
ليست الحرب مجرّد صواريخ وقذائف ورصاص ولهب ومسيّرات، ومجرّد دكٍّ وتفجيرٍ لمعسكرات العدوّ ومراكزه الجليّة والخفيّة كما نشاهد اليوم على الشّاشات. أبداً. قبل أيّ شيء آخر، الحرب هي مسألة خيارات روحيّة وعقائديّة وقِيميّة وأخلاقيّة.
ليست الحرب مجرّد صواريخ وقذائف ورصاص ولهب ومسيّرات، ومجرّد دكٍّ وتفجيرٍ لمعسكرات العدوّ ومراكزه الجليّة والخفيّة كما نشاهد اليوم على الشّاشات. أبداً. قبل أيّ شيء آخر، الحرب هي مسألة خيارات روحيّة وعقائديّة وقِيميّة وأخلاقيّة.
أدخل الهجوم "الإسرائيلي" المباغت على إيران منطقة الشرق الأوسط في متاهة حربٍ لا أحد يستطيع التنبؤ لا بنتائجها ولا بتوقيت نهايتها. وبمعزل عن الضربة القاسية التي تلقتها إيران والمتمثلة بخسارة قادة عسكريين وأمنيين وعلماء نوويين إضافة إلى تضرر مواقع نووية ومنشآت عسكرية وحيوية، من السذاجة الظن أنها سترفع الراية البيضاء.. وإذا كان هذا الأمر مستبعداً، فما هي السيناريوهات المرتقبة؟
ما كان افتراضاً نظرياً، انقلب الآن إلى حقيقة واقعة: إدارة دونالد ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو مارستا أعلى درجات "الخداع الاستراتيجي" مع إيران، بهدف إنجاح عامل المفاجأة التامة في الهجوم العسكري والأمني الإسرائيلي الكبير على الداخل الإيراني.. وجاءت النتائج ليس فقط ناجحة، بل مذهلة أيضاً. كيف؟
عندما تسأل أحداً من المحللين أو المراقبين عن مآلات المشهد السوري، يأتيك الجواب سريعاً أنه لا يُمكن البناء سياسياً على أساس ثبات المشهد. ثمة وقائع جديدة تواجه النظام الجديد تجعله يواجه تحديات البقاء أو الثبات. ولكل مسار من هذين المسارين آلياته وظروفه وحساباته.
تحتاج إيران ودول الخليج، اليوم، لبعضها البعض. ويحتاج كلا الجانبين إلى اتفاق نووي، إذا أمكن التوصل إليه، سيحل الاستقرار في المنطقة، ويتيح لدول الخليج فرصة أن تصبح محوراً لنظام إقليمي مُعاد تشكيله. فهم يتطلعون لنظام يكبح جماح كل من إيران وإسرائيل مع تمكين حكوماتهم، ويُبقي الحرب بعيدة عن شواطئهم، وفي الوقت نفسه يبقيهم بمأمن عن مطامع إسرائيل، التي بدأت تدّعي أنها القوة التي لا تُقهر في المنطقة، بحسب ولي نصر (*).
حقّقت المخابرات الإيرانية انجازاً كبيراً عندما أعلنت عن نجاحها في اختراق أجهزة المخابرات الإسرائيلية والحصول علی وثائق "حسّاسة للغاية" تتعلق بشكل رئيسي بالبرنامج النووي الإسرائيلي وبنيته التحتية الاستراتيجية.
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفه بنيامين نتنياهو في ٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٥ بأنه سيجري محادثات مباشرة مع إيران حول الملف النووي. وبالفعل، عُقدت خمس جولات تفاوضية بين روما ومسقط بدءاً من ١٢ نيسان/أبريل نجحت في كسر الجليد ولعب خلالها الوسيط العُماني دوراً في تقريب وجهات النظر من دون تحقيق تقدم ملموس حتى الآن.
لم تفلح الجهود المكثفة التي يبذلها المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، إذ اصطدمت تلك الجهود بمقاربة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية، إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تمرير قرار داخلي يطالب إسرائيل بوقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
الكرةُ الأرضيةُ باتت كرةَ نار. تستعِرُ في كلِّ الجوانب. الحربُ العالميّةُ ليستْ مقبلة. إنَّها قائمةٌ فعلياً ولو بالتقسيطِ الإستراتيجي. الجبهاتُ ثلاثيّة الأبعاد: عسكرياً واقتصادياً وثقافيَّاً. لا ميدانَ خارجَ هذا الصراع ِمهما يكنْ بسيطاً. الرأسماليّةُ الإمبراطوريةُ أوْدَتْ بالعالم إلى هذا الاحتراق.
في كل مسار من مسارات التاريخ الأوروبي، كانت ألمانيا تمثّل استثناءً غريبًا: دولة تقع في قلب الجغرافيا، وتثقل روح القارة بظلّها. ليس لأنها الأقوى، بل لأنها حين تنهض، يُعاد تشكيل أوروبا على إيقاع خطواتها. اليوم، مع التسلّح المطّرد الذي تقوده برلين بهدوء حسابي لا يخطئ، يعود سؤال الرايخ لا ككابوس قديم، بل كحقيقة تتسلل تحت جلد الديموقراطيات النائمة.