جبهة البحر الأحمر في صلب معادلات حرب غزة 

بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى" في ٧ أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة اليمنية بقيادة "أنصار الله" وزعيمها عبد الملك الحوثي أنها تعتبر نفسها مشاركة في هذه العملية إلى جانب الشعب الفلسطيني و"حماس".. وغزة.

ترجمت حركة “أنصار الله” انخراطها في “طوفان الأقصى” باطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل وتحديداً إيلات بمسافة رمي تناهز الألفي كلم مستخدمة صواريخ بعيدة المدى، لتعترضها صواريخ البحرية الأميركية من المدمرتين “كارني” و”هودنر” اللتين تبحران في البحر الأحمر وتُسقط معظمها، ما عدا القليل منها الذي سقط في محيط إيلات وتسبّبَ في إطلاق صفارات الإنذار وانفجارات في المنطقة.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، وتحديداً في يومه الرابع والأربعين، صعّد “أنصار الله” موقفهم، وأعلنوا بلسان الناطق باسم “القوات المسلحة اليمنية” أنهم سيستهدفون السفن المملوكة جزئياً أو كلياً من إسرائيليين أو التي تُديرها شركات إسرائيلية أو تشحن من إسرائيل وإليها والعابرة في البحر الأحمر قبالة ساحل اليمن.

تنفيذ التهديدات

في ١٩ تشرين الثاني/نوفمبر، هبطت طائرة هليكوبتر يمنية على متن سفينة “غالاكسي ليدر” التي تعمل في نقل المركبات وتتبع لشركة “راي شيبنغ” التي تتخذ من تل أبيب مركزاً لها ويملكها رجل الأعمال الإسرائيلي الثري رامي إبراهام أنغر المقرب من “الموساد” ومن بنيامين نتنياهو، وذلك في أثناء ابحارها في البحر الأحمر قرب المياه اليمنية وترجلت مجموعة من القوات الخاصة وسيطرت بسرعة على السفينة وبحارتها وطاقمها البالغ عددهم 25 واقتادت السفينة بمن فيها إلى مرسى الصليف قرب ميناء الحديدة على الساحل اليمني. والجدير ذكره أن طول سفينة “غالاكسي ليدر” يبلغ ١٨٩ متراً وعرضها ٣٢ متراً ووزنها الاجمالي نحو ٤٨ ألف طن. ونقل موقع “إكسيوس” عن مصدر إسرائيلي أن السفينة مملوكة جزئياً لشركة إسرائيلية، وهو الأمر الذي أكده لاحقاً موقع “والا” الإسرائيلي.

شكّلت هذه العملية مفاجأة لإسرائيل وداعميها ولا سيما الولايات المتحدة التي تجوب بعض سفنها الحربية البحر الأحمر باستمرار، وأثبتت أن اليمنيين كانوا جادين في تهديدهم للسفن الإسرائيلية وأنهم بدأوا فعلاً بتنفيذ هذا التهديد.

اعتبرت القيادة العسكرية الإسرائيلية هذا الحادث “خطيراً جداً”، وسارع نتنياهو إلى اتهام إيران بالوقوف وراء هذه العملية التي “تُهدّد الملاحة الدولية”، على حد تعبير تل أبيب.

أعطت هذه العملية إشارة إلى أن اليمن (الشمالي) سوف يمنع السفن التجارية الإسرائيلية بما فيها ناقلات النفط من الإبحار في البحر الأحمر قبالة الساحل اليمني، أي في المنطقة الممتدة من الحجة شمالاً على الحدود مع السعودية إلى باب المندب جنوباً. ولم يكشف اليمنيون ما إذا كانت هذه المنطقة ستتمدد شمالاً حتى العقبة تبعاً لمديات الأسلحة اليمنية وامكانية استخدام زوارق مجهزة بطوربيد ضد السفن سبق وأن ظهرت في عروض عسكرية شهدتها صنعاء والحديدة في الشهور الماضية.

من الواضح أن ممر باب المندب صار في صلب معادلات حرب غزة. لذا، يصبح الهدف الرئيسي هو وقف اطلاق النار في غزة. يتطلب ذلك توسيع دائرة الوساطة التي تقوم بها دولة قطر والاستجابة للواقع الذي فرضته حركة “حماس” وتبريد الاجواء باتفاق وقف اطلاق نار وتبادل أسرى مقدمة لتسوية سياسية

التداعيات.. والخيارات

أولاً؛ بعد خطف هذه السفينة وعدم تحديد مصيرها، سوف تعتبر شركات التأمين البحري العالمية أن إبحار السفن الإسرائيلية أو التي تحمل بضائع من إسرائيل وإليها قرب الساحل اليمني أصبح محفوفاً بالخطر الجدي. يُرجح أن تتخذ هذه الشركات تدابير تتدرج من رفع الأسعار وصولاً إلى إلغاء التأمين، وهذا يصيب الإقتصاد الإسرائيلي بأضرار بالغة خصوصاً أن مصب عسقلان للنفط الخام قد أغلق بسبب تعرضه للقصف من قطاع غزة، كما أن الوضع الأمني تدهور في حيفا حيث تتوقف الحركة عند سماع صفارات الإنذار ما يُؤثر سلباً على حركة مرفأ حيفا التجارية.

ثانياً؛ وضعت إسرائيل المرتبكة سياسياً وعسكرياً نفسها في حرب على أربع جبهات: مع “حماس” في غزة ومع “حزب الله” في الشمال ومع “أنصار الله” في اليمن، ومع الشارع الفلسطيني الغاضب في الضفة الغربية، وبالتالي صارت في حالة حرب شبه شاملة، بلا أفق ولا رؤية لنهاية هذه الحرب، ما يعني أن قوى المقاومة نجحت في فرض حصار ولو جزئي عليها.

ثالثاً؛ ماذا عن موقف كل من السعودية والإمارات، وهما الدولتان الأبرز في التحالف العربي في حرب اليمن الذي بدأ عمليات عسكرية ضد “أنصار الله” عام ٢٠١٥ سميت “عاصفة الحزم”؟ حتماً سيكون موقفاً حرجا بسبب اهتزاز وقف إطلاق النار مع “أنصار الله” بعد صموده لنحو سنتين. هذا التدخل البحