“العقارب الصفراء”.. كيف اخترق الإيرانيون الملف النووي الإسرائيلي؟ 

حقّقت المخابرات الإيرانية انجازاً كبيراً عندما أعلنت عن نجاحها في اختراق أجهزة المخابرات الإسرائيلية والحصول علی وثائق "حسّاسة للغاية" تتعلق بشكل رئيسي بالبرنامج النووي الإسرائيلي وبنيته التحتية الاستراتيجية.

هذه العملية التي أعطاها مصدر أمني إيراني رفيع المستوی تسمية “العقارب الصفراء” استغرقت مدة زمنية غير محددة من أجل الوصول إلی الأمكنة المستهدفة والحصول على الوثائق المطلوبة. وبرغم عدم نشر السلطات الإيرانية تفاصيل هذه الوثائق التي تُعدُ بالآلاف إلا أن المصدر الامني قال تتعلق بمشاريع ومنشآت نووية إسرائيلية، بما في ذلك مستندات، صور، ومقاطع فيديو توثق تفاصيل هذه المنشآت.

وعندما سألتُ مُحدّثي عن تفاصيل العملية، قال إن الأجهزة المختصة التي عملت علی هذه المهمة “كانت تُريد بالمرتبة الأولی الوصول إلی أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي ومعرفة ما إذا كانت هناك مواقع نووية سرية غير معلن عنها، إلا أنّها عثرت في طريقها علی وثائق استراتيجية وعملياتية تشمل خططًا، مواقع، معدات، مخازن، محاضر اجتماعات، وعقوداً استراتيجية حسّاسة، وتُعدّ جزءًا من أرشيف ضخم يُقدّر بـنحو 1893 ملفًا سريًا”.

واسترسل المصدر الأمني الإيراني في تقديم روايته بشأن ما تم الحصول عليه من دون أن أقاطعه فقال: “إيران حصلت علی معلومات حيوية لا تقتصر على إسرائيل وحدها بل تشمل الولايات المتحدة ودولاً أوروبية ولا تقتصر علی التعاون النووي فحسب”.

وأضاف: “أجهزة الاستخبارات الإيرانية نفّذت عملية معقدة وواسعة النطاق للحصول على هذه الوثائق، وهذه أكبر ضربة استخباراتية يتعرض لها الكيان الإسرائيلي”، حسب تعبيره، مشيراً إلی أن العملية تمت قبل فترة معينة من دون أن يذكر الوقت بالتحديد، لكنه أردف أن العملية جرت بتكتم شديد بسبب حجم الوثائق وحساسيتها، وضرورة نقلها بأمان إلى إيران”.

وعند سؤالي له هل بات هذا “الكنز الثمين” موجوداً داخل إيران أم خارجها، أجاب أن الوثائق “باتت موجودة في مواقع آمنة، ونحن نقوم بتصنيفها وترتيبها ودراستها وتحليلها وهذه عملية ستستغرق وقتًا طويلًا بسبب ضخامة الملفات وتعدد وتنوع محتوياتها وخصوصاً أنها تحتوي علی وثائق، صور وفيديوهات متعددة”. وأشار إلى أن طهران تستكمل دراسة هذه الوثائق، “وسوف تنشرها بما يتناسب مع التوقيت والمضمون ووفق تكتيك مدروس”، ولم يستبعد أن يكون لها تأثيرات استراتيجية.

دفعني الفضول إلى السؤال عن امكانية اللجوء إلى طلب مساعدة جهات اسخبارتية صديقة، دولاً أو منظمات أو أجهزة، فأجابني المصدر نفسه: “نعم في عمل استخباراتي معقد كــ”العقارب الصفراء” يُمكن أن نحتاج إلى مساعدة في وسط الطريق أو يُمكنك أن تعثر علی صديق قريب من العمل الذي تستهدفه فتستفيد منه وهذه كلها من الأمور الطبيعية في العمل والتنسيق الاستخباراتيين”.

