
سوريا في العام 1957 وسوريا في العام 2024. الكثير تغيّر فيها وفي الشرق الأوسط، ولكن الكثير أيضا فيهما لم يتغير. كيف؟
سوريا في العام 1957 وسوريا في العام 2024. الكثير تغيّر فيها وفي الشرق الأوسط، ولكن الكثير أيضا فيهما لم يتغير. كيف؟
ساعتان من فجر يوم الإثنين في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 2025 غيّرتا مجرى الاستشارات النيابية المُلزمة التي أجراها الرئيس اللبناني جوزاف عون لتكليف رئيس جديد لأولى حكومات عهده، وكانتا كفيلتين بنقل التكليف من نجيب ميقاتي إلى نوّاف سلام.. وإطلاق شرارة أزمة حكم وحكومة منذ الأسبوع الأول للعهد.
إن ما يحصل في منطقتنا منذ قرن من الزمان ليس إلّا ترجمة عملية لأكبر عملية "تنصيب" في التاريخ، قامت بها إمبرياليات وافدة على ظهر الدبابات ودويّ المدافع، التي صمتت في القارة العجوز لتدوّي في كل ساحات العالم.
أصغيت بدقة إلى خطاب الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزاف عون، بعد فراغ مديد تعايشنا معه، وأطربني الحلم السياسي المستحيل، لا بل سرقني الخطاب ودعاني لأن أسكر قليلاً وآمل كثيراً إلى أن انتابتني تساؤلات متتابعة:
لم تكن انتخابات فخامة الرئيس جوزاف عون لسدة الرئاسة تشبه غيرها في الشكل وفي المضمون. فلأوّل مرة ربما، يلتقي التوافق أو بالأصح، تجد الوصاية العربية والدولية إجماعاً وترحيباً شبه كاملين من معظم اللبنانيين ليقينهم بأن الطبقة السياسية الحالية تفتقد للمسؤولية الوطنية لإتمام الإستحقاق الرئاسي، والشواهد كثيرة بدءاً من الفشل في انتخاب الرئيس لأكثر من سنتين، وليس انتهاءاً بالانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المُمنهج.
خطاب القسم الذى ألقاه الرئيس اللبنانى جوزيف عون، والذى أشار فى بدايته إلى أن لبنان يعيش أزمة حكم وحكام، قدّم فيه رؤيته حول ولوج باب الإصلاح الشامل والمترابط الأبعاد من السياسى إلى الأمنى الوطنى، إلى القضائى والإدارى والاقتصادى والاجتماعى، وإلى اعتماد مفهوم الحياد الإيجابى فى السياسة الخارجية لتحصين الأمن الوطنى، وتعزيز العلاقات مع الأسرة العربية.
وفي الشهر الثالث، من العام الثالث، لشغور مَنصِب رئيس الجمهورية اللبنانية، أي بعدَ عامين وشهرين وعشرة أيام بالتمام والكمال، وبقدرة قادر، تم ملء الفراغ الرّئاسي، بالقائد الرابعَ عشَر للجيش، ليمسي الرئيسَ الرابع عشر للبنان، في الجلسة الثالثة عشرة، وفي الموعد المحدّد، وبخطاب القسم المسهب، ليبدأ العهد في خضمّ رياح إقليمية عاتية، ومخاضات محلية آتية، فما هي التحديات التي تنتظره في الداخل كما في الخارج؟
عزيزي القارئ، إنّ كاتب هذه السطور محبٌ لفلسطين ومتضامن مع غزة، بدم أقاربه ورفاقه وقادته الشهداء على طريق القدس، إسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة والشريفة. ولا منّة لنا بذلك، بل هو فضل الله علينا.
إذا قُلتَ اليومَ إنّ النّقدَ الذّاتيَّ واجبٌ في هذا التّوقيت بالتّحديد، فأنت مُحقٌّ طبعاً. ولكن، أين يبدأ الخطأ وأين تبدأ الخطورة؟ يبدآن برأيي عند حدود الدّخول المُباشر أو غير المُباشر في عمليّة: الخطاب التّراجعيّ-الانهزاميّ، أي الخطاب الذي يعمل عليه العدوُّ ليلَ نهار مع حلفائه المباشَرين وغير المباشَرين حول العالم وفي المنطقة.
فخامة الرئيس جوزف عون؛ لا شكَّ في أنـَّكم تنتظرونَ ما هو أكثرُ منَ التهنئةِ بانتخابكم. نحنُ اللبنانيينَ مثلكُم. نُهنِّىءُ وننتظرُ أكثرَ.