للصراع الأرميني ـ الأذري على أرض إقليم ناغورنو قره باخ، تداعياته على اللاعبين الإقليميين، كما على الأوضاع الداخلية لبعض دول جنوب غرب أسيا ومنها إيران.
للصراع الأرميني ـ الأذري على أرض إقليم ناغورنو قره باخ، تداعياته على اللاعبين الإقليميين، كما على الأوضاع الداخلية لبعض دول جنوب غرب أسيا ومنها إيران.
تركيا خططت للحرب في ناغورنو قره باخ وحرّضت أذربيجان على البدء في الهجوم. هذا ما خلصت إليه صحيفة "كومرسانت" الروسية في أحدث تقرير لها عن التدخل التركي في النزاع الأرمني-الأذري، نقلاً عن مصادر دبلوماسية وعسكرية كشفت لها تفاصيل الاستعدادات التركية التي سبقت اطلاق الرصاصة الأولى في الإقليم المتنازع عليه، والتي يفترض أنها بدأت من لحظة انتهاء المناورات العسكرية المشتركة بين أنقرة وباكو في تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين.
ما الذي يدور حول روسيا؟ أزمات ساخنة يأخذ بعضها برقاب بعض وبفاصل زمني قصير، يثير الريبة والشك. تبدأ من بيلاروسيا ولا تنتهي في قرغيزيا، مروراً بحرب القوقاز، من دون الاستهانة بقضية متدحرجة اسمها أليكسي نافالني، لم تتظهر كل فصولها بعد، وربما كان الآتي أعظم.
بحسب، موسيس خوريناتسي، أحد أشهر المؤرخين الأرمن (ت ـ 493)، والملقب بصانع التاريخ الأرمني أو هيرودوتس الأرمني، فإن الأرمن الحاليين هم أحفاد الولادة الثانية للبشرية بعد طوفان نوح، فالأخير استقرت به الأحوال على قمة جبل آرارات بعدما هاج الماء بسفينته وماج، وما لبث أن عاد نوح إلى بابل تاركا إبنه سام في أصقاع أرمينيا، ومن سلالة سام بن نوح تتحدر الأمة الأرمنية.
اتخذت أرمينيا خطوة دبلوماسية حادة ضد إسرائيل. تم استدعاء السفير الأرميني في تل أبيب إلى يريفان للتشاور. السبب هو إمدادات بالأسلحة الإسرائيلية لأذربيجان، بينها طائرات من دون طيار دمّرت بكفاءة عدداً من الدبابات الأرمينية في جولة القتال الحالية في ناغورنو قره باخ. لماذا تتعاون إسرائيل مع دولة تقف وراءها "ألد أعدائها" - تركيا؟ هذا السؤال يحاول كيفورك ميرزايان الإجابة عليه في مقال نشرته صيحفة "فزغلياد" الروسية، انطلاقاً من إشكالية المنطق الإسرائيلي العالق عند معادلة "نحن ندعم الأذربيجانيين ضد إيران"، والذي يتجاهل المخاطر الاستراتيجية التي تمثلها الطموحات التوسعية لرجب طيب أردوغان.
حرب جديدة ومعارك دموية بين الأرمن والأذريين في إقليم ناغورنو قره باخ ، ترخي بظلال ثقيلة على منطقة القوقاز التي تعد امتداداً طبيعياً للأمن الروسي، ومنطقة رخوة تثير حالة عدم الاستقرار فيها قلق الكرملين، لا سيما انها تضاف إلى الوضع المتأزم مع الغرب في أوكرانيا وبيلاروسيا، ومع الأتراك في سوريا وليبيا.
تجدد القتال بين الأرمن والأذريين في ناغورنو قره باخ. في تموز/الماضي، وصفت الأعمال العدائية بين الطرفين بأنها الأخطر منذ العام 1994. لكنّ ما يحدث منذ يوم أمس، يتجاوز جولة القتال السابقة. هذا على الأقل ما تعكسه المعطيات الميدانية غير المسبوقة طوال العقود الثلاثة الماضية، وخطاب الحرب الذي بات السمة الأبرز لكل المواقف السياسية والبلاغات العسكرية الصادرة من باكو ويريفان وستيبانكرت.
لم تكد تمرّ أيام قليلة على الاشتباك الأخير بين ارمينيا وأذربيجان على مقربة من حدود جورجيا، حتى سارعت روسيا إلى الإعلان، وبشكل مفاجئ، عن أمر رئاسي بإجراء أعمال تفتيش ومناورات عسكرية، بدت في الواقع رسالة تفيد بأنها تتحسب لسيناريوهات متعددة في مجالها الحيوي في هذه النقطة من الفضاء ما بعد السوفياتي. بالأمس، دخلت تركيا عسكرياً على هذه الجبهة، من خلال مناورات مشتركة مع أذربيجان، في رسالة أخرى يتجاوز نطاقها جبهة باكو – يريفان المتوترة منذ ثلاثة عقود.
بين أذربيجان وارمينيا عداوة لا تنتهي. هو إرث التاريخ الطويل، الذي جعل بؤرة مثل ناغورني قره باخ نقطة ملتهبة في صراعات الامبراطوريات القديمة في منطقة كانت ولا تزال تعتبر مفترق طرق في أوراسيا، وميداناً لصراعات اليوم التي تتداخل فيها التناقضات الجيوستراتيجية وتقاطعاتها، بكل امتداداتها السياسية والاقتصادية، وفي القلب منها ملف الطاقة.