أميركا تفتقد لمجلس صيانة دستور.. ولبزشكيان!

في العام ١٩٩٢، ترشّح الرئيس جورج بوش الأب عن الحزب الجمهوري لولاية رئاسية ثانية مستنداً إلى النصر الذي حقّقه في حرب الخليج الثانية ضد العراق بالإضافة إلى تأييد الجمهوريين.. لكن الرياح لم تجرِ كما تشتهي السفن!

تزامن ترشيح جورج بوش للولاية الثانية مع تصاعد الخلاف بينه وبين الدولة الأميركية العميقة، وأحد مظاهره التي طفت إلى السطح، حينذاك، ضمانات القروض لإسرائيل بقيمة عشرة مليارات دولار وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل والذي اعتبر مكافأة لا لزوم لها للعرب على شراكتهم مع الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت من الجيش العراقي.

في الجانب الديموقراطي، ترشح السناتور عن ولاية ماساتشوستس بول تسونغاس وتصدّر السباق الرئاسي في مراحله الأولى متقدماً على بيل كلينتون حاكم ولاية أركنسو. وما أن وصلت الحملة إلى شهر آذار/مارس ١٩٩٢ حتى توقفت التبرعات عن تسونغاس، ما أدى إلى اعلان انسحابه من السباق الرئاسي بسبب عدم توفر أموال من المانحين. رست بورصة الديموقراطيين على كلينتون الذي كان حاكماً لولاية وشخصية مغمورة في الحزب الديموقراطي ويعاني من مشاكل عائلية تردّدت أصداؤها في الإعلام الأميركي.

كان واضحاً أن ما اصطلح على تسميتها “الدولة العميقة” كانت تعارض انتخاب بوش لولاية جديدة وتريد فوز كلينتون. فجأة وفي سابقة في التاريخ الأميركي أعلن رجل الأعمال الميلياردير روس بيرو ترشحه للرئاسة، وهو جمهوري من ولاية تكساس. هذا الترشيح كان يعني أن بيرو سيأخذ أصواتاً من درب بوش من ولاية وازنة هي تكساس وبالتالي يستطيع أن يحد من فرص فوز جورج بوش.. وبالفعل جرت انتخابات رئاسية للمرة الأولى في التاريخ الأميركي تنافس فيها ثلاثة مرشحين وكان الفوز من نصيب كلينتون، فيما خسر بوش وبيرو.

وبعد أن أمضى كلينتون ولايتين رئاسيتين ترشح نائبه آل غور ضد جورج بوش الإبن. تعثر اعلان نتائج الانتخابات لخلاف على نتيجة ولاية فلوريدا التي ادعى كل من الحزبين الفوز بها وتقرر إعادة تعداد الأصوات يدوياً. تأخر صدور النتائج واحيل ملف الانتخابات إلى المحكمة العليا التي أصدرت حكماً لمصلحة جورج بوش الإبن.

هذا ما جرى في دولة يُقال إنها المعقل الأول للديموقراطية في العالم. طبعاً هناك تفسيرات عديدة لاسقاط جورج بوش الأب ثم لإنجاح جورج بوش الإبن بعد ثماني سنوات!

لو كان هناك مجلس صيانة دستور في الولايات المتحدة لكان حتماً رفض ترشيح بايدن وترامب، لكن أين هي هذه الجهة التي أزاحت نسونغاس ثم جورج بوش الأول، أي مجلس صيانة الدستور غير المعلن في الولايات المتحدة؟

وما هي مناسبة هذه السطور؟

جرت في إيران مؤخراً انتخابات رئاسية أسفرت عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان. صدرت أصوات من دول عدة تتعرض للانتخابات الإيرانية وتنفي أي دور للشعب الإيراني في انتخاب رئيسه، من قائل إن مؤسسات النظام هي التي تتحكم بالانتخابات عبر مجلس صيانة الدستور المخول بإعلان المرشحين الصالحين لخوض الانتخابات، وهي خطوة يُعدّونها غير ديموقراطية إلى من قال إنها نوع من التعيين. والمفارقة هنا أن بعض المنتقدين ينتمون إلى دول ليس فيها انتخابات نهائياً.

