لم تكن الحرب الأوكرانية، بآثارها الماثلة وتداعياتها المحتملة، أول إشارة على قرب نهاية النظام الدولى، الذى استهلك زمنه وحقائقه التى تأسست إثر الحرب العالمية الثانية.
لم تكن الحرب الأوكرانية، بآثارها الماثلة وتداعياتها المحتملة، أول إشارة على قرب نهاية النظام الدولى، الذى استهلك زمنه وحقائقه التى تأسست إثر الحرب العالمية الثانية.
متى تتوقف الحرب؟ هذا سؤال ضاغط على سير العمليات العسكرية فى أوكرانيا، التى تحولت إلى رهينة استراتيجية فى صراع الإرادات الكبرى على مستقبل النظام الدولى. وما الحصاد المتوقع للصدامات التى اتسع مداها وتعددت جبهاتها، عندما يتوقف دوى المدافع؟ وهذا سؤال آخر ضاغط على أعصاب العالم، الذى يجد نفسه فى قلب صراعات ضارية دون أن يستبين آثارها على مستقبله وحسابات القوة والمصالح فيه.. ولا أين يقف وكيف يتصرف؟
أي مقاربة لنتائج الحرب الدائرة في أوكرانيا، لن تخرج عن إطار أولي وابتدائي، فالحرب ما زالت في باكورة فصولها، والحروب، غالباً، ما تجر معها مفاجآت ومعطيات من خارج المعادلة العقلية القائمة على ضرب الأخماس بالأسداس، ومع ذلك، تفتح الحروب باب التحريض على إجراء مقارنات بينها، خصوصا حين يرافقها سؤال كبير: هل يمكن أن يخطىء أصحاب العقول الإستراتيجية؟
مرة جديدة تدفع الشعوب ثمن السياسة والصراعات الدولية. وها هو الشعب الأوكراني ينضم إلى قائمة الشعوب التي دفعت أثماناً باهظة من موت ودمار وتشرّد نتيجة مثل هذه الصراعات.
أفقدت ضربة روسيا لأوكرانيا الغرب توازنه. ثبت بالدليل القاطع، أن لا الهياكل الأمنية الأوروبية التي أنشئت منذ 30 عاماً، ولا إستفاقة حلف شمال الأطلسي من "موته السريري"، بقادرتين على منع روسيا من شن حرب واسعة النطاق، وتالياً وضع أميركا وأوروبا والعالم أمام سؤال مركزي: ماذا بعد أوكرانيا؟
بعد أن رتبت الحرب الباردة أوراقها إثر العدوان الثلاثى على مصر، وتأكدت قيادة الولايات المتحدة للمعسكر الغربى على حساب بريطانيا، وقيادة الاتحاد السوفيتى منفردا للمعسكر الشرقى بعدما أخذ النظامان الشيوعيان فى الاتحاد السوفيتى والصين يتباعدان تدريجيا، شهدت نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات اشتعال المواجهات السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ووكلائهما فى آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية يعيد إلى واجهة الأحداث عودة منطق الحرب الباردة، ولو انتهت الثنائية القطبية العقائدية والاستراتيجية التى قام على أساسها نظام الحرب الباردة. النظام الذى انتهى بسقوط الاتحاد السوفييتى بالضربة القاضية.
بعيداً عن تفاصيل الجغرافيا، عشت بعض عمري أتصور أو أعتقد أن أوكرانيا مقاطعة روسية. كان لأوكرانيا صوتٌ في الأمم المتحدة باعتبارها كياناً مستقلاً. الكيان في الشكل مستقل والصوت في الواقع العملي غير مستقل. هذه المفارقة ظلت قائمة بشكل ما بعد الحرب الباردة وانفراط الإتحاد السوفييتي حتى نشبت في عام 2014 "ثورة الميدان" في أوكرانيا، وهي الثورة التي أطاحت برئيس جمهورية شديد الولاء لروسيا.
انتهت السنة الأولى من رئاسة جو بايدن كما بدأت. الكثير من الأعداء.. والأزمات؛ على جبهات مُتعددة وفي وقت واحد. دولة مهيمنة فوق طاقتها، وإستراتيجيتها الدفاعية غير متوازنة مع سياستها الخارجية. إذا لم تُحافظ على إلتزاماتها فقد تدفع ثمناً باهظاً. فالعالم لن يتسامح مع قوة عظمى تسمح لعجزها الإستراتيجي بالنمو بشكل يفوق قدراتها، بحسب "فورين أفيرز"(*)
كانت الحرب الباردة هى العنوان الأبرز للعلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. المقصود بالحرب الباردة تلك الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية التى اندلعت بين المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة والمتبنى لسياسات الديموقراطية الليبرالية والرأسمالية ــ وعرف فى الدوائر الأكاديمية والديبلوماسية باسم العالم الأول، وبين المعسكر الشرقى الذى قاده الاتحاد السوفيتى وتبنى على النقيض سياسات الحزب الواحد والنظم الاقتصادية الاشتراكية/الشيوعية ــ وعرف باسم العالم الثانى.