أولاً؛ تاريخ مجدل شمس:
تكاد غالبية الكتابات التي تتناول تاريخ مجدل شمس، تعيد تاريخها الأول إلى حيرام ملك مدينة صور اللبنانية، فهناك على جبل حرمون (المقدس) كان أشهر ملوك فينيقيا يتعبد، وتراءى له أن يبني مدينة، فكانت المجدل (القلعة ـ البرج) باللغة الكنعانية ـ الفينيقية، وبما أن لعلوها مقاما، عنى اسمها “برج الشمس”، وقبل عقود عُثر في البلدة على معاصر فينيقية وخرائب تعود إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح بمئات السنوات.
في العهدين اليوناني والروماني، كان لمجدل شمس، فصول وأدوار على ما أنبأت به الآثار، ففي الجزء الخامس من “المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري”، تقع مجدل شمس على السفح الجنوبي الشرقي لجبل الشيخ وترتفع 1240 متراً عن سطح البحر “إعمارها قديم لوجود آثار أبنية متهدمة وتوابيت حجرية تعود للعهد الروماني”.
خلال ذاك العهد، تنطفئ الشمس عن المجدل، لزلزلة ضربتها أو لأسباب أخرى، كما يقال، ليبدأ تاريخها الحديث في القرن السابع عشر، وليتداخل مع منطقة حوران، خصوصاً حين بدأت الهجرة الدرزية من لبنان إلى حوران وجبل الشيخ، وحول ذلك كتب المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف، في مجلة “المقتطف” اللبنانية ـ المصرية (كانون الثاني/ديسمبر 1925) قائلاً:
“مشايخ بني حمدان من كبار الدروز في لبنان بعد الأمراء، كانوا في قرية كفرا من غرب لبنان قرب شملان في الشوف، فناوأهم التنوخيون وخرّبوا قريتهم فساروا إلى حوران منذ قرنين ونصف القرن، ومعهم آل فخر من الدروز ايضاً، وهم أقدم من سكن حوران ، كانت زعامة تلك البلاد بيد الحمدانيين ولا سيما بعدما استظهر القيسيون على اليمنيين في معركة عين داره سنة 1711 فذهب الدروز اليمنيون إلى حوران، ودانوا لمشايخهم الحمدانيين مدة قرنين ونيف، إلى أن ظهر آل الأطرش الذين سار جدهم من وادي التيم ـ لبنان ـ إلى حوران وأخذوا الزعامة من الحمدانيين”.
وسيأخذ بهذا الرأي كريم ثابت، مستشار الملك المصري الراحل فاروق، في “الدروز والثورة السورية”، فبعد هجرة الحمدانيين إلى حوران “انضم إليهم أناس من دروز وادي التيم والقنيطرة وصفد والجبل الأعلى وجوار دمشق، ومثيل هذا الرأي يذهب إليه شبلي العيسمي وآخرون في “التعريف بمحافظة جبل العرب ـ دمشق 1962” وفيه:
“عام 1685 هاجر من لبنان إلى الجبل مئتا رجل مع عيالهم بقيادة أحد الأمراء المعنيين هرباً من جور الأتراك وزعماء القيسية، وعندما رغب في العودة إلى لبنان استدعى أحد الأمراء الحمدانيين ليقوم مقامه، والشيء الذي يتفق عليه المؤرخون أن عدداً كبيراً من بني معروف هاجر من لبنان إلى جبل العرب إثر موقعة عين داره، كما هاجر إليه عدد من دروز فلسطين هرباً من جور الحكام وخصوصاً أحمد باشا الجزار”.
الوقائع نفسها يرويها المؤرخ حسن البعيني في كتابه “سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى” الصادر عن “مؤسسة التراث الدرزي” عام 2008:
“كانت أسر درزية كثيرة قد توطنت جبل حوران ابتداء من سنة 1685، ففي هذه السنة وفد إليها الأمير علم الدين المعني برفقة 150 فارساً مع عيالهم، ومع أن هذا الأمير عاد إلى لبنان برفقة بعض من نزحوا معه، إلا أن أقدام الوجود الدرزي تثبتت في الجبل، وعلى الأخص بفعل حمدان الحمدان، وبعد ذلك أخذ الجبل يستقبل الوافدين إليه بنزوحات جماعية وإفرادية، أشهرها، بالإضافة إلى النزوح من حلب، نزوحات ثلاثة من لبنان، هي نزوح اليمنيين بعد موقعة عين داره، النزوح الذي أعقب هزيمة بشير جنبلاط أمام بشير الشهابي سنة 1825، والنزوح الذي أعقب الحوادث الطائفية سنة 1860”.
ثانياً؛ مجدل شمس ومقاومة الفرنسيين:
في “المجاهدون الدروز في عهد الإنتداب” لعزت زهر الدين الصادر عن “مؤسسة التراث الدرزي”، يرد اسم مجدل شمس 35 مرة في سياق مقاومتها للجيش الفرنسي في لبنان وسوريا، إذ كانت قد تحولت إلى مقر لقيادة المقاومة الوطنية، فكان يؤمها الأمير عادل ارسلان وشكيب وهاب وفؤاد سليم وعبد الرحمن الشهبندر وفؤاد حمزة وسلطان باشا الأطراش وأحمد مريود ونزيه مؤيد العظم وغيرهم، وفي التفاصيل الميدانية:
“كانت قوات المجاهدين تتمركز في مجدل شمس، وهي القاعدة العسكرية الكبيرة التي تحصن بها الثوار وقد أشرف القائد فؤاد سليم (من بلدة بعقلين اللبنانية) على وضع الخطة العسكرية في مواجهة الحملة الفرنسية من محوري القنيطرة والنبطية، وفي السادس من كانون الأول/ديسمير 1925 قامت مدفعية ودبابات الجيش الفرنسي تواكبها الطائرات الحربية بقصف بري وجوي عنيف، فدمرت عشرات المنازل وسقط قسم كبير من الشهداء في صفوف المجاهدين والأهالي غير أن الثوار استطاعوا دحر القوات الفرنسية، وما أن اقتربوا من قطف ثمار النصر، كان للقدر فصله وفيصله، إذ بينما كان فؤاد سليم يحاول أن يمتطي صهوة جواده، إذ بقذيفة مدفعية تسقط وتنفجر، فأصابت منه مقتلا”.
وعن مجدل شمس يتحدث حسن البعيني “حين قامت الثورة ضد الفرنسيين أبدى دروز إقليم البلان تعاطفهم مع إخوانهم الثائرين ونقل وفدهم إلى سلطان باشا الأطرش استعدادهم للقيام بالثورة وأرسل شيوخ بعض قراهم رسائل إليه تعبر عن هذا الإستعداد، ومن هذه الرسائل رسالة كنج وأسعد أبو صالح شيخا مجدل شمس، ومع تطور الأحداث، هاجم الفرنسيون مجدل شمس في أواخر عام 1925 وسلبوا مواشيها واعتقلوا كنج أبو صالح ونفوه”.
ويتابع البعيني “بعد أن استعاد الفرنسيون مدن مرجعيون وراشيا وحاصبيا في أوائل كانون الأول/ديسمبر1925، توجهوا نحو مجدل شمس انطلاقا من القنيطرة، وقصفوا المجدل بالطيران والمدفعية وهاجموها بالمدرعات، لكن أهلها والثوار المنسحبين من الجنوب اللبناني تمكنوا من صدها”.
وعلى ما يبدو أن تحويل مجدل شمس إلى مقر لقيادة الثورة، كان هدفه تحشيد الثوار للإنطلاق نحو بقاع لبنانية وسورية بغية مطاردة الفرنسيين ودفعهم نحو الساحل، على الأقل هذا ما يراه المصري محمود كامل فريد في “ثورة الدروز وحوادث سوريا” وهو شاهد على تلك المرحلة “فالجيش المستبسل (يقصد الثوار) احتل مجدل شمس، والظاهر أن مهتمه تنحصر الآن (تشرين الأول/أكتوبر 1925) في العمل في أقاليم البلان والجولان ووداي التيم والإتصال بجبل عامل وبلوغ حدود لبنان الجنوبية والشرقية والدنو من رياق”.