وإذا أجرينا مقارنة بين ديموقراطيات إيران والولايات المتحدة وبريطانيا يمكننا طرح الأسئلة والملاحظات الآتية:

أولاً؛ في الولايات المتحدة يتطلب الترشيح للانتخابات نفقات كبيرة يعجز الأشخص العاديون عن توفيرها فيلجأون إلى فئة “المتبرعين”. هؤلاء يتبرعون بمبالغ مالية وازنة للمرشح. مثلاً؛ حملة عضو في الكونغرس في مجلس النواب تتطلب حسب الدائرة تبرعات تصل إلى نحو عشرة ملايين دولار. أما حملة الترشيح إلى مجلس الشيوخ فتتطلب نحو مائة مليون دولار للمرشح الواحد. في الانتخابات الرئاسية تصل نفقات كل مرشح إلى نحو مليار دولار. للعاقل هنا أن يسأل من لديه القدرة على التبرع ودفع عشرات أو مئات ملايين الدولارات، هل يدفعها حباً بالمرشح أم حباً بالحزب أم لتأمين مصالحه في القوانين التي يسنها مجلسا الكونغرس (النواب والشيوخ)؟

ثانياً؛ لماذا يوجد في الولايات المتحدة حزبان هما الجمهوري والديموقراطي بحيث يفرض على المواطن الاميركي أن يُمارس العمل السياسي في أحد هذين الحزبين خصوصاً بعد فشل محاولات عديدة لفرض خيار ثالث أبرزها محاولة اللبناني الأصل رالف نادر؟

ثالثاً؛ في بريطانيا، يتقاسم معادلة السلطة حزبان أساسيان هما العمال والمحافظون وهناك أحزاب صغيرة لم تتمكن من فرض نفسها في البرلمان كونها فازت بأعداد قليلة. إذا كانت ديموقراطيات المال والأحزاب المفروضة هي قدوة الديموقراطية فإن في الأمر خللاً لأن هذه الديموقراطيات وبكل بساطة ليست عادلة.

رابعاً؛ في ايران، يُعتبر مجلس صيانة الدستور المرجع الأساس لقبول أهلية المرشح لرئاسة الجمهورية. وإذا كان من انتقاد لهذه الصلاحية فإنه يعود إلى أداء المجلس وعدالته في القرارات التي يتخذها وليس لوجود المجلس بحد ذاته. ألا يمكننا اعتبار انسحاب السناتور تسونغاس من السباق الرئاسي بسبب نقص الأموال من المتبرعين هو قرار من جهة لا تعلن عن نفسها، بأنها لا تريده رئيسا للولايات المتحدة فيما الجهة التي تقبل الترشيح في إيران وترفضه هي جهة معروفة ومعلنة وهي مجلس صيانة الدستور؟ ألا يُمكن اعتبار استحضار الملياردير روس بيرو من أجل أن ينتزع من جورج بوش الأول أصوات ولاية تكساس الجمهورية لانجاح بيل كلينتون تدخلاً من جهة لا تُعلن عن نفسها ترفض التجديد لبوش الأب وتدفع باتجاه انتخاب كلينتون؟

إقرأ على موقع 180  الإنجيليون.. رياح نهاية العالم من أمريكا حتى القدس!

خامساً؛ اثر المناظرة الرئاسية الأخيرة بين المرشح الرئيس جو بايدن والمرشح الرئيس السابق دونالد ترامب خرج المشاهدون في جميع أنحاء العالم بانطباع مفاده عدم أهلية بايدن فيما اعتبرت أوساط عديدة أن المرشحين الإثنين، أي بايدن وترامب لا يتمتعان بالأهلية للرئاسة.

سادساً؛ لو كان هناك مجلس صيانة دستور في الولايات المتحدة لكان حتماً رفض ترشيح بايدن وترامب، لكن أين هي هذه الجهة التي أزاحت نسونغاس ثم جورج بوش الأول، أي مجلس صيانة الدستور غير المعلن في الولايات المتحدة؟

سابعاً؛ علينا أن ننتظر في ما تبقى من أسابيع وشهور تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، كيف ستتصرف “الدولة العميقة” مع قرار بايدن بالمضي في الترشيح برغم ملاحظات مجتمع حزب الديموقراطيين عليه، بدليل المؤتمر الصحافي الذي عقده الليلة الماضية، اثر انتهاء قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وما تخلله من أسئلة للصحافيين تمحورت حول أهلية بايدن، ليرتكب في معرض إجاباته هفوات جديدة مثل مخاطبة فولوديمير زيلينسكي باسم الرئيس فلاديمير بوتين أو تسمية نائبته كاميلا هاريس بأنها نائبة الرئيس ترامب!

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  دياب: الإحتياطي في العام 2002 قارب الصفر ولم تقم القيامة؟