ما بين التفجير إلى حد عودة أشباح الاحتراب الأهلى والتهدئة إلى حد الرهان على إحياء العملية السياسية، التى ماتت إكلينيكيا، يجد العراق نفسه معلقا على احتمالات وسيناريوهات متناقضة.
ما بين التفجير إلى حد عودة أشباح الاحتراب الأهلى والتهدئة إلى حد الرهان على إحياء العملية السياسية، التى ماتت إكلينيكيا، يجد العراق نفسه معلقا على احتمالات وسيناريوهات متناقضة.
خرجت الأمور عن السيطرة في بغداد بعد دقائق فقط من إعلان مقتدى الصدر اعتزاله السياسة نهائيا. جرس الإنذار لم يدق فقط في العراق، بل سُمع قرعه في طهران وبيروت على السواء. وإذا كانت سنة 2003 شهدت سقوط العاصمة العراقية بيد الاميركيين، فإن مشهد الاشتباكات بين أنصار التيار الصدري وخصومهم من القوى الشيعية المتحالفة مع طهران بدا كسقوط بغداد أخر، مهددا المحور الممتد من إيران إلى لبنان بخسارة كل مكتسبات ما بعد سقوط صدام حسين.
مع القرار الذي إتخذه السيد مقتدى الصدر باعتزال العمل السياسي وما أعقبه من مواجهة وسقوط ضحايا، يكون المشهد السياسي والامني العراقي قد بلغ أخطر منزلقاته منذ ظهور ارهاب الموجة الداعشية قبل اكثر من سبع سنوات وربما منذ الإحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
يحتل المتظاهرون الموالون للتيار الصدري مبنى البرلمان في بغداد، وسط أجواء من الانقسامات العميقة تخيم على المعسكرات السياسية الرئيسية في العراق منذ فترة. ولا ينبغي أن تتحول هذه المواجهة إلى أعمال عنف، إذ بإمكان قادة البلاد حل خلافاتهم بالحوار، وبدعم من الشركاء الأجانب، بحسب المتخصصة بالشؤون العراقية لهيب هيغل من "مجموعة الأزمات الدولية".
لم يكن اجتياح تيار الزعيم الشيعى «مقتدى الصدر» للبرلمان العراقى والاعتصام فيه حدثا مفاجئا بذاته، فالأجواء ملتهبة بالأزمات المتلاحقة وسيناريوهات التصعيد واردة طوال الوقت. ولا كان التصعيد المضاد من «الإطار التنسيقى» للقوى والأحزاب الشيعية الأخرى إلى حافة الصدام مفاجئا هو الآخر، فالمصالح والولاءات تتناقض.
الملفان اللبناني والعراقي أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. تنوع سياسي وطائفي. صيغة سياسية هشة ورجراجة. حضور إيران والولايات المتحدة في البلدين هو حضور وازن ولو أنه غير متوازن. حضور النفوذ الإقليمي. ثمة قوى محلية تحاول التفلت من إحدى القبضتين الإيرانية والأميركية أو من الإثنتين معاً.
تتحدث أوساط عراقية عديدة عن "صيف سياسي عراقي ساخن" تبدّت معالمه مع استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان وانسحاب زعيمه السيد مقتدی الصدر من الحياة السياسية، وذلك بعد رفض المجتمعين تحت مظلة "التيار التنسيقي" الذهاب للمعارضة البرلمانية حتى يتسنى للصدر تشكيل حكومة بالتوافق مع الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وتجمع "تقدم" السني بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
لم يُكتب للعراق الاستقرار منذ أول حكومة عراقيّة تشكّلت بعد الاحتلال الأميركي عام 2005، ولن يُكتب له ما دامت السياسة العراقية رهينة إرادة غلبة وانقسامات طائفية وتجاذبات اقليمية، وما دام العراق دولة شبه منقسمة على ذاتها، دون أن يُبتَدع مخرجٌ ما للشرذمة غير ما يعرف ببروتوكولات التّعايش والتّوافق والوحدة الوطنية و"الثلث المعطل"!
ما يزال العراق يعيش وضعاً استثنائياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى. وهذا الوضع الاستثنائي يستمر منذ ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، ففي العام 1980 دخل العراق حرباً مع إيران ظلّت أوارها مشتعلة لثماني سنوات (1988). وفي العام 1990، بدأت مغامرة غزو الكويت في 2 أغسطس/آب وقادت إلى كارثة حقيقية بمسلسل قائم حتى الآن.
منذ إنتهاء العملية الإنتخابية العراقية في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وإعلان النتائج، دار جدل وانفتح نقاش وثار سجال بشأن الوجهة التي ستتمخّض عنها الاتفاقات والتقاطعات السياسية والتي على أساسها يتم تشكيل الحكومة، وبالتالي كيف يمكن رسم الخريطة السياسية الجديدة؟