انتهى مفعول كورسك.. هل تُنقذ الصواريخ الأميركية والبريطانية أوكرانيا؟

تراجعت غزة في اهتمامات الديبلوماسية الأميركية في الآونة الأخيرة. تقدّمت عليها أوكرانيا في سلم أولويات إدارة الرئيس جو بايدن التي أرسلت وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى لندن ليصطحب معه نظيره البريطاني ديفيد لامي إلى كييف. 

يُلح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على واشنطن ولندن، كي تسمحا له باستخدام صواريخ “أتاكمز” الأميركية و”ستورم شادو” البريطانية لقصف أهداف في العمق الروسي، بما يساعده على إحراز توازن ميداني، يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التفاوض بالشروط التي تلائم كييف.

وبعد أيام يتوجه زيلينسكي إلى نيويورك لحضور أعمال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. والأهم من ذلك، أنه سيلتقي بايدن ليعرض عليه ما يصفه بـ”خطة النصر”، التي ترمي إلى التأثير على روسيا كي تتخذ قراراً بوضع حد للحرب، وذلك من طريق ممارسة ضغوط معنوية وسياسية وديبلوماسية وعسكرية عليها.

وبحسب الرؤية الأوكرانية، فإن التوغل في كورسك الروسية يخدم هذه الاستراتيجية، التي لا يُمكن أن تصل إلى غايتها من دون استخدام الصواريخ الأميركية والبريطانية، لأجل قصف الموانىء والقواعد الجوية والمنشآت النفطية، وحتى تهديد موسكو، وفق رئيس مدرسة كييف للاقتصاد تيموفي ميلوفانوف، الذي يرى أن هذه الاستهدافات ستحرم الكرملين من الموارد المالية لتمويل الحرب، الأمر الذي عجزت عنه العقوبات الغربية.

وإذا اتخذ بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قراراً بتوسيع نطاق استخدام الصواريخ الأميركية والبريطانية، فإن الأمر لا يخلو من مخاطر تجاوز مزيد من الخطوط الحمر الروسية في هذه الحرب. وسبق لبايدن أن سمح للجيش الأوكراني باستخدام صواريخ “أتاكمز” ضد القوات الروسية التي تهاجم منطقتي خاركيف وسومي الأوكرانيتين. أما بريطانيا فسمحت لكييف باستخدام “ستورم شادو” في قصف أهداف في شبه جزيرة القرم باعتبار أن لندن لا تعترف بها أرضاً روسية.

منذ البداية، حدّد بايدن أن هدفه إلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا، وليس نقل الحرب إلى الداخل الروسي. ولم تستسغ واشنطن اقدام زيلينسكي على احتلال أكثر من ألف كيلومتر مربع في منطقة كورسك الروسية، واعتبرتها قراراً يؤمن نصراً تكتيكياً لكييف، لكنه يُخاطر بهزيمة استراتيجية لأوكرانيا في دونيتسك.

ثم أن المكاسب في كورسك تبدو ضئيلة جداً بالمكاسب الروسية في أوكرانيا التي تصل إلى السيطرة على نحو 20 في المئة من أراضي هذا البلد.

في هذا الصدد، يُجري أستاذ الشؤون الدولية في مدرسة كينيدي بجامعة هارفرد ستيفن والت مقارنة على الشكل التالي: ما سيطرت عليه أوكرانيا في كورسك يمثل 0.0064 في المئة من مساحة روسيا الإجمالية. ويبلغ مجموع السكان في هذه المنطقة ما نسبته 0.138 من إجمالي سكان روسيا. ويخلص إلى استنتاج مفاده أن العملية الأوكرانية “نجاح تكتيكي لا يرقى إلى الانجاز الاستراتيجي الرئيسي.. إن مصير الحرب سيتقرر بشكل أساسي بما يحدث في أوكرانيا، وليس عبر التوغل في كورسك”.

وسبق لزيلينسكي أن حدّد هدفين للتوغل في كورسك: الحصول على ورقة ضغط في أية مفاوضات مستقبلية مع موسكو؛ إرغام الجيش الروسي على سحب جزء من قواته من جبهة دونيتسك لصد التوغل في كورسك.

يدرس بايدن الطريقة التي يُمكن أن يُوسّع فيها دائرة المساعدة الأميركية من دون بلوغ نقطة الاحتكاك بروسيا، التي قالت بوضوح إن استخدام صواريخ أميركية وبريطانية ضد أراضيها سيجعلها في “حالة حرب” مع حلف شمال الأطلسي، وصدرت تحذيرات من عدد من مسؤوليها حول امكان إحداث تغيير في العقيدة النووية الروسية

لكن هذا مدير الاستراتيجيات الكبرى في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول جورج بيبي، يقول إن “الروس لم ينقلوا أعداداً كبيرة من قواتهم من الخطوط الأمامية للجبهات في أوكرانيا.. وهناك شكوك كبيرة تُحيط بفائدة التوغل الأوكراني وما يُمكن أن يُحقّقه، وأعتقد أن هناك قلقاً كبيراً من أنه قرار خاطىء”. ويلفت الانتباه هنا إلى أن روسيا حوّلت عملية كورسك إلى فرصة لقتل أكبر عدد ممكن من الجنود الأوكرانيين، الذين عانوا فعلاً من معدل خسائر مرتفع في هذه المنطقة الروسية.

وغير بعيد عن هذه الخلاصة، لاحظ معهد دراسات الحرب الأميركي، أن بوتين “يحاول الحفاظ على الاندفاعة الروسية نحو مدينة بوكروفسك (في دونيتسك) على حساب التأخير في تطهير كورسك”.

وإلى بوكروفسك، تتعرض مدينتا تورتسك وتشاسيف يار في دونيتسك أيضاً للضغط الروسي، وهاتان الأخيرتان في حال سقوطهما، تفتحان الباب أمام القوات الروسية للتقدم نحو كراماتورسك وسلوفيانسك ومن بعدها بقية المنطقة الشرقية، بما يوفر لروسيا وضع اليد على كامل إقليم دونباس المعقل الصناعي لأوكرانيا.

وبرغم المآخذ الأميركية على عملية كورسك، لن يتخلى بايدن عن زيلينسكي، وسيفعل كل ما في وسعه لتمكينه من تحسين قدراته العسكرية قبل أن يترك البيت الأبيض بعد أربعة أشهر.

وربطاً بذلك، يدرس بايدن الطريقة التي يُمكن أن يُوسّع فيها دائرة المساعدة الأميركية من دون بلوغ نقطة الاحتكاك بروسيا، التي قالت بوضوح إن استخدام صواريخ أميركية وبريطانية ضد أراضيها سيجعلها في “حالة حرب” مع حلف شمال الأطلسي، وصدرت تحذيرات من عدد من مسؤوليها حول امكان إحداث تغيير في العقيدة النووية الروسية.

إقرأ على موقع 180  إيران والولايات المتحدة.. إستحالة التطبيع

قد تلجأ إدارة بايدن ومعها بريطانيا إلى توظيف ما تتحدثان عنه من تسليم إيران لروسيا في الآونة الأخيرة مئات الصواريخ الباليستية من طراز “فتح-360″، كتبرير لاتخاذ قرار يتعلق باحتمال سماحهما لأوكرانيا بتوسيع نطاق استخدام الصواريخ الأميركية والبريطانية.

وقد تعمد بلينكن ولامي اثارة هذه المسألة خلال زيارتهما لكييف، برغم أن طهران نفتها رسمياً منذ صدور معلومات في هذا الشأن في صحيفة “الوول ستريت جورنال” الأميركية قبل أسبوعين. وسبق لواشنطن ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي التهديد بفرض عقوبات قاسية على إيران في حال أقدمت على إرسال صواريخ إلى روسيا.

وربما يكون مستغرباً أن تُقدم طهران على تزويد روسيا بالصواريخ، في وقت يسعى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إلى فتح قنوات الحوار مع الغرب. وأثيرت هذه المسألة خلال زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لطهران في آب/أغسطس الماضي. وإذا ما وضعت أميركا وبريطانيا معادلة صواريخهما في مقابل الصواريخ الإيرانية، فإن ذلك سيُشكّل تصعيداً خطيراً في الحرب.

فهل هي مرحلة من التصعيد الذي يسبق الجلوس إلى طاولة الحوار، بعد أن يشعر طرفا الحرب بأن الوقت قد حان للتسوية؟

إن مزيداً من الأوكرانيين باتوا يؤيدون التسوية ولو على حساب تنازلات مؤلمة، وهذا ما يُقلق زيلينسكي أكثر من أي أمر آخر. لقد كانت المجاهرة بتأييد الحل السياسي من المحرمات في السابق. في الوقت نفسه، باتت إمارات الإرهاق من الحرب الأوكرانية تطغى على موقف الغرب الذي بدأ يبحث مع زيلينسكي في كيفية توفير حلول بديلة للمساعدات التي تلقى معارضة متصاعدة في كل من أميركا وأوروبا. وهناك أكثر من 12 دولة أطلسية أقامت شراكات أمنية مع أوكرانيا، من أجل مساعدتها على تصنيع السلاح محلياً.

وبعد 20 كانون الثاني/يناير المقبل، وسواء أكان الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب أم كامالا هاريس، ستكون هناك سياسة أميركية جديدة حيال أوكرانيا. وانطلاقاً من هذا الشعور، أقفل زيلينسكي الباب أمام مشاركة وفد روسي في “قمة السلام” التي حدّدت كييف موعداً لها في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بعدما كان قد ألمح في وقت سابق إلى موافقته على توجيه دعوة إلى روسيا.

والخميس الماضي، حدّد المرشح لمنصب نائب الرئيس على لائحة ترامب، جيه. دي. فانس رؤيته للحل في أوكرانيا قائلاً في مقابلة صحافية، إن أوكرانيا يجب أن تتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، وأن تفصل منطقة منزوعة السلاح بين الدولتين.

وبرغم ضجيج الصواريخ والميدان، أوردت مجلة “نيوزويك” الأميركية، لائحة من ست دول مرشحة للإضطلاع بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، هي النمسا والصين والهند والبرازيل والمجر وتركيا.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  كونديرا: الروح السلافية وأزمة أوروبا الحضارية | (2)