دراسة “آراء” للتصويت الاغترابي 2026: هؤلاء هم الرابحون والخاسرون!

تصاعد الجدال حول تصويت المغتربين اللبنانيين بين من يُصر على ابقائه على حاله كما في الدورتين الماضيتين (2018 و2022)، أي تصويت المغترب في الدائرة المسجل فيها مثل أي مواطن مقيم، وبين من يصر على تطبيق قانون الانتخابات المقرّ في العام 2017 والذي خصّص 6 مقاعد للمغتربين.

لم تتضمن طروحات المدافعين عن خيار الستة مقاعد أو خيار تصويت المغتربين في الخارج مثل أي مواطن مقيم، أسباباً موجبة لهذا أو ذاك تتصل بالدرجة الأولى بحسن التمثيل، بل ربطاً بحسابات الربح والخسارة لهذا “المعسكر السياسي” أو ذاك، كما درجت عادة أهل السياسة، برغم تناسي الكثيرين أنه عند إقرار القانون النافذ لم نشهد مثل هذا السجال حول تخصيص المقاعد بل تم اعتبار ما أنجزه ممثلو الأمة (النواب) وقتذاك “انجازًا” تنافست جميع القوى السياسية المتناحرة اليوم، في تبنيه بالأمس غير البعيد.

إن منطلق أي نظام انتخابي وقانونه هو حسن تمثيل الناخبين. المبدأ الأصل هو أن يكون لكل مواطن فرصة متساوية للمشاركة في القرار الوطني من خلال اختيار من يُمثله في الندوة البرلمانية، وبخاصة أن لبنان يتميز بنظامه التشريعي المنصوص عليه في الدستور، بوصفه جمهورية ديموقراطية برلمانية.. و”الشعب مصدر السلطات.. وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”، وفق مقدمة الدستور اللبناني.

***

انطلاقا من ذلك، تعتمد العديد من الدول الديموقراطية الاستفتاء المباشر للتصويت على أمور مصيرية، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال لا الحصر. وبسبب عدم إمكانية اجراء استفتاءات في كل حين، يتم تمثيل الناخبين بنائب عنهم لمدة محددة. وفي لبنان، يتمثل كل نحو ثلاثين ألف ناخب تقريبًا بنائب في مجلس النواب لمدة تكليف أربع سنوات.

وتختلف قوانين ونظم الانتخاب في تقسيماتها للدوائر وطرق الاحتساب والعديد من الأمور وفق خصائص كل بلد. وقد اعتمد المُشرّع في لبنان كمبدأ أول “لحسن التمثيل” مسألة التوزع الجغرافي، وهو أمر منطقي على اعتبار أن هناك حاجات وتطلعات مختلفة وفق المناطق. تم توزيع التمثيل على خمس عشرة دائرة في قانون الانتخاب النافذ تضم 26 دائرة صغرى هي الأقضية. وتم تخصيص كوتا مذهبية لكل دائرة صغرى. وبغض النظر عن رأينا في كيفية تحديد الدوائر والكوتا المذهبية، يبقى المبدأ هو تمثيل مختلف الشرائح ضمن الشروط الدستورية الآنفة الذكر.

ومن المنطلق نفسه، تم اعتبار المغتربين شريحة مختلفة عبر تخصيص ستة مقاعد لهم على عدد القارات وعلى الطوائف الست الأساسية (أي الشيعة، السنة والدروز لدى المسلمين؛ الماروني، روم أرثوذكس وروم كاثوليك لدى المسيحيين)، علمًا أن القانون الانتخابي الذي تم اقراره عام 2017 ترك لمجلس الوزراء تحديد آلية الانتخاب للمغتربين (زيادة الستة مقاعد ليصبح عدد النواب في الدورة المقبلة (2026) 134 نائبًا بدلًا من 128 نائبًا، كما هو الحال الآن).

وبالتالي ثمة ثغرة تتصل بتحديد شكل الدائرة الانتخابية الإغترابية وهل ستكون دائرة واحدة كبرى أم تعتمد كل قارة دائرة صغرى وما هو المعيار الذي سيعتمد في توزيع المقاعد الستة (التوزيع الطائفي والمذهبي) على القارات الست، وما إذا كان نظام الانتخاب في الإغتراب سيكون نسبيًا على مستوى الدائرة الكبرى أي الاغتراب، أم سيعتمد النظام الأكثري على مستوى القارة (صوت واحد لمرشح واحد)، وما اذا كان سيتم حصر المرشحين على مقاعد الاغتراب بمرشحين مغتربين في كل من القارات الست؟

***

في المبدأ، وخلافًا لمعظم الاجتهادات التي عبّر عنها معظم النواب، لا بد من القول إن تخصيص مقاعد للمغتربين ليس أمرًا جديدًا فالعديد من الدول ذات الأنظمة الانتخابية الديموقراطية (البرلمانية) تعتمد هذه الصيغة بهدف تأمين حسن تمثيل حاجات هذه الشريحة من الناخبين التي تختلف بطبيعتها عن حاجات الناخبين المقيمين. ففرنسا مثلاً تُخصص 11 مقعدًا للمغتربين، وتكون وظيفة هؤلاء النواب الـ11 نقل مطالب هذه الشريحة إلى مجلس النواب. تونس أيضًا تُخصّص حوالي 18% من المقاعد (النسبة الأعلى عالميًا) لتمثيل المغتربين.

ومن زاوية حسن التمثيل، من المفيد تخصيص مقاعد لأي شريحة مختلفة في حاجاتها ومطالبها وقضاياها، فكيف إذا كانت هذه الشريحة مؤثرة جدًا في الاقتصاد والمال والسياسة، كما هو الحال في لبنان.

وجرت العادة أن من يرفض تخصيص مقاعد للمغتربين، يستند إلى مبدأ السيادة على اعتبار أن أي نائب غير مقيم سيكون من السهل التأثير عليه من الدول التي يعيش فيها والتي قد يكون من مواطنيها أيضًا، أي يحمل جنسيتها.

وإذا عدنا إلى لبنان نجد أن أيًا من الطرفين المتصارعين لا يرفض تمثيل المغتربين. على العكس، هما يزايدان حول ضرورة اشراكهم في الحياة السياسية اللبنانية. لكن عندما ينتقل النقاش إلى الصيغة الأنسب لتمثيل هؤلاء، يتناسى الجميع مبدأ حسن التمثيل ويبني مواقفه وفق حسابات الربح والخسارة لهذه الكتلة أو تلك أو لهذا النائب أو ذاك. هذا الخلاف لم يظهر بهذه الحدة إلا في ضوء نتائج انتخابات العام 2022.

ويُبيّن الجدول رقم 1 أدناه نسب أصوات المغتربين من مجمل الكتلة الناخبة لكل من القوى السياسية الأساسية. هذا الجدول يُظهر بوضوح أن المغتربين شكّلوا 20% من الكتلة الناخبة للمجتمع المدني، وهي الأعلى بين مختلف القوى، يليها جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) ومن ثم القوات اللبنانية وحزب الكتائب ثم فئة المستقلين. أما ثنائي أمل وحزب الله فلم ينل من إجمالي أصوات المغتربين سوى ما بين 3 إلى 4% من الأصوات التي نالها مرشحو الطرفين، ليس بسبب تدني عدد أصوات المغتربين الذين صوّتوا لهذا الثنائي، بل بسبب العدد الكبير من الأصوات التي نالها بين المقيمين في لبنان (حوالي 550 ألف صوت) وهو الرقم الأعلى على الاطلاق بين القوى السياسية.

في هذا السياق، قامت شركة آراء للبحوث والاستشارات بإعادة احتساب نتائج انتخابات العام 2022 في حال صوّت المغتربون للمقاعد الستة المخصصة لهم.

إقرأ على موقع 180  بداهات الصراع مع إسرائيل.. إقرأوا جوزيف سماحة

ويُبيّن الجدول رقم 2 أدناه أن التغييريين كانوا سيخسرون ثلاثة مقاعد. وثمة احتمال أن يخسر قدامى تيار المستقبل وحلفاءهم مقعدًا في طرابلس (دائرة الشمال 2)، إذ أن الفارق لم يتعدَ بضع مئات من الأصوات عن اللائحة المدعومة من التيار الوطني التي كانت ستفوز بمقعد إضافي.

بالنسبة إلى ثنائي أمل وحزب الله، فمن المرجح أن يكسب مقعدين، واحد في جزين (دائرة الجنوب 1)، والثاني في مرجعيون – حاصبيا (دائرة الجنوب 3). أما القوات اللبنانية فيُمكن أن تكسب مقعدًا في دائرة بيروت 1 فيما تخسر اللائحة التي تقودها القوات مقعدًا سنيًا في زحلة (دائرة البقاع 1).

كذلك بالنسبة لفئة “المستقلين” الذين سيفوزون بمقعدين، أحدهما (مقعد سني) يذهب للائحة فؤاد مخزومي في دائرة بيروت 2، والثاني للائحة ميشال ضاهر في زحلة (دائرة البقاع 1)، فيما تخسر لائحة أسامة سعد وعبد الرحمن البزري مقعدًا مارونيًا في جزين (دائرة الجنوب 1).

أما في باقي الدوائر، فمن المتوقع ألا يصيبها أي تغيير، بغض النظر عن كيفية تصويت المغتربين.

هؤلاء هم الرابحون والخاسرون

وفي المحصلة، يُمكن القول إن النواب المحتمل أن يخسروا مقاعدهم لو صوّت المغتربون لمقاعد مخصصة لهم هم:

  • سنتيا زرازير، (بيروت 1)
  • وضّاح الصادق، (بيروت 2)
  • جميل عبود، طرابلس (شمال 2) بفارق بسيط جدًا وغير محسوم
  • شربل مسعد، جزين (جنوب 1)
  • فراس حمدان، مرجعيون حاصبيا (جنوب 3)
  • بلال حشيمي، زحلة (بقاع 1)

خسارة هؤلاء ستكون لمصلحة المرشحين الآتين:

  • ايلي شربشي، (بيروت 1)
  • عبداللطيف عيتاني، (بيروت 2)
  • شيبان هيكل، طرابلس (شمال 2) بفارق بسيط جدًا وغير محسوم
  • إبراهيم عازار، جزين (جنوب 1)
  • مروان خيرالدين، مرجعيون – حاصبيا (جنوب 3)
  • عمر حلبلب، زحلة (بقاع 1)

أما على صعيد الاغتراب، فإن عدد المقترعين لا يُمكن توقعه إذ سيتأثر بقانون الانتخاب والنظام الخاص بتصويت المغتربين سواء تم تقسيمه إلى دوائر صغرى تُمثل القارات الست وكيفية توزيع الطوائف عليها أو اعتباره دائرة واحدة تضم ستة مقاعد. وفي حال اسقاط نتائج 2022 على أساس نظام نسبي لدائرة انتخابية كبرى للإغتراب، لكان فاز التغييريون في حال تحالفهم في لائحة واحدة بمقعد أو مقعدين، وتحصل القوات اللبنانية في حال تحالفها مع حزبي الكتائب والتقدمي الاشتراكي على مقعدين أو ثلاثة، وثنائي أمل حزب الله مع التيار الوطني على مقعدين.

وبهذا تكون النتائج النهائية خسارة التغييرين ثلاثة مقاعد بين المقيمين وفوزهم في الاغتراب بمقعد على الأقل أو مقعدين. أما القوات اللبنانية فتربح نائبًا عضوًا وتخسر نائبًا حليفًا على لوائحها في الداخل، بالإضافة إلى حصولها على مقعدين أو ثلاثة مع الكتائب والاشتراكي في الاغتراب، فيما ثنائي أمل وحزب الله سيزيد رصيده مقعدين في الداخل ومقعدين في الاغتراب مع حليفهم التيار الوطني الحر الذي يُحتمل أن يكسب مقعدًا في الداخل.

هذه الأرقام والحسابات تستند إلى نتائج انتخابات العام 2022، لكن على مدى ثلاث سنوات ونيف ثمة عناصر كثيرة متحركة داخليًا وخارجيًا، لعل أبرزها “طوفان الأقصى” وتداعياته اللبنانية (حرب الإسناد ثم الحرب الإسرائيلية ضد لبنان) وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا وانتقال التيار الوطني الحر من موقع السلطة إلى المعارضة، بعد انتهاء ولاية العماد ميشال عون، فضلاً عن حصول انشقاقات في صفوف التيار الوطني الحر وفشل النواب التغييرين في تقديم تجربة بمستوى ما علّقت الناس من آمال عليهم، زدْ على ذلك ما أصابهم من وهن بسبب خلافاتهم وتشققاتهم بعد مرور نحو ست سنوات على ثورة 17 تشرين، فضلاً عن استمرار حالة الغموض التي تُحيط بتيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري.

ولو أضفنا إلى هذه العوامل نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في العام الحالي (2025) لوجدنا أن هناك تغيراً واضحًا في وجهات التصويت وهذا التغير ليس حكرًا على المقيمين، بل طال المغتربين أيضًا.

كل هذه العوامل مجتمعة (وحتماً هناك عوامل أخرى) ستؤدي إلى نتائج مغايرة في الانتخابات النيابية المقررة في ربيع العام 2026 وحبذا لو أن أهل السياسة من هنا وهناك وبدل أن يُحمّلوا الاغتراب ما لا قدرة له على احتماله، وبدل أن يستمر التجييش وبالتالي أخذ البلد إلى المزيد من الانقسامات السياسية، يُبادرون إلى إعادة الاعتبار إلى عامل أساسي هو ماذا يريد الناس من ممثلي الأمة؟ هل يريدون زيادة كرسي أو نقصان كرسي من هنا أو هناك أو أنهم يريدون من يُعيد إليهم ودائعهم وإعادة اعمار قراهم وتحقيق التنمية الاقتصادية.

إن الخشية الكبرى تتمثل في تقاطع مصلحة “المعسكرين” في تطيير موعد الانتخابات المقبلة، سواء من خلال ذريعة المغتربين أو البطاقة الممغنطة أو “الميغا سنتر”.. وفي ضوء ذلك، تصبح مهمة المساءلة والمحاسبة ملحة وضرورية جدًا حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح وكلنا أمل أن تُصاغ القوانين وتُعدّل وتلغى على أساس قيمة أساسية هي حسن التمثيل والقدرة على التعبير عن مصالح الناس. أما من يضع حسابات الربح والخسارة قبل كل شيء، إنما يُقدّم أوراق اعتماده إلى مدرسة في السياسة أثبتت فشلها.. وبالتالي صار الناس أكثر توقًا إلى من يصنعون لهم تجربة سياسية جديدة تقود لبنان إلى مطارح سياسية جديدة أكثر اشراقًا.

Print Friendly, PDF & Email
طارق عمّار

مؤسس آراء للبحوث والاستشارات، لبنان

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": هذه أبعاد "رفقة السلاح" بين روسيا و"محور المقاومة"!