

وخوفاً من الدخول في دوامة “النصر المطلق” على إيران كما هو حال تعامل حكومة نتنياهو مع حرب غزة، اعتبرت “هآرتس” في افتتاحيتها، أمس الأول، “أن الحرب المتواصلة منذ عشرين شهراً في قطاع غزة تدل مرة أخرى كم هو صعب إنهاء الحروب أو تحقيق “نصر مطلق” كما يعد نتنياهو. فالضغط العسكري وحده لن يحقق الأمن أو “الحسم”، ولا حتى إعادة الـ 53 مخطوفاً إسرائيلياً ممن لا يزالون في أسر حماس، ومنهم ما لا يقل عن عشرين مخطوفاً أحياء. في غزة، مثلما في إيران، ليس سوى اتفاق يضمن لإسرائيل العيش بسلام وأمن، وإعادة بناء الدولة من أضرار الحرب”، وحذرت الصحيفة الإسرائيلية بأن “لا ننسى (الإسرائيليون) الصلة بين الساحات: كلما تواصلت حرب غزة وتجويع سكانها، سيصعب على إسرائيل تقريب الائتلاف الغربي والعربي الذي يساعد في الدفاع في وجه إيران. الاستنتاج واضح: على إسرائيل أن تشجع الولايات المتحدة في طريقها إلى اتفاق جديد ومُحسّن مع إيران، ولا تفتح جبهة أخرى أخطر من أي وقت مضى”.
ويقول ميخائيل ميلشتاين في “يديعوت” إنه يتعين في هذه المرحلة على إسرائيل “تجنُّب التشتت والانجرار إلى تصعيد غير مخطط له، أو حرب استنزاف، والتركيز على أهداف محددة: أولاً، تحليل مدى الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي، السبب الجذري للحملة، وتعميق هذا الضرر؛ ثانياً، حشد الدعم الذكي والفعال من واشنطن لاستكمال المهمة، سواء عبر عمليات عسكرية، أو عبر دفع إيران نحو اتفاق بشأن برنامجها النووي؛ ثالثاً، ترسيخ تفاهُم ودعم إقليمي ودولي للحملة (ولو بصورة صامتة)، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إذا تصاعدت المواجهات بشكل يؤدي إلى زعزعة استقرار سوق النفط. وهذا يتطلب، ليس استخلاص دروس الحرب في غزة فقط، بل أيضاً التوصل إلى نهاية سريعة لها تسمح باستنفاد الإنجازات حيال إيران إلى أقصى حد”.

ويقول عاموس هرئيل في صحيفة “هآرتس“، “صحيح أن القيادة الإيرانية تُعتبر راديكالية طوال سنوات، لكنها قيادة عقلانية. وستضطر إلى درس ميزان المخاطر والتهديدات بعد الاغتيالات التي لحقت بقادة أجهزتها الأمنية”. ويضيف الكاتب “يسعى (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب لتوقيع اتفاق نووي جديد. وبمساعدة الضربة العسكرية الثقيلة التي وجّهتها إسرائيل، يأمل بإجبار الإيرانيين على تقديم تنازلات سبق أن رفضوها في المفاوضات حتى الآن”، ويختم هرئيل مقالته بأن “إسرائيل تقف أمام معضلة صعبة عندما قررت العمل ضد البرنامج النووي الإيراني. فالخطر الإيراني ملموس، وخطة تدمير إسرائيل لم تعد مجرد وهمٍ، بل هي فكرة عملية يسعى النظام في طهران لتحقيقها، بهدف القضاء على إسرائيل في المستقبل. إن استمرار الوضع القائم من دون حسم يمكن أن يدفع إسرائيل إلى مواجهة مخاطر أكبر كثيراً، وصولاً إلى مواجهة خطر وجودي مستقبلاً”.
الباحث في “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” راز تسيمت، يحذر في مقالة له في “قناة N12“، من أنه على الرغم من الإنجاز الذي حققه سلاح الجو لناحية استهداف قدرات القيادة والسيطرة في إيران، لكن “يجب أن نتذكر أن إيران ليست “حزب الله”، ومن المؤكد أنها ليست “حماس”. فالجمهورية الإسلامية، التي تبعد مسافة شاسعة عن إسرائيل، وتفوق مساحة أراضيها مساحة لبنان بأكثر من 150 ضعفاً، تتميز بدرجة عالية من الازدواجية المؤسساتية (الجيش في مقابل الحرس الثوري؛ وزارة الاستخبارات في مقابل جهاز استخبارات الحرس الثوري، وميليشيات الباسيج في مقابل قوات الأمن الداخلي، وما إلى ذلك)، وبهامش كبير من التكرار المؤسساتي الذي يتيح وجود بدائل وبدلاء من دون قيود كبيرة، وقد تجلى ذلك فعلاً في تعيين خلفاء لكلٍّ من رئيس الأركان العامة باقري وقائد الحرس الثوري سلامي”، ويدعو الكاتب إلى عدم المبالغة والحلم بإسقاط النظام الإيراني، إذ يعتبر أن الطموح بإسقاط النظام “غير واقعي، فالنخبة السياسية والأمنية في إيران واسعة، ومتماسكة، وملتزمة بالحفاظ على بقاء النظام”.
