سلاح المقاومة في لبنان بين الحاجة للدفاع وحفظ سيادة الدولة

ما يزال سلاح "المقاومة" في لبنان، وتحديدًا سلاح حزب الله، من أبرز الملفات التي تُثير جدلاً واسعًا على الساحة الداخلية اللبنانية، وتُشكّل مادة دائمة للنقاش في المحافل الإقليمية والدولية. بين من يراه ضرورة وطنية لحماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية والإرهابية، ومن يعتبره مصدرًا لخلل في ميزان الدولة والسيادة، يظل هذا السلاح محاطًا بعدد من المبررات التي يطرحها أنصاره كمسوغ لبقائه.

أولًا؛ التهديد الإسرائيلي:

أولى هذه المبررات تتمثل في استمرار التهديد الإسرائيلي. فعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، ما تزال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا خاضعة للاحتلال، ما يعني أن النزاع لم يُطوَ بالكامل. ويستشهد المؤيدون أيضًا بالخروقات الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، جنوباً وبقاعاً وعاصمة (شاهدنا ليل أمس آخر فصوله باستهداف الضاحية الجنوبية بسلسلة غارات هي الأعنف منذ ما أسمي وقف النار)، فضلًا عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بعد حرب إسناد غزة، والتي شملت قصفًا استهدف مناطق في جنوب لبنان، واحتلالًا مؤقتًا لأجزاء من الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى استمرار خرق الأجواء اللبنانية عبر الطائرات بدون طيار والطائرات الحربية، ما يعكس تهديدًا دائمًا لأمن لبنان وسلامة أراضيه، ويُبرر – برأيهم – وجود قوة ردع لبنانية فاعلة وغير تقليدية.

ثانيًا؛ دور الجيش اللبناني وحدوده:

يرى مؤيدو المقاومة أن الجيش اللبناني، برغم احترامهم له كمؤسسة وطنية، لا يملك الإمكانات الكافية للتصدي لآلة الحرب الإسرائيلية المتقدمة. ضعف التسليح، وقيود الدعم الدولي، والعجز عن الحصول على منظومات دفاعية متطورة، كلّها عوامل تُستخدم لتبرير استمرار المقاومة كمكوّن دفاعي رديف، إلى حين تمكين الجيش من أداء كامل دوره الوطني.

ثالثًا؛ تجربة الردع والتحرير:

تجربة تحرير الجنوب في أيار/مايو 2000 تُعدّ حجر زاوية في سردية المقاومة، إذ يعتبر أنصارها أن الإنجاز تحقق بفضل العمل المقاوم لا التفاوض ولا القرارات الدولية. كما يُستشهد بحرب تموز/يوليو 2006 كمحطة رسّخت ما يُعرف بـ”توازن الردع” مع إسرائيل، بعد أن فشل العدوان في تحقيق أهدافه، ما دفع الكثيرين للقول إن سلاح المقاومة هو ما حمى لبنان من جولات لاحقة من الحروب.

إن وضع سلاح المقاومة تحت سقف الدولة، ضمن استراتيجية دفاع وطني متكاملة، يمكن أن يكون السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والاستقرار، وضمان حماية سيادة لبنان. ويتطلب ذلك حوارًا وطنيًا شاملاً يقبل الجميع من خلاله بتقديم تنازلات واقعية تصب في مصلحة لبنان، بعيدًا عن الإقصاء والتدخلات الخارجية

رابعًا؛ مواجهة الإرهاب:

مع اندلاع الأزمة السورية (2011) وصعود التنظيمات التكفيرية، دخل لبنان في دائرة خطر أمني جديد. لعب حزب الله دورًا ميدانيًا في التصدي لامتداد هذه الجماعات إلى الحدود اللبنانية، وهو ما يعتبره مؤيدو السلاح دليلاً إضافيًا على ضرورة وجود مقاومة منظمة، قادرة على التدخل الفوري عند الحاجة، بعيدًا عن تعقيدات القرار الرسمي.

خامسًا؛ غياب استراتيجية دفاعية وطنية:

برغم الدعوات المتكررة، لم يُتوصل حتى اليوم إلى استراتيجية دفاعية تُنظم العلاقة بين الدولة والمقاومة. وفي ظل هذا الغياب، يرى البعض أن سحب سلاح المقاومة دون إطار بديل أو وطني شامل، قد يترك فراغًا أمنيًا خطيرًا، لا سيما في ظل هشاشة الوضعين الإقليمي والمحلي.

سادسًا؛ موقع لبنان الجغرافي الهش:

يُشكّل الموقع الجغرافي والسياسي للبنان أحد أبرز الأسباب التي تُطرح لتبرير وجود قوة مقاومة فاعلة. في محيط تتجاذبه المحاور والصراعات الكبرى، من سوريا إلى فلسطين، ومن الخليج إلى إيران، يصعب – وفق الرؤية المؤيدة – الركون إلى ضمانات دولية أو رهانات سياسية، وهو ما يعزز الحاجة إلى امتلاك وسائل الردع الذاتية.

في ظل التعقيدات الأمنية والسياسية التي يواجهها لبنان، يظهر أن الحل الأمثل يكمن في توحيد الجهود ضمن إطار وطني شامل يجمع بين قوة الدولة وسلاح المقاومة. لا شك أن سلاح المقاومة لعب دورًا محوريًا في حماية لبنان من اعتداءات وتهديدات متكررة، وبنى قدرات ردع أثبتت فعاليتها في مواقف عدة

سابعًا؛ السلاح خارج الدولة يُضعفها:

في المقابل، يرى معارضو استمرار سلاح حزب الله أن هذا السلاح يتجاوز الدولة ومؤسساتها الشرعية، ويُقوّض مبدأ احتكار الدولة للسلاح، كما يُضعف قدرة الحكومة اللبنانية على اتخاذ قرارات سيادية مستقلة. ويعتبر هؤلاء أن السلاح أصبح وسيلة لتوريط لبنان في صراعات إقليمية، خصوصًا في سوريا واليمن، دون توافق وطني، ما يُعرّض البلاد لعقوبات خارجية، وعزلة سياسية، ومخاطر أمنية. ويرى هؤلاء أن قوة الدولة لا تُبنى بوجود سلاحين، بل بتقوية الجيش والمؤسسات، داعين إلى وضع سلاح المقاومة تحت إمرة الدولة ضمن استراتيجية دفاعية موحّدة، تحفظ لبنان من دون المساس بسيادته أو إدخاله في محاور خارجية.

ثامنًا؛ بين الواقعية والطموح الوطني:

في المحصلة، يطرح مؤيدو بقاء سلاح المقاومة جملة من المبررات التي يرونها منسجمة مع التحديات الأمنية والسياسية التي يواجهها لبنان، فيما يُصرّ المعارضون على أن لا دولة قوية دون حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم.

في ظل هذه الرؤى المتباينة، يبقى الحوار الوطني الوسيلة الأجدى للوصول إلى مقاربة متوازنة تحفظ أمن لبنان واستقراره، وتُعزّز وحدته الداخلية. وفي ظل التعقيدات الأمنية والسياسية التي يواجهها لبنان، يظهر أن الحل الأمثل يكمن في توحيد الجهود ضمن إطار وطني شامل يجمع بين قوة الدولة وسلاح المقاومة. لا شك أن سلاح المقاومة لعب دورًا محوريًا في حماية لبنان من اعتداءات وتهديدات متكررة، وبنى قدرات ردع أثبتت فعاليتها في مواقف عدة.

إقرأ على موقع 180  الدولة الدينية والعلمانية.. المستقبل لمن؟

وفي الوقت نفسه، لا يمكن التغاضي عن أهمية وجود دولة قوية ذات سيادة كاملة، تحتكر السلاح وتُقرّر مسألة الحرب والسلم. تعزيز مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية يجب أن يكون هدفًا أساسيًا، وهو أمر لا يتناقض بالضرورة مع وجود مقاومة ضمن استراتيجية دفاعية موحدة.

في الخلاصة؛ إن وضع سلاح المقاومة تحت سقف الدولة، ضمن استراتيجية دفاع وطني متكاملة، يمكن أن يكون السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والاستقرار، وضمان حماية سيادة لبنان. ويتطلب ذلك حوارًا وطنيًا شاملاً يقبل الجميع من خلاله بتقديم تنازلات واقعية تصب في مصلحة لبنان، بعيدًا عن الإقصاء والتدخلات الخارجية.

بهذا النهج، يُمكن للبنان أن يُحوّل هذا الملف الشائك إلى قوة وطنية موحدة، قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية، مع الحفاظ على تماسكه الداخلي واستقلالية قراره الوطني.

Print Friendly, PDF & Email
هشام الأعور

أكاديمي وكاتب سياسي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  من دمشق إلى "فيينا 7".. "خط إستراتيجي" و"إتفاق مؤقت"!