
بعد 54 عاماً من إمساكه بالسلطة، سقط حكم حزب البعث في سوريا، في غضون عشرة أيام، ومن دون أية مقاومة، وذلك تتويجاً لمسار دشّنته المجموعات السورية المسلحة فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان فجر 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
بعد 54 عاماً من إمساكه بالسلطة، سقط حكم حزب البعث في سوريا، في غضون عشرة أيام، ومن دون أية مقاومة، وذلك تتويجاً لمسار دشّنته المجموعات السورية المسلحة فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان فجر 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
تسارعت الأحداث بشكلٍ كبير في سوريا بعد لحظات من إعلان وقف إطلاق النار المؤقت في لبنان. لقد انطلقت عملية عسكرية كبيرة من الشمال أدّت إلى سقوط حلب، عاصمة سوريا الثانية خلال يومين، دون قتالٍ كبير. تلتها سريعاً حماة. وفي حين حصلت مواجهة في حمص، انطلقت عمليّة أخرى من الجنوب وصلت إلى دمشق. كي يتمّ الإعلان بعد ساعات عن سقوط حمص ومن ثمّ فرار بشار الأسد إلى موسكو.
التبدل الاستراتيجي السريع في سوريا يخلق تبدلاً في السياسة والأدوار. ما كان يصح قبل التقدم المذهل لـ"هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في 2016) وفصائل أخرى ترعاها تركيا، وصولاً إلى إمساكها بالسلطة، لم يعد يصح بعده.
في أيار/مايو من العام الجاري، تسرّبت وثائق من مكتب بنيامين نتنياهو تكشف النقاب عن تصوّر هذا الأخير لمستقبل غزة: "خطة غزة 2035.. من الأزمة إلى الإزدهار". بعد حوالي ثلاثة أشهر، أي في آب/أغسطس، صادق نتنياهو على مضمون ما تمّ تسريبه في مقابلة أجرتها معه مجلة "التايم" الأميركية.
بعد هدوء استمر نحو أربعة أعوام، يؤكد الهجوم المفاجىء الذي شنته "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وفصائل من المعارضة السورية الموالية لتركيا في محافظتي حلب وإدلب السوريتين، أن ثمة لاعبين داخليين وإقليميين يريدون الاستثمار في التحولات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، والضربات التي تعرض لها "حزب الله" ومن خلفه إيران في الشهرين الماضيين.
هو سباق مكشوف بالنار والدماء والدموع والتدمير يُطلق صافرته المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، فيما يحاول الجانبان اللبناني والإسرائيلي ممارسة لعبة لي الأذرعة في ربع الساعة الأخير، قبيل التوصل إلى وقف النار بين لبنان وإسرائيل.
تتصاعد وتيرة التصريحات حول التصعيد العسكري المحتمل في مناطق شمال غرب سوريا مع استمرار الغارات والهجمات، وسط حالة من القلق على مصير الهدوء النسبي الذي حقّقته التفاهمات الدولية في سوتشي ومحادثات أستانا.
مع نجاح دونالد ترامب الساحق في العودة إلى رئاسة الولايات المتحدة بعد غياب أربعة أعوام، بدأت رهانات كل الفواعل الدولية والإقليمية في منطقة غربي آسيا بإعادة ترتيب أوراقها وطموحاتها من جديد فيما يتعلق بالمستقبل السياسي لسوريا، في سباق مع الزمن قبل أن يتضح الشكل والمضمون للسياسات التي سيتبعها فريق الرئيس الأميركي المتجدد والجديد، الأمر الذي يدفع إلى استشراف المسار السوري العام من حيث المكاسب والمخاطر المحتملة في محاولة لاستكناه التغييرات المحتملة.
تشهد منطقة غرب آسيا مستوى من الصراع لم تشهده في تاريخها المديد، بما يتجاوز كلّ الصراعات التي حصلت فيها، بما لا يقارن حتى مع ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وما أفرزتهما من تحطيم للمنطقة وتمزيقها إلى كيانيات سياسية يسير أغلبها ضمن مسار الهيمنة الغربية، وخاصةً بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي، الأمر الذي يطرح سؤالاً عن مسارات الصراع وخيارات دول الإقليم وبخاصةً تركيا؟
بدت تركيا - من منظور شريحة من السوريين - العدو الأكثر خطراً وجذرية من أي عدو آخر، وربما تقدمت في ذلك على إسرائيل. وهذا ناتج عن حجم التدخل التركي في سوريا، وكون تركيا عامل تفجير للأزمة/الحرب، بل وأحد عوامل استمرارها، وتحتل بصورة مباشرة أو عبر وكلائها أجزاء من سوريا تعادل مساحة لبنان تقريباً.