نعيش في زمن يتطلّب منا الكثير من الحكمة والصبر، ليس بالضرورة لمساعدتنا على حل مشاكل الفساد والحروب والجهل، بل لتوفير ملجأً حماية نهرب إليه تعبيراً عن عجزنا شبه المطلق في القدرة على تغيير الأمور نحو الأفضل.
نعيش في زمن يتطلّب منا الكثير من الحكمة والصبر، ليس بالضرورة لمساعدتنا على حل مشاكل الفساد والحروب والجهل، بل لتوفير ملجأً حماية نهرب إليه تعبيراً عن عجزنا شبه المطلق في القدرة على تغيير الأمور نحو الأفضل.
عندما نتجول قليلاً في أحياء العاصمة وضواحيها، نشعر أكثر فأكثر بوجع الناس، بهمومهم المعيشية، فشغلهم الشاغل أصبح منذ زمن تأمين قوت يومهم، ولعل أهم هدف للخبثاء ممن أوصلونا الى هذه الحالة قد تحقق، وهو أن ننشغل عن التفكير والعمل على تحقيق التقدم العلمي وامتلاك المعرفة.
التراث هو ما مضى، ما تراكم عبر الدهور من أفكار وسلوكيات ومواقف صارت لنا هادياً في أعمالنا وممارساتنا وأفكارنا. التراث بعدما يحدث للمرة الأولى، يصير له نوع من القدسية، خاصة عندما يكون مكتوباً.
عند التعمّق في أعمال الفيلسوف الألماني الكبير عمانوئيل كانط (Emmanuel Kant؛ ت. ١٨٠٤ م)، الشيخ الأكبر للفلسفة النقديّة المُتعالِية، وصاحب "نقد العقل الخالص" و"نقد العقل العملي" و"نقد ملكة الحُكم".. نفهم أننا أمام عمل فكري ثوري، وأمام جهد مؤسس لمرحلة جديدة - في زمانه - على المستويات الفلسفية والمعرفية والثقافية معاً.
في قصيدته الشهيرة التي تبدأ بـ(دع عنك لومي فإن اللوم إغراء.. وداوني بالتي كانت هي الداء)، وهي ردّ على المتكلّم إبراهيم النظّام (ت. 835) الذي هدّده بعقاب الله لمجونه، يقول أبو نواس (ت. 814): (وقل لمن يدعي في العلم فلسفة.. حفظت شيئا وغابت عنك اشياء). سخرية أبي نواس من النظّام هدفت لتذكيره أنّه مهما كثر استحواذ العالم للعلم وكبر شأنه فيه، يبقى جاهلاً للكثير من جوانبه.
عالم يحكمه الجهلة والأغبياء. عندما كتب ألدوس هاكسلي عن عالم "جديد مجنون"، كان يعني أن عالماً سوف يحكمه أصحاب الاختراعات الجديدة والمكتشفات العلمية.
ماذا لو قلبنا المقاييس. ماذا لو ارتحنا قليلا من شقاء المعرفة. ماذا لو نهلنا من نعيم الشقاوة. ماذا لو عوّدنا عقولنا على التّصندق بدلاً من التبحّر. ماذا لو بدأنا ننظّر للأمل عبر إقفال محرّك البحث عن المعلومة. ربما، في البلاد التي تصبح المعرفة فيها وجعاً يفوق كل أنواع الأمراض، يصبح من الضروري التداوي بمحاولة تعلُّم الجهل، لا بالسّعي إلى مقاومته، أو بالعمل على نشر المعرفة كسبيل لمحاربته.