ليس تعثر التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان إلا وجه من وجوه التعثر الوطني العام في تلمس سبل الخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية والمالية والاجتماعية المحتدمة حد الانفجار الذي قد لا يبقي ولا يذر.
ليس تعثر التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان إلا وجه من وجوه التعثر الوطني العام في تلمس سبل الخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية والمالية والاجتماعية المحتدمة حد الانفجار الذي قد لا يبقي ولا يذر.
جملة يتيمة تفوه بها مدير شركة "ألفاريز أند مارسال" المولجة بالتدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان دانيال جيمس، بعد إجتماعه اليوم (الأربعاء) بوزير المال غازي وزني: "جئنا لتقييم ما إذا تم توفير المعلومات الكافية من قبل مصرف لبنان بما يسمح للشركة بأن تباشر عملية التدقيق الجنائي". ماذا بعد هذه الجملة؟
ساد اعتقاد مؤخراً أن فرنسا راضية عن مقاربة جمعية مصارف لبنان الخاصة بانشاء صندوق سيادي قوام أصوله 1.1 مليار متر مربع من الأملاك العقارية العامة، تضع المصارف يدها عليه في جملة حلول التوافق على توزيع الخسائر التي تقدر بنحو 80 مليار دولار، على ان تتحمل المصارف خسائر في محفظة ما اقرضته مباشرة للدولة فقط، لا ما أودعته في مصرف لبنان.
ما الذي تحسن في الأساسيات الاقتصادية والمالية في لبنان كي يرتفع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار؟
لم يعد سرّاً أن تحديد خسائر مصرف لبنان مثّل أبرز شروط صندوق النقد الدولي في جلسات التفاوض مع الوفد اللبناني، فيما يعتبر الفرنسيون أن التدقيق الجنائي مفصلي بالنسبة للبنان، بحسب ما تسرّب من لقاءاتهم مع وفد جمعيّة المصارف مؤخراً. عملياً، مسار التدقيق الجنائي إنطلق، فيما تكثر التساؤلات حول مآلاته وما سيكشفه، أما الأهم، فهو مصير حاكم المصرف المركزي وموقعه في "التركيبة" خلال وبعد عمليّة التدقيق هذه.
"وفروا التوافق الوطني المطلوب حول الأرقام ونحن جاهزون لإستئناف الحوار معكم". هذه آخر وصفة قدمها صندوق النقد للحكومة اللبنانية، في إنتظار أن يتبلغ من وزير المال اللبناني غازي وزني، أن النصاب الوطني قد إكتمل حول أرقام جديدة، من ضمن مقاربة ستكون مختلفة عن النسخة الأولى التي قدمتها حكومة لبنان للصندوق.
أنجزت لجنة تقصي الحقائق البرلمانية مهمتها المتعلقة بتحديد الخسائر في القطاع المالي، في ضوء الأرقام المتضاربة بين الحكومة اللبنانية من جهة ومصرف لبنان وجمعية المصارف اللبنانية من جهة أخرى. وقد سّلمت اللجنة تقديراتها وارقامها إلى كبار المسؤولين اللبنانيين، وخاضت اليوم (الثلاثاء)، نقاشاً مباشراً من مجلس النواب مع صندوق النقد الذي تمسك بأرقام خطة الحكومة اللبنانية إستناداً إلى "معطيات متينة"، حسب مصدر معني بالمفاوضات.
دخل لبنان يوم الإثنين الماضي مرحلة التفاوض المباشر مع صندوق النقد من خلال جلسة تمهيديّة، تلتها جلسة عمليّة أولى (الأربعاء)، وبرغم الأجواء المتفائلة، يبدو أن لبنان دخل مرحلة التفاوض بنقطة ضعف كبيرة، تتمثل في غياب التنسيق بين الأطراف الرسميّة اللبنانية المعنيّة؛ أوّلاً، من ناحية تحفّظ مصرف لبنان على خطّة الإصلاح الحكومي التي يُفترض أن تشكّل ورقة عمل الدولة اللبنانية كلها في مفاوضاتها مع الصندوق؛ وثانياً، من خلال عدم وجود إجماع سياسي داخلي على مقاربة الملف.
يقدم كل من الدكتور صالح منير النصولي والدكتور عبدالله بو حبيب مقالة تستحق أن تكون ورقة عمل توضع على جدول أعمال أهل الحكم والحكومة، بما تتضمنه من أفكار وإقتراحات محددة حول الإجراءات الواجب أن تتخذها الحكومة اللبنانية فوراً، بدل إنتظار مساعدة الخارج لها. ولعل قيمة هذه الأفكار والإقتراحات تنبع بالدرجة الأولى من خبرة من تقدما بها؛ فالمنصب الأخير للدكتور النصولي في صندوق النقد الدولي حيث خدم مدة 40 عاماً تقريبا، كان مدير المكاتب الأوروبية. وتنقل في مناصب عديدة رفيعة المستوى وتفاوض على العديد من برامج التكيف الاقتصادي الكلي وإعادة الهيكلة المالية مع دول شرق اوسطية وافريقية. وهو مؤلف كتب ودراسات ومقالات أكاديمية تتمحور بالدرجة الأولى حول السياسات الاقتصادية والمالية. أما الدكتور بو حبيب، فهو صاحب خبرة عشرين سنة في البنك الدولي، وسبع سنوات في العمل الديبلوماسي، في سفارة لبنان في واشنطن، في مرحلة تاريخية دقيقة (ثمانينيات القرن الماضي)، كما أنه أدار مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية على مدى عشر سنوات (2007ـ 2016)، وصولا إلى قربه من صنّاع القرار في لبنان في السنوات الأخيرة. وهو مؤلف ويكتب باستمرار مقالات في الصحف والمواقع اللبنانية (180).
لا يمكن لأي عاقل على الأرض اللبنانية أن يدافع عن رياض سلامة. يكفي أن اللبناني الذي أودع جنى عمره ووضعه بالعملة الصعبة في المصارف، لا يستطيع أن يحصّل دولاراً واحداً. من المسؤول عن ذلك؟ الجواب هو الكل. من السلطة السياسية بحكوماتها المتعاقبة مرورا بالمصارف وصولاً إلى المصرف المركزي.