى في الضغط على الحكومة “الإسرائيلية”.. أما اليوم فإن نتنياهو هو من يملك هذه الميزة ضد بايدن، فالانتخابات الأمريكية على مسافة بضعة أشهر، وسط انقسام في صفوف الحزب الديموقراطي الذي يقوده بايدن، فيسار الحزب يريد وقف الحرب في غزة.. ويمينه يريد استمرارها وتوفير دعم غير محدود لـ”إسرائيل”، وإذا ما توسعت دائرة الحرب فان الانقسام في الحزب الديموقراطي سيزداد اتساعاً ولن يكون من السهل على بايدن اتخاذ قرار بشأنها، فهو من جهة لا يريد أن يخسر الناخب اليهودي ومن جهة أخرى، فإن توسيع الحرب سيُخسّره الناخب العربي بالاضافة الى خسارته جمهور الشباب الذي قاد حملة ضد الحرب على غزة لم تشهد لها الولايات المتحدة مثيلاً منذ حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي.

من الواضح حتى الآن أن بايدن أعطى نتنياهو فترة سماح لانهاء الحرب في غزة وغض النظر عن الحملة “الإسرائيلية” على رفح، ولكنه اليوم لا يملك ترف اتخاذ قرار بشن حرب على لبنان يُمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية ومن شأنها أن تؤدي إلى توريط الولايات المتحدة فيها، في لحظة دولية حساسة، وهو أمرٌ سيصب برداً وسلاماً على روسيا والصين حتى وإن لم تنخرطا فيها مباشرة. فالحرب في أوكرانيا التي تستنزف أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تبدو بلا أفق قريب لوقفها، والحرب على غزة التي تعاني فيها “إسرائيل” من العجز عن تحقيق أهدافها بالرغم من الجسور الجوية الأمريكية للإمداد بالأسلحة والذخائر أيضاً تبدو بلا أفق قريب لوقفها، ففي ظل هكذا وضع فإن الانخراط في حرب إقليمية لا تحمل أفقاً ولا هدفاً مُحدداً ولا رؤية لكيفية انهائها سيكون ضرباً من الحماقة.

أمام هذه المشهدية، يُمكن القول إن حملة التهديدات بين طرفي الصراع قد تنتهي بتسوية قريبة وفق المثل الشعبي اللبناني “اشتدي أزمة تنفرجي”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  أن تُقر الأحزاب بإخفاقها.. حكومة بلا حزبيين!