وعن نضالات مجدل شمس يكتب عباس أبو صالح وسامي مكارم في “تاريخ الموحدين الدروز السياسي” الصادر عن منشورات “المجلس الدرزي للبحوث والإنماء”:
“كانت مجدل شمس معقلا حصينا للثورة السورية، حاولت القوات الفرنسية احتلال المجدل في أواخر 1925 وفشلت، وفي ربيع 1926 قررت القيادة الفرنسية التصدي للثورة الدرزية في إقليم البلان، وأرسل الفرنسيون حملتين كبيرتين، تصدى الثوار للحملتين، وأجبروا القوات الفرنسية على التراجع حتى القنيطرة (30 آذار/مارس 1926) وحققوا انتصارا آخر في موقعة الغجر، وكان على رأس الثوار عادل ارسلان وأحمد مريود، لكن القوات الفرنسية تمكنت في نهاية المطاف أن تضرب طوقا على المجدل، وفي الثالث من نيسان/أبريل دخلت القوات الفرنسية مجدل شمس بعد تدميرها بقنابل الطائرات والمدفعية، وأنشات فيها قاعدة عسكرية كبيرة”.
وفي “سويداء سوريا/موسوعة جبل العرب” شهادات لكبار رجال الثورة العرب ضد الفرنسيين، ومن ضمنهم فايز الغصين، وفي الوقائع “منذ الرابع من تشرين/الثاني نوفمبر 1925، بدأت نيران المعركة تلتهب في مدن سورية، في حماه وفي غوطة دمشق والعاصمة نفسها، وفي مرجعيون وبمؤازرة أهالي مجدل شمس وجبل الشيخ بقيادة أسعد كنج أبو صالح، ضرب الثوار أروع أمثلة البطولة وهم يتقدمون نحو راشيا في عشرين تشرين الثاني/نوفمبر 1925”.
وإذ يُعدّد قائد آخر من قادة الثورة، وهو منير الريس في “الكتاب الذهبي للثورات الوطنية” الحملات الفرنسية على مجدل شمس وكيف كان الفرنسيون يقصفونها بالطائرات، يُسهب أدهم الجندي في “تاريخ الثورات السورية” تحليلاً، وبعد أن ينقل انطباعات الثوار بأن مجدل شمس لا تُدرك ولا تُنال، وبعد أن وافاها زهاء 12 ألف مقاتل، يقول:
“عزمت القيادة الفرنسية أن تقضي على القيادات الثورية في الحرمون، فوجهت إلى مجدل شمس قطعات من القنيطرة ومرجعيون، وكان المجاهدون الدروز يهاجمون المراكز الفرنسية في مرجعيون، وكانت الطائرات الفرنسية تلقي حممها على مواقع الثوار، وفي صباح 3 نيسان/أبريل 1926 بدأ الجيش الفرنسي هجومه المركزي على المجدل، وصمد الدروز، وسقطت المجدل، وأما خسارة الدروز فبلغت 204 شهداء في ساحة الشرف”.
من أناشيد أهالي مجدل شمس وجوارها، وهم يقاتلون الفرنسيين:
يا فرنسا والله ما نطيع/ نقاتل عند ديارنا
بمدفع ضربو شنيع/ ذبح العسكر كارنا.
ثالثاً؛ مجدل شمس ومقاومة إسرائيل:
احتلت اسرائيل هضبة الجولان السورية في حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967، وما هي إلا سنوات، حتى صادرت سلطات الإحتلال 60 ألف دونم من أراضي القرى الدرزية، مجدل شمس وبقعاتا ومسعدة وعين قنيا، كما جاء في “دروز الوطن المحتل” لوفيق أبو حسين، وينقل الأخير عن الشيخ كمال أبو كنج قوله إن إسرائيل صادرت “ثلاثة أرباع الأراضي الدرزية، وصودر من مجدل شمس وحدها 35 ألف دونم” تحت ذرائع أمنية حتى العام 1981، وعمليات مصادرة الأراضي لم تتوقف حتى هذه الآونة، ومن مظاهر التصدي لها التحركات العارمة في مجدل شمس في 16 ـ 4 ـ 2023 حيث شهدت “بلدة مجدل شمس حراكا ونضالا ضد مخطط يستهدف مصادرة ما تبقى من الأراضي المعدة للأزواج الشابة” بحسب وكالة “وفا” الفلسطينية.
وإذ عملت سلطات الإحتلال على التضييق الأمني والإقتصادي والقانوني على القرى الأربع المذكورة، ساعية لإعطائهم هويات اسرائيلية قبل قرار ضم الجولان (14 ـ 12 ـ 1981) فجوبه هدفها بالرفض، ومن أصل 800 هوية أعطيت لعائلات درزية جولانية، عاد وتخلى عنها 790 فردا، وحين أصدرت اسرائيل قرار الضم خرج أهالي مجدل شمس يتظاهرون ويُردّدون:
مجدل شمس سورية/مش ناقصها هوية.
وحين اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بضم مرتفعات الجولان إلى “السيادة الإسرائيلية” عام 2019 خرج أهالي المجدل وجوارها هاتفين:
سوريين بحكم الدم/ ما بينفع قرار الضم.
في دفاتر الأيام العائدة لمجدل شمس أنها خرجت عن بكرة أبيها حين توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وراح أهلها يندبون قائلين ودامعين:
عبد الناصر يا بونا/بغيابك عذبونا.
وفي الدفاتر إياها:
ـ فرض الحُرم الديني على المتعاملين مع إسرائيل.
ـ تحويل المناسبات الإجتماعية إلى مهرجانات عدائية لإسرائيل.
وفي وقائع أيام المجدل، هذه الأحداث التي تستند إلى أرشيف صحيفة “السفير” اللبنانية:
ـ 8 ـ 3 ـ 1986: “مجدل شمس/ رفض الإحتلال”.
ـ 15 ـ 2 ـ 1988: “المواجهات مستمرة في الضفة والقطاع/ الجولان ينضم إلى الإنتفاضة”.
ـ 22 ـ 11 ـ 1993: “مواطنو مجدل شمس يرفعون العلم السوري وينددون بالإحتلال”.
ـ 15 ـ 3 ـ 2002: “تظاهرة في مجدل شمس تضامنا مع الإنتفاضة”.
ـ 15 ـ 2 ـ 2003: “تظاهرة في مجدل شمس ضد الإحتلال”.
في 30 ـ 10 2018 قالت شبكة البث الإسرائيلية “تظاهر عدد من سكان مجدل شمس وهم يرفعون الأعلام السورية وأعلام الطائفة الدرزية، للمطالبة بإلغاء التصويت (الإنتخابات المحلية الإسرائيلية) لأن الاشتراك بالانتخابات، يعتبر اعترافا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وخيانة للشعب السوري على حد تعبيرهم”.
وحول ذلك ورد في تقرير منشور (28 ـ 7 ـ 2024) على موقع إذاعة “مونت كارلو” أنه في انتخابات 2018 المحلية، “لم يُصوّت سوى 272 شخصاً في مجدل شمس، وهو ما اعتبره بعض المراقبين رغبة من سكان البلدة بإبداء عدم إكتراثهم بإسرائيل ورفضهم إضفاء شرعية على الحكم الإسرائيلي للمنطقة”.
أخيراً؛ من سميح القاسم إلى مجدل شمس:
منتصبَ القامةِ أمشي/ مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ/ وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي/ وأنا أمشي/ وأنا أمشي.