طهران وواشنطن.. مشهدية معقدة بين تصعيد الوكالة النووية ووساطة الرياض

مرة أخرى تتصدر إيران المشهد السياسي الإقليمي والدولي بعد أن أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا وضع طهران في زاوية حرجة، في الوقت الذي بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الملف الإيراني والمفاوضات التي يمكن أن تُستأنف بين طهران وواشنطن.

قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر الأسبوع الماضي جاء من خلال مسودة القرار التي دفعت بها الترويكا الأوروبية: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بدفع وتشجيع من الولايات المتحدة، في الوقت الذي كانت إيران قد اتفقت مع مدير الوكالة رافائيل غروسي في القاهرة على آلية للتعاون، تحديدًا في مجال تفقد المفتشين التابعين الدوليين للمواقع النووية التي استهدفها العدوان الأميركي الإسرائيلي في يونيو/حزيران الماضي، بعد أن تضع الوكالة آلية لتفقد هذه المواقع. لكن إيران أعلنت مباشرة بعد صدور قرار مجلس المحافظين إيقاف العمل بـ”اتفاق القاهرة” كرد فعل على القرار المذكور، وقالت بأنها تدرس خياراتها في الرد العملي على القرار الذي يعتبر الثاني من نوعه بعد العدوان الإسرائيلي وتفعيل آلية “سناب باك” لعودة قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي قبل العام 2015.

ونص القرار الصادر عن مجلس المحافظين على الطلب من إيران، بشكل مستعجل، إعطاء تفاصيل عن مصير كمية اليورانيوم عالي التخصيب التي تصل إلى 420 كيلوغرامًا، والسماح لفرق التفتيش دخول إيران لتفتيش المواقع التي تم استهدافها من قبل الطائرات الأميركية في فوردو ونطنز وأصفهان، والعمل في إطار البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي الذي لم توقّع عليه إيران حتى الآن، والذي يتيح لفرق التفتيش دخول المنشآت النووية الإيرانية متى رأت الوكالة ذلك مفيدًا لها دون إخبار السلطات الإيرانية، إضافة إلى وقف كافة الأبحاث والنشاطات المتعلقة بأنشطة التخصيب النووي.

نقل محمد بن سلمان إلى ترامب استعداد طهران لاستئناف المفاوضات والدخول في صفقة يمكن أن تحلّ كافة القضايا الشائكة مع واشنطن. وكان بن سلمان قد تحدث مع بزشكيان هاتفيًا قبل أن يتوجه إلى واشنطن في مطلع الأسبوع المنصرم، وتبادل معه وجهات النظر بشأن المفاوضات المتعثرة مع واشنطن، حيث سمع من بزشكيان استعداد بلاده للعودة إلى طاولة المفاوضات، في الوقت الذي حدّد وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي الشروط التي تراها إيران مناسبة من أجل استئناف المفاوضات

وتواجه إيران خيارات عدة في هذا الشأن: إما أن تقبل القرار، وهي قالت بأنها غير ملزمة بتنفيذه، أو أن ترفضه، وهذا يعني معارضة قرار صادر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يُعرّض الملف الإيراني داخل الوكالة للكثير من الصعوبات القانونية، ومنها إيجاد الأرضية اللازمة لترحيل هذا الملف إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، حيث من المحتمل أن تعمل الدول الغربية لوضع هذا الملف تحت “الفصل السابع”، وهي خطوة معقدة وتصعيدية لا يمكن خلالها حساب الأرباح والخسائر. أو الخيار الثالث وهو المراوغة لحين وضع الوكالة آلية “تفقد المنشآت النووية السلمية التي تتعرض لهجوم عسكري”، لأن هذه الوكالة لا تملك هكذا بروتوكول في قانون الضمانات التابع لها.

وفي هذه الأثناء، نقل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداد طهران لاستئناف المفاوضات والدخول في صفقة يمكن أن تحلّ كافة القضايا الشائكة مع واشنطن. وكان بن سلمان قد تحدث مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هاتفيًا قبل أن يتوجه إلى واشنطن في مطلع الأسبوع المنصرم، وتبادل معه وجهات النظر بشأن المفاوضات المتعثرة مع واشنطن، حيث سمع من بزشكيان استعداد بلاده للعودة إلى طاولة المفاوضات، في الوقت الذي حدّد وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي الشروط التي تراها إيران مناسبة من أجل استئناف المفاوضات وهي:
أولًا؛ جدية الجانب الأميركي في الدخول في مفاوضات غايتها التوصل إلى اتفاق وليس شن حرب جديدة على إيران.
ثانيًا؛ بحث الملف النووي فقط من دون الخوض في أي ملف آخر.
ثالثًا؛ رفض أية شروط تفاوضية مسبقة، وبالتالي يتم وضع كافة القضايا المتعلقة بهذا الملف على الطاولة لمناقشتها.
رابعًا؛ عدم طرح ملف المنظومة الصاروخية الإيرانية لأنها ترتبط بالجانب الدفاعي الإيراني ولا يمكن مناقشة الأمر مع أية جهة خارجية.

ورأت أوساط إيرانية أن لعب السعودية دور الوساطة بين طهران وواشنطن أمر لا يخدم المصالح الإيرانية. وقال مصطفى نجفي، مستشار رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إن السعودية تحاول أن تعتمد على استراتيجية “المواجهة الناعمة” المحسوبة بدقة حيال إيران، ويجب على إيران عدم وضع كافة البيض في سلة الوساطة السعودية لأنها لا تصل إلى نتيجة.

أما حميد أبو طالبي، المعاون السياسي للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، فقد نقل في رسالة للرئيس مسعود بزشكيان أن المعلومات الرسمية الصادرة من طهران والرياض وواشنطن تشير إلى أن إيران على وشك الدخول في واحدة من أهم مراحل المفاوضات مع الولايات المتحدة، وهي المرحلة التي قد تؤدي، إذا ما أُديرت بشكل صحيح، إلى تحويل مسار الأمن القومي والاستقرار الإقليمي ومستقبل البلاد الاقتصادي.

إقرأ على موقع 180  إنحدار المكانة الأمريكية.. العالم يدفع الثمن!

وفي استمرار لهذا الاتجاه، أعلن ولي العهد السعودي خلال زيارته للولايات المتحدة، صراحة وفي موقف غير مسبوق: “سنبذل كل ما في وسعنا للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وطهران تريد التوصل إلى اتفاق… من المفيد لإيران أن تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أن أهمية هذه العملية تتضاعف عندما صرّح الرئيس الأميركي خلال اللقاء الرسمي مع بن سلمان: “إنهم يريدون حقًا إبرام صفقة. أنا مستعد تمامًا لذلك، نحن في محادثات معهم وبدأنا عملية، وسيكون من الجيد إبرام صفقة مع إيران”.

ويرى حميد أبو طالبي أن تزامن هذه التطورات الثلاثة (الرسالة الرسمية الإيرانية، وإعلان السعودية عن الوساطة، وإعلان الولايات المتحدة عن بدء عملية التفاوض “أمرٌ نادرٌ. ويشير هذا التزامن إلى أن نافذة استراتيجية قد فُتحت؛ نافذةٌ قد تُفوّت، ليس فقط بضياع فرصة، بل بخطأ استراتيجي أيضًا.”

وفي إطار هذه المشهدية ثمة ترقب لما سيكون عليه موقف الحكومتين الأميركية والإيرانية حيال المفاوضات، مما يستوجب منهما تقديم مقاربة واقعية وموضوعية تأخذ بالاعتبار الظروف المحيطة بالملف الإيراني، إقليميًا ودوليًا.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  قانون الأقوى يحكم التنافس الخليجي ـ الخليجي!