وعن تأخر الاعلان عن هذا “الكنز الثمين”، يُضيف مُحدثي أن إيران احتاجت إلى وقت ونقلت بعض المعلومات إلی جهات معنية من دون أن يُحدّد هويتها، لكنه أشار إلى أن بعض المعلومات القيّمة تم تزويدها أيضاً للفريق الإيراني الذي يفاوض الأميركيين نظراً لحاجته إليها وبعضها تم تسليمه للمفاوض الأميركي ستيف ويتكوف الذي التقی رئيس جهاز “الموساد” الإسرائيلي في روما قبيل انعقاد الجولة الخامسة في العاصمة الإيطالية روما.

وعن توقيت الاعلان، قال المصدر الإيراني الرفيع المستوی إن إيران تراقب التطورات في المنطقة وتحديداً في الداخل الإسرائيلي، إضافة إلی تطورات المفاوضات النووية مع الجانب الأميركي لأن هذا “الكنز”، كما يقول مُحدّثي قد يُعزّز القدرات الهجومية لإيران، وقد يؤثر على مفاوضات إيران الإقليمية والدولية. ولماذا “الإقليمية” سألته؟ وجاء الجواب “لأن بعض الوثائق تتحدث عن خطط وبرامج تستهدف بعض دول الإقليم”، من دون أن يُحدّدها ومن ضمنها دول تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي.

كانت لديّ أسئلة أخری تفصيلية، لكن المصدر الأمني الواسع الإطلاع طلب الاكتفاء بهذا القدر مُشيراً إلی أن المرحلة المقبلة ستشهد تغيرات جوهرية في اطار “توازن الرعب” الموجود بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي، وقال إن تهديد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني باستهداف مواقع نووية إسرائيلية سرية إذا تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لأي هجوم “يدخل في هذا الإطار”.

وعلی الرغم من أن المصادر الإسرائيلية لم تصدر تعليقاً رسمياً علی العملية حتی الآن إلا أن ثمة تكهنات بأن تُطيح هذه العملية بعدد من الرؤوس الكبيرة وبينها رئيس جهاز “الموساد”، خصوصاً أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت قبل فترة عن اعتقال شابين إسرائيليين هما روي مزراحي وإلموغ أتياس بتهمة التعاون مع إيران، من دون تأكيد ارتباطهما المباشر بعملية “العقارب الصفراء”.

وتأتي عملية “العقارب الصفراء” في سياق “حرب الظلال” الاستخباراتية المفتوحة منذ سنوات بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي، واستطاع خلالها الكيان العبري من اختراق أرشيف إيران النووي عام 2018، لكن العملية الإيرانية التي جاءت غداة تطورات فلسطين ولبنان وسوريا “أثبتت أن إيران ليست في موقع رد الفعل بل في موقع الفعل”، على حد تعبير المصدر الإيراني، ناهيك بتعزيز قدرات إيران الاستخباراتية والعسكرية، ومنحها فرصة تعزيز استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع كيان الاحتلال، ويختم المصدر بالقول إن إيران برهنت قدرتها على اختراق أنظمة الكيان الاستخباراتية وهذا الأمر قد يكون بمثابة رسالة ردعية.

إقرأ على موقع 180  طه محمّد علي.. بركان فلسطين الشعري

إسرائيليا، تعتبر عملية “العقارب الصفراء” ضربة كبيرة للأمن الإسرائيلي الاستخباراتي، ولا سيما إذا أماطت اللثام عن تفاصيل برنامج تل أبيب النووي أو بنيتها التحتية الحساسة، كما أنها تُهدّد الأمن القومي الإسرائيلي كتعرض مواقع حساسة مثل مركز الأبحاث النووية الإسرائيلي “سوريك” للخطر (نقلت “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن رئيس الوكالة الدولية للطاقة رافائيل غروسي أن العملية الإيرانية استهدفت هذا المركز)، مما يزيد من احتمالية استهدافها في أي مواجهة مستقبلية، ناهيك عن الضغط الداخلي الذي تواجهه حكومة بنيامين نتنياهو وأجهزته الاستخباراتية.

تفاوضياً، لا يُمكن عزل توقيت الكشف عن هذه الوثائق عن مسار المفاوضات النووية، وبالتالي تستطيع إيران استخدامها لتخفيف الضغط الأميركي عنها وصولاً إلى الإقرار بحق إيران بالتخصيب النووي السلمي ورفع العقوبات.. وحماية نظامها السياسي.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إيران مجروحة.. من يفكُ شيفرة ردها علی الثور الإسرائيلي الهائج؟