بدوره، المفكر اليهودي ديمتري شومسكي، يوافقه الرأي في مقال له في “هآرتس“، بقوله؛ “طالما أن الحديث يدور عن الأمل بأنه في أعقاب الضربات العسكرية غير المسبوقة سيتنازل النظام الإيراني عن طموحه إلى الحصول على السلاح النووي، فإن هذا ليس إلا وهماً عبثياً لا أساس له. لا شك في أن الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي سيتوصل إليه قادة النظام في إيران ومؤيديه إزاء هجوم إسرائيل هو أنه لو كان لدى إيران الآن قدرة نووية لما كانت إسرائيل ستتجرأ على مهاجمة إيران.
ويقول يسرائيل زيف في موقع “قناة N12” إن الخطوة الأولى المطلوبة من نتنياهو هي انهاء حرب غزة ومن ثم التناغم مع الولايات المتحدة من أجل توفير استراتيجية خروج من الحرب مع إيران من خلال اتفاق جديد يُعظّم نتائج الهجوم الإسرائيلي.
وفي موقع “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” يقول يوسي كوفرفاسر إن احتمال التوصل إلى اتفاق أميركي إيراني يضمن رقابة أميركية صارمة على النشاطات النووية الإيرانية “ليس مرتفعاً، ولذلك، من المحتمل أن يعتمد الحفاظ على الإنجاز في المدى الطويل على المحافظة على حرية العمل العملياتي، مثلما هي الحال في السياق اللبناني. إنها مهمة معقدة، لكنها ليست مستحيلة، إذا ما تم الحفاظ على حرية العمل الجوي”.
وفي نفس السياق، يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، في صحيفة “هآرتس“، إن “أجواء النشوة في الشارع وفي البث وفي إعلان نتنياهو إزالة التهديد النووي الإيراني، كل ذلك سابق لأوانه وبعيد عن الواقع. ومثلما أشار وبحق رئيس الأركان، إيال زامير، فإنه يجب علينا الحفاظ على التواضع وعلى ارتباط متزن بالواقع”، ويضيف باراك، “إذا كان الأمل في أن ضربة إسرائيل ستعيد إيران إلى طاولة المفاوضات سيتحقق، فهذا جيد، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك فإن الطريقة الوحيدة بالنسبة للولايات المتحدة لمنع إيران من التوصل إلى السلاح النووي ستكون إعلان حرب على النظام نفسه حتى يتم إسقاطه.. وإذا قامت إيران بتسريع السير نحو السلاح النووي فإن الولايات المتحدة هي “المذنبة” في ذلك”.
ويرى المؤرخ إيال زيسر في “يسرائيل هيوم“، بأن ما جرى “هو امتحان لإسرائيل ودول المنطقة، وخصوصاً الولايات المتحدة. كان يمكن أن تكون الضربة التي وجّهتها إسرائيل، وحدها، ضربة قاتلة للنظام الإيراني، لو انضمت الولايات المتحدة إلينا، لكن من المحتمل أن تجبر الردود الإيرانية الولايات المتحدة على الانضمام إلى المعركة. يجب أن يكون هدف هذه المعركة، التي فرضتها إيران على المنطقة والعالم، واضحاً: ليس فقط منع تخصيب اليورانيوم، أو القضاء على البرنامج النووي، بل القضاء على النظام الإيراني، وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان السلام والاستقرار في المنطقة”.
ومن جهته، بن كسبيت يُسائل نفسه في مقال له في “معاريف“، “إذا تسببت الضربات التي تتلقاها إيران في جرّها للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة من موقع ضعف شديد، وبعدها يأتي ترامب ويُنهي الحدث ويحاول التوصل إلى اتفاق جيد – فذلك أمر ممتاز. هل أنا واثق أن هذا ما سيحدث؟ لا”. ويحْمل الكاتب على من يندد بالحرب على إيران، ويقول “عربات جدعون كانت حرب تضليل كلاسيكية. الحدث في غزة يجب أن يُغلق، ويجب إعادة الأسرى. أما الحرب مع إيران فهي ليست حرب تضليل، بل حرب وجود”. ويختم مقالته بالقول “لكن الآن هناك حرب هي “أمّ كل الحروب” ضد دولة تُعتَبَر أمّ كل أعدائنا.. فلنُركّز عليها معًا”.
