لماذا يتخفف الناس نسبياً في لبنان من مشاعر الحزن والصدمة؟ لماذا تتحوّل الأوجاع شيئاً فشيئاً إلى غضبٍ ورغبةٍ عارمةٍ بالانتقام؟
لماذا يتخفف الناس نسبياً في لبنان من مشاعر الحزن والصدمة؟ لماذا تتحوّل الأوجاع شيئاً فشيئاً إلى غضبٍ ورغبةٍ عارمةٍ بالانتقام؟
ما بعد إنفجار مرفأ بيروت ليس كما قبله. هو حدث تأسيسي بكل معنى الكلمة. أن ترحل حكومة حسان دياب بعد ستة أيام، هذا أمر بديهي. أما الإخراج فأمر آخر. هذه قراءة في ظروف الإستقالة وما يحتمل أن يليها.
كعادة كل الأشياء الجميلة في لبنان، يأتي دائماً من يشوّهها. مسار 17 تشرين الاول/أكتوبر 2019، إنطلق مع حملة إسقاط النظام الطائفي في العام 2011، وما يزال مستمراً حتى يومنا هذا، برغم محاولة تشويه مضمونه.
تضع اللجان الاستشارية الخمس التي كلفها رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب نصب عينيها الخروج ببرنامج مالي واقتصادي، على المديين المتوسط والبعيد، لحل أزمة الدولة اللبنانية. الهدف هو إيجاد موارد مالية لسداد ديون تراكمت على مدى ثلاثة عقود وأصبحت مهددة للمجتمع اللبناني في حياته اليومية، وخير دليل النفق الذي دخلنا فيه منذ خمسة اشهر.
في بيانٍ طغت عليه تعابير وكلمات توحي بدخول لبنان غرفة العناية الفائقة في قسم الطوارئ (ظروف استثنائية، وضع خطير، واقع غير مسبوق...)، أعلن حسان دياب رئيس حكومة "الفرصة الأخيرة"، بحسب وصْف السفير الفرنسي في بيروت Bruno Foucher، قرار لبنان "تعليق دفع سندات اليوروبوند" (وليس "عدم الدفع") في إخراج ذكي يتفادى إحداث صدمة سلبية لدى مَن يعنيهم الأمر. واليوروبوند، للتذكير، هي سندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية لا العملة المحليّة، وتعني بلغة المال، أداة دين لجأت إليها الحكومة اللبنانية لتمويل مشاريعها، وتوفير عائد جيّد للمستثمرين مقابل مخاطر مقبولة. وعلى الرغم من أنّ الاسم يتضمّن كلمة "يورو"، إلاّ أنّ هذا اليورو لا يعني العملة الأوروبية، بل العملة الصعبة الأهمّ، أي الدولار، الذي يشكّل اليوم العنوان الصريح للإنهيار الحاصل في القطاع المالي اللبناني.
مهما كان قرار الحكومة اللبنانية بشأن سندات "اليوروبوند"، ومهما كانت نوايا رئيس الوزراء اللبناني حسّان دياب سليمة بقوله إنه والوزراء يحملون "كرة النار"، يبدو أن هذه الكرة ستكبر في الأيام والأسابيع المقبلة، وسيزداد تدهور الأوضاع الاقتصادية، ويعود الناس الى الشوارع، ولا يُستبعد النزوع نحو العنف الاجتماعي، ما يعني الفشل الحتمي و"المُنتظر" لهذه الحكومة التي حملت أسباب عجزها منذ تشكيلها. وما عاد السؤال اليوم، هل ستدب الفوضى الاجتماعية أم لا، وانما ماذا بعد موجاتها الخطيرة الآتية حتماً؟
ما أعلنه رئيس حكومة لبنان حسان دياب أمام أعضاء السلك القنصلي الفخري في لبنان، لا يشبه خطابات الحكّام اللبنانيّين بشيء؛ فهو تارةً يظهر وكأنّه الإعتراف الأخير، وتارةً أخرى كأنّه رسالة تظلُّم، وطوْراً كأنّه ورقة نعي الدولة اللبنانية التي "تراجع نبض العلاقة بينها وبين الشعب إلى حدود التوقّف الكامل". خطيرٌ جداً هذا الكلام، ولا سيّما عندما يصدر عن مسؤولٍ لبناني VIP، ابتعد، على غير عادةِ نظرائه، عن توسّل اللغة الخشبية التي لا نعرف غيرها في عالمنا العربي؛ لغةً للسياسة وصنَّاعها، وللإيديولوجيا وصياغاتها الجاهزة، وللخطاب وجُمَله الخاوية من المعنى، وللمفردات و"استعاراتها المُحتضِرة"، على حدِّ تعبير الكاتب الإنكليزي George Orwell.
ينشغل الرأي العام اللبناني بقضية سندات اليوروبوند المستحقة في الأشهر الأربعة المقبلة، وفيما تسعى الحكومة لإيجاد المخارج التي تضمن عدم دفع أول مبلغ مستحق في 9 آذار/مارس 2020 بقيمة 800 مليون دولار للمصارف الأجنبية (من أصل 1.2 مليار دولار )، أو دفع فوائد السندات المستحقة للعام 2020 كلها (أكثر من 300 مليون دولار)، كان لافتاً للإنتباه أن المصارف اللبنانية تمضي في عملية بيع سنداتها خارجياً بلا أية ضوابط وخصوصا من مصرف لبنان المركزي القادر على وقف هذه العملية بشحطة قلم.
يشهد لبنان منذ 17 ت1/أكتوبر حراكاً إحتجاجياً متفاوت في النبرة ومتنوع في الأساليب ومتباين في المضامين، وقد أختلف المشاركون فيه والكاتبون عنه في توصيفه؛ هل هو ثورة أم إنتفاضة أم حراك أم مؤامرة أم؟ ويحسن بعد مئة يوم على إندلاعه إمعان النظر فيه لوضعه في نصابه الحقيقي وإستخلاص العبر منه، وسيكون النظر فيه من خلال: رصد لحظة إنطلاقه وظروفها، رصد مسيرته، توصيف الحراك، الحقل السياسي، مآله.
كاد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن يكون خطاباً عادياً جداً، في مناسبة مرور أربعين يوماً على إغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، والذكرى السنوية لعدد من قادة الحزب وأبرزهم عماد مغنية وعباس الموسوي وراغب حرب، لولا البعد المحلي الذي إحتل حيزاً هاماً في نهاية الخطاب.