دروب ترامب إلى البيت الأبيض مُعبّدة.. “بالرصاص”!

أصبحت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مسألة وقت ليس إلا. الأسوأ من هذه العودة أن محاولة اغتياله الفاشلة ستُعمّق الصراع الداخلي في أمريكا وستقود إلى تشرذم أكبر في المجتمع، ربما يصحُ من بعده التحذير من خطر وجوديّ على النظام السياسي الأمريكي برمته.

التأزّم السياسي في المجتمع الأمريكي ليس وليد لحظة ولا يرتبط بفوز ترامب بالانتخابات الرئاسيّة عام 2016. من دون شكّ، زادت رئاسة ترامب من حدّة هذا التشرذم الذي كان موجوداً وظاهراً للعيان أثناء رئاسة باراك أوباما. قبل ذلك، ظهر بكلّ وضوح لحظة إعلان فوز جورج بوش الابن بانتخابات العام 2000 واستمرّ طوال فترة رئاسته. يمكن أن نذهب بعيداً في هذه السردية ونُذكّر برئاسة ريتشارد نيكسون وفضيحة ووترغيت (1972-1974). لكن منذ انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) – بالمناسبة، لم تنته تداعياتها حتّى يومنا هذا – لم نشهد مستوى من التأزّم كالذي نحن فيه الآن، وحتماً عمّقته محاولة الإغتيال، وجعلته مفتوحاً على سيناريوهات مقلقة جداً.

نعم، مع محاولة الإغتيال، سيتخذ هذا التشرذم أبعاداً لم نرَ مثيلاً لها منذ زمن بعيد. كلّ العوامل موجودة (بالصورة والصوت، كما يقال) لدفع الأمور نحو الأسوأ في ظل نظرية “المؤامرة” التي تتمحور حول حقيقة أنّ بعض الحضور في مكان التجمع الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال أبلغوا الشرطة المحليّة والخدمة السرّية للرئيس السابق قبيل وقوع الحادث بدقائق عدة أنّهم شاهدوا رجلاً يحمل بندقيّة، وقال آخرون إنّهم رأوه مع بندقيّته فوق أحدى الأسطح. وجود فيلم وصور لمطلق النار أثناء تمركزه قبل إطلاقه للنار لن يساعد في دفن الموضوع، وسيزيد من الإتّهامات لأعضاء الشرطة المحليّة والخدمة السرّية بأنّهم تجاهلوا التحذير ولم يتحرّكوا إلا بعد أن أطلق الرجل العشريني النار على ترامب.

وللمفارقة، كان ترامب قد اتّهم في خطابات وتصريحات سابقة جهاز الـ FBI بأنه يُريد اغتياله عندما قام أعضاءه بمداهمة منزله في مار-أ-لاغو (Mar-a-Lago) يوم 8 آب/أغسطس من العام 2022 بحثاً عن وثائق سريّة أخذها معه من البيت الأبيض. وكون جهاز الخدمة السرّية – أو الـ Secret Service كما يقال بالإنكليزيّة – تابع للـ FBI ومناط به حماية ترامب أثناء الحملة الرئاسيّة الحاليّة (والجهاز مخوّل أيضاً بحماية الرؤساء السابقين وبعض الشخصيّات التي تتولى مراكز حسّاسة)، “فسيؤكّد” هذا الفشل للبعض أنّ الـ FBI متورّط في المحاولة ويلعب دوراً خبيثاً لإبقاء ترامب بعيداً عن البيت الأبيض. وستنهال الإتهامات أيضاً على إدارة بايدن من كلّ حدب وصوب من الجمهوريّين المناصرين لترامب.

وها نحن نجد أعضاء جمهوريّين بارزين في الكونغرس، وبينهم النائب مايك تورنر (Mike Turner)، رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس النوّاب (House Intelligence Committee)، والسيناتور رون جونسون (Ron Johnson)، رئيس لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكوميّة في مجلس الشيوخ (Senate Homeland Security and Governmental Affairs Committee)، يُطالبون بإجراء تحقيق فوري في فشل جهاز الخدمة السرّية في حماية ترامب.

الآن ومع إزدياد التعاطف مع ترامب ستزداد حالة التدحرج نزولا في شعبية بايدن ومعها ستتضاعف حالة القلق في أروقة الحزب الديموقراطي وستزداد أصوات الديموقراطيّين المطالبين بتنحّي بايدن لمصلحة مرشّح آخر أو مرشّحة أخرى يمكنه/يمكنها أن تهزم ترامب، لكن لا بايدن سينسحب لأي ديموقراطي/ديموقراطية غيره ولا ترامب بوارد أن يُفكر منذ الآن إلا بصفته الفائز بانتخابات أمريكا 2024

ولا يُقدّر توقيت محاولة الإغتيال بثمن (بغضّ النظر عمّن يقف وراءها)، تحديداً لأنّه أتى قبل يومين من موعد إنطلاق مؤتمر الحزب الجمهوري اليوم (الإثنين) في 15 تمّوز/يوليو، الأمر الذي سيجعل هذا المؤتمر قبلة الاعلام الأمريكي والعالمي، بسبب قرار ترامب بعدم الغياب عنه من جهة وما سيتخلله من مواقف تتصل بمحاولة الاغتيال من جهة ثانية، فضلاً عن متابعة حملة الجمهوريين الرئاسية (تحديد هوية نائب الرئيس أيضاً).

والملفت للإنتباه أيضاً أنّه مع بدء انتشار الأنباء عن محاولة الإغتيال، رفضت بعض وسائل الإعلام الرئيسيّة القريبة من الديموقراطيين مثل (CNN وBBC ومثيلاتهما) أن تسمّي ما حصل بمحاولة الإغتيال. بل صنّفت ما جرى كـ”حادث إطلاق رصاص أثناء حفل انتخابي لترامب”، مع العلم أنّها كانت تعرف أنّه أصيب بأذنه. وهذا السلوك يشي بأنّ هذه المعاقل الإخباريّة المؤثّرة والمناهضة لترامب تعلم أنّها إذا جاءت على ذكر كلمة إغتيال، كأنها تكون شريكة في تطويبه رئيساً منذ الآن.. لكن، كما في كثير من الحالات في الأعوام الأخيرة، أُجبرت هذه الوسائل النافذة على تغيير نهجها لأنّ السوشيل ميديا ووسائل إعلاميّة أخرى سمّت الحدث على حقيقته، فأصبحت هي عاجزة عن المضي بتقديم سرديّتها للحدث.

ولسخرية القدر، ينطبق على محاولة الإغتيال هذه تعبير بليغ باللغة الإنكليزيّة يقول: “عادت الدجاجات إلى القنّ لتبيت” (the chickens came home to roost). المقصود هنا أنّ إطلاق النار حصل أثناء إحتفال انتخابي للحزب الجمهوري المعروف (كما ترامب طبعاً) بدعمه المفتوح وغير المشروط لحق اقتناء السلاح واستخدامه من دون أية ضوابط، وبالتالي ينطبق عليه المثل القائل “طابخ السم آكله”!

إقرأ على موقع 180  هذه رسائل نصرالله من حامات وحماس إلى العراق وأفغانستان

السؤال الآن: أمريكا إلى أين؟

أصبحت عودة ترامب إلى البيت الأبيض مُعبّدة مجازيّاً “بالرصاص”، إلاّ طبعاً إذا حصلت معجزة في الأشهر الخمسة المقبلة يُمكن أن تقلب الأمور رأساً على عقب، وهذا الأمر مستبعد.

وماذا كان يُمكن أن يحصل لو قُتل ترامب؟

محاولات التوظيفات التي تحصل وستحصل (خصوصاً في الأّيام المقبلة أثناء مؤتمر الحزب الجمهوري) ستعطينا فكرة واضحة عمّا سيحدث لاحقاً إذا ما حال أمر ما بين ترامب وعودته إلى الرئاسة. الحديث عن “المؤامرة” لمنع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض لم يعد بنظر الكثيرين مجرّد نظريّة، بل أصبح في خانة “الحقيقة”.

سيزيد الحدث من حدّة الإنقسام والتشرذم والاستقطاب السياسي العامودي في المجتمع الأمريكي، وليس مستبعداً أن تحصل حوادث مماثلة (بغضّ النظر عن فرص نجاحها)، خصوصاً أنّ الصائدين في مياه أمريكا العكرة كثر. وليس بالضرورة أن تنحصر هكذا محاولات بالمرشّحين لسباق الرئاسة، بل يُمكن أن تستهدف مرشّحين إلى إنتخابات مجلسي الشيوخ أو النوّاب والتي هي أيضاً ستحصل في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

في الخلاصة، مأزق العجوز جو بايدن أصبح أعمق بكثير بعد محاولة اغتيال ترامب. الآن ومع إزدياد التعاطف مع ترامب ستزداد حالة التدحرج نزولا في شعبية بايدن ومعها ستتضاعف حالة القلق في أروقة الحزب الديموقراطي وستزداد أصوات الديموقراطيّين المطالبين بتنحّي بايدن لمصلحة مرشّح آخر أو مرشّحة أخرى يمكنه/يمكنها أن تهزم ترامب، لكن لا بايدن سينسحب لأي ديموقراطي/ديموقراطية غيره ولا ترامب بوارد أن يُفكر منذ الآن إلا بصفته الفائز بانتخابات أمريكا 2024 حتى لو نال أصوات عائلته وحدها.

سيصاب الزعماء الأوروبيّون المراهنون على العجوز بايدن بالهلع، وحتماً لن يجد العالم كله رئيساً أكثر إسرائيلية من بايدن، شريك بنيامين نتنياهو وايتمار بن غفير وبتلئيل سموتريتش في حملة الإبادة الجماعية على أرض غزة.. وكان الله يُحبّ المحسنين، غير المستكبرين.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان مراد

كاتب وأستاذ جامعي مقيم في الولايات المتحدة

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  فورين بوليسي: الأغلبية البيضاء فى أمريكا ستصبح.. أقلية