
"سأخون وطني". كان ذلك نصاً نبوئياً. بلاد تعيش في هذيان الرعب. أما الحرية فهي مضادة للاضطهاد، يتساءل "المواطن" (وهي تسمية مبهبطة) لماذا لم يتم الاعتراف بي كإنسان عادي جداً. مجرد إنسان فقط.
"سأخون وطني". كان ذلك نصاً نبوئياً. بلاد تعيش في هذيان الرعب. أما الحرية فهي مضادة للاضطهاد، يتساءل "المواطن" (وهي تسمية مبهبطة) لماذا لم يتم الاعتراف بي كإنسان عادي جداً. مجرد إنسان فقط.
كأنّ الذي حصل، فصلٌ من فصول الجحيم. نحن اليوم في فداحة الخراب. كيانات تصطف وتسأل عنها: أهكذا يكون التغيير؟ هل هذا لبنان؟ هل هذا وطن أم..؟ هل هذه سوريا؟ كيف احتملوها زهاء نصف قرن؟ كيف كانت السجون فيها مزدهرة وجحيمية؟ كيف كان الموتى يدفنون موتاهم؟ كيف تم قتل المستقبل؟
ثمة بشرٌ لا يعرفون ما هي غزة ولا أين يقع لبنان، ساروا في تظاهرات يصرخون في شوارع العواصم الأوروبية والأميركية: أوقفوا مذابح الأطفال، أوقفوا إبادة الشعب الفلسطيني. هذا الشعور بالمسؤولية عمّ نتاج الأدباء والشعراء والكتّاب والمفكرين، ولم يعد ممكناً لشاعر أن ينظم قصيدة ولا لكاتب أن ينظم فكرةً من خارج المسؤولية تجاه هذا الفضاء المأسوي.
لا تشبه حرب الإبادة والتدمير التي يشهدها الفلسطينيّون منذ سنةٍ تقريباً في غزّة والضفة احتلالاً عاديّاً أو أيّ مرحلة من مراحل العدوان الإسرائيلي التي تكرّرت منذ عقود. ولا تشبه العمليات الحربية الدائرة في جنوب لبنان ما سبقها. ولا مثيلَ سابقاً للعربدة العسكريّة الإسرائيليّة على سوريا المنهَكة بصراعاتها الداخليّة وامتداداتها الدوليّة. المشهد يُنذر بكارثة بحجم كارثة "النكبة" سنة 1948.
أسبابٌ كثيرةٌ سوف تكون وراء ضرورة اهتمامنا، نحن العرب والمصريون بينهم، بدول أمريكا اللاتينية. أكتبُ بصيغة المستقبل وأنا مدركٌ لشدة انشغالنا بتطورات غير مسبوقة في منطقتنا. أكادُ أعمّمُ فأجزمُ بأنه لا توجد في المنطقة العربية دولة لا تواجه تحديات تتفوق على قدراتها الفاعلة وإمكاناتها المعبّأة مما يجعلها غافلة في اللحظة الراهنة عن أهمية أمريكا اللاتينية في حسابات المستقبل.
تعاني "منظّمات المجتمع المدني" أو "المنظّمات غير الحكوميّة" في المنطقة العربيّة اليوم من حالة تساؤلٍ وجوديّة. إنّ نشاط الكثير منها كان مرهوناً بتمويلات تأتي من "صناديق خيريّة" أمريكيّة أو أوروبيّة، أو حتّى من المؤسّسات الرسميّة لهذه البلدان ذاتها، وهذا لم يكن بعيداً عن واقع أنّ أعدادها وأعمالها نمت بشكلٍ كبير.
مرة أخری تشهد المنطقة حواراً يتناول ملف العلاقات العربية الإيرانية، وهو الملف الأكثر سخونة وحساسية وجاذبية، لا سيما في ضوء ما نشهد من تطورات ومقاربات على صعيد العلاقات بين طهران والرياض أو بين طهران والقاهرة وأيضاً بين طهران وعمّان، فضلاً عما تتطلع إليه طهران مع العديد من العواصم العربية.
بين مشهدين سياسيين تابعهما العالم فى اللحظة نفسها تبدت تساؤلات ومفارقات. فى المنامة، عقدت قمة عربية اعتيادية بظروف استثنائية خيمت عليها أشباح الإبادة والتجويع بقطاع غزة ومخاوف ارتكاب مجازر أبشع بحق مليون ونصف المليون نازح إذا تم اجتياح رفح الفلسطينية. وفى لاهاى التأمت جلسة أخرى لمحكمة العدل الدولية تنظر بطلب من جنوب إفريقيا اتخاذ تدابير احترازية طارئة لوقف حرب الإبادة على غزة ومنع اجتياح رفح.
نعيشُ مرحلة غير عادية. نسأل كثيراً ونتساءل أكثر. نعرف أن تيارات تجرفنا ولكن إلى أين؟ لا ندري. العالم من حولنا يتغير وما زال السؤال يُلحّ إن كنا حقاً تغيرنا معه. تُثبت الأيام الصعبة التي نمر فيها أن أحداثاً عظيمة وقعت ما كان يجب أن تقع وأن أحداثاً كثيرة عادية لم تقع وكان يجب أن تقع. أتحدث هنا عنا كعرب برغم علمي أن العروبة لم تعد بالضرورة هوية كل العرب.
ما زلنا، وإبادة الفلسطينيين مستمرة، نتناقش حول مستقبل العالم على ضوء هذه الإبادة. لهذا النقاش المستعر عنوان رسمي وهو "اليوم التالي لحرب غزة"، ابتكره الفريق الحاكم في البيت الأبيض في سعيه لصنع وضع مختلف في فلسطين العربية، أي في غزة والضفة الغربية. أتصوّر أن لديهم مشروع خطة وأفكاراً كثير منها مشوش أو رغائبي أو مبني على مسلمات بعينها من واقع مصالحهم وطموحاتهم.