ويُشير رون بن يشاي في مقالة له في “يديعوت أحرونوت“، إلى أنه “من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية تلقّت إشعاراً مُسبقاً قبل وقت طويل من الهجوم، الذي تم تنفيذه بعلم الإدارة في واشنطن وبالتنسيق معها. لقد هدفت التصريحات، التي أدلى بها الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب ووزير الخارجية (مارك) روبيو في اليوم الأخير، إلى تحقيق هدفين: الأول، تضليل الإيرانيين لكي يُفاجأوا، على الرغم من الشائعات المنتشرة والتوتر في الشرق الأوسط. والهدف الثاني هو التوضيح للإيرانيين أن الولايات المتحدة غير مشارِكة في موجة الهجوم الافتتاحية، أو في الضربة الاستهلالية للعملية”. ويضيف الكاتب بأن إسرائيل استغلت اللحظة، و”كانت الخطوة الأولى من الهجوم تحييد أنظمة الكشف والدفاع الجوي في شمال إيران والعراق، وكان الإيرانيون على وشك البدء بنقل أجهزة الطرد المركزي إلى هذه المنشأة التي كانت مُعدّة لتكون محصّنة ضد القنابل – حتى لو شارك الأميركيون في الهجمات باستخدام قنابلهم الأثقل الخارقة للتحصينات. كان التقدم في هذه المنشأة تحت الأرض أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الاستنتاج أن نافذة الفرصة الاستراتيجية توشك على الإغلاق”.
وفي موقع “والا” كتب دينيس سيترينوفيتش أن إسرائيل “تبلغ ذروة عملياتها في الحملة على إيران، لكنها تواجه خطر التدهور إلى حرب استنزاف مطولة ستضر بإنجازاتها… ومن دون قرار من الإدارة الأميركية بالانضمام إلى إسرائيل، تُخاطر إسرائيل بخوض حملة طويلة ستؤدي إلى تآكل إنجازاتها العملياتية”، واضاف “يبدو أن إسرائيل تُراهن على قدرتها على إقناع الأميركيين بدخول الحملة، وهو أمرٌ مستبعد الحدوث إلا إذا أخطأ الإيرانيون بمهاجمة القواعد الأميركية في الخليج. وبافتراض عدم حدوث مثل هذه الخطوة، وفي المقابل، استمرار إيران في إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، فقد يدخل الطرفان في حالة “استنزاف” قد تتضرر فيها المصالح الأمنية الإسرائيلية نظرًا للثمن الباهظ الذي يدفعه الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي جراء استمرار الحملة”.
وفي “يديعوت“، كتبت تسيبي شميلوفيتش، أنه حتى مع محاولة البيت الأبيض التوضيح رسميًا بأن الولايات المتحدة “لم يكن لها أي دور في الهجوم”، الواضح تمامًا هو أن إدارة ترامب “كانت تعلم تمامًا ما تُخطط له إسرائيل، ومتى سيحدث الهجوم الأول”، وتضيف “حتى قبل الهجوم الأول، كان ترامب تحت ضغطٍ من الجانب المتشدد في الحزب الجمهوري ومناصري اليهود لوقف الجهود الدبلوماسية للمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وتفويض إسرائيل بالهجوم. التقى مارك ليفين، مقدم البرامج الحوارية المحافظ، بترامب على الغداء الأسبوع الماضي، وأخبره أن إيران على بُعد أيام من صنع سلاح نووي – وهو ادعاءٌ نفاه فريق استخبارات ترامب نفسه بأنه غير دقيق. ومن الشخصيات المؤثرة الأخرى التي دفعت ترامب إلى دعم هجوم إسرائيلي على الأقل، الملياردير روبرت مردوخ. وقد شنّت اثنتان من أهمّ وسائل إعلامه – فوكس نيوز ونيويورك بوست – حملةً مُوجّهةً بدقة ضدّ جهود ويتكوف الدبلوماسية خلال الشهر الماضي”.
في الخلاصة، تتفق معظم التحليلات الإسرائيلية على وجوب أن يسعى نتنياهو إلى توفير مخرج لكي لا يتورط في حرب استنزاف شبيهة بتلك التي يخوضها منذ سنة وثمانية أشهر في غزة، وأن المخرج يجب أن يكون بالتنسيق مع الأميركيين. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، موقع عرب 48، عدد من الصحف والمواقع العربية).