يُكتب ويُقال الكثير عن "اليوم التالي" لتنفيذ اتفاق دولي يقضي بوقف القتال والقتل الجماعي في ربوع غزة.
يُكتب ويُقال الكثير عن "اليوم التالي" لتنفيذ اتفاق دولي يقضي بوقف القتال والقتل الجماعي في ربوع غزة.
دخل الصراع في غزة مرحلة جديدة مع قيام إيران بتنفيذ ردٍ صاروخيٍ مُركّبٍ على إسرائيل. بهذا العمل العسكري أصبح النقاش بشأن مصير منطقة الشرق الأوسط كله يدور في فضاء الجيوسياسة، لا القوانين والمنظمات الدولية ولا حقوق الإنسان ولا غيرها من آليات ضبط النزاعات بين الدول. اليوم نحن أمام لحظة شكسبيرية: "نكون أو لا نكون"، كما تُردّد معظم دول المنطقة، وهذا أخطر أنواع المواقف التي يبلغها صانع القرار.
في الأول من نيسان/أبريل ٢٠٢٤ تعرّض مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق والذي يُعتبر أرضاً إيرانية، وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، إلى قصف إسرائيلي أدى إلى تدميره ومقتل سبعة إيرانيين أبرزهم قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي. اعتبرت إيران الهجوم اعتداءً على سيادتها ومساً بهيبتها. لذا، قرّرت بلسان مرشدها ورئيسها الرد، فدخل العالم بأسره في مرحلة انتظار. وحدها إسرائيل كان انتظارها ثقيلاً ومُرهقاً ومُكلفاً.
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣، لم تعرف منطقة الشرق الأوسط لحظة من الهدوء. بالعكس، تممدت بقعة زيت الحرب ضد غزة نحو الضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن وأخيراً نحو إيران مع استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقرار الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية.
ثمة قول مأثور يُنسب لنابليون بونابرت أن "الجغرافيا هي قدرٌ"، وقدرُ ايران في مواجهة إسرائيل اليوم تتحكم به الحدود وأقدار التاريخ. وعليه، في غياب أية حدود جغرافية مباشرة بين إيران وإسرائيل، تصبح المواجهة بينهما محكومة جغرافياً بممر "دول الطوق العربي"، أي سوريا ولبنان والأردن ومصر. لذا، استعانت إيران بالوكلاء المباشرين، مثل حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي وغير المباشرين مثل حركة حماس والاخوان المسلمين.
هكذا إذاً. أسرعت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وبكل ما أوتيت من أسلحة وتقنيات، للدفاع عن "إسرائيل". استنفرت ترسانتها، بحراً وجواً، لصد انتقام طهران لاعتداء تل أبيب على سفارتها في دمشق واغتيال عدد من قادتها العسكريين هناك.
شكّل الرد الإيراني على قصف "إسرائيل" لقنصليتها في دمشق تحولاً مفصلياً في الصراع القائم في المنطقة منذ قرابة نصف قرن بين طهران وتل أبيب، كما أنه سيُشكلُ عنصر تأثير في ساحات قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وهذا الأمر ستظهر مفاعيله تباعا في الآتي من الأيام، ولكن قبل ذلك لا بد من الوقوف امام المشهد الذي سبق ورافق وتبع الرد الإيراني.
عاشت إسرائيل خمس ساعات، غير معهودة في تاريخها، اشتعلت خلالها سماء فلسطين المحتلة من مرتفعات الجولان إلى شاطىء إيلات، سواء بانفجار الصواريخ والمسيرات الإيرانية في الفضاء أو من إشعاع ما بلغ منها أهدافه. هذه الساعات كتب الكثير عنها كُتّاب الأعمدة في الصحافة العبرية في معرض تحليل هذا التطور الخطير.
مع الرد الإيراني على ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، ليل السبت ـ الأحد الماضي، ترتسم ملامح شرق أوسط أكثر تعقيدًا، وهو مسار دشنه تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ويستمر في الارتقاء شيئًا فشيئًا حتى كاد في الساعات الماضية يبلغ حافة الانفجار الكبير.
تمرّ المنطقة والإقليم، بل ودول القرار في العالم، منذ 12 يوماً في حالة تأهب وترقّب استثنائية قلّما شهدت مثلها في السنوات الماضية، انتظاراً للرد العسكري الإيراني على العدوان "الإسرائيلي" الذي استهدف في بداية نيسان/أبريل الجاري القنصلية الإيرانية في دمشق، والتداعيات المحتملة التي ستنجم عن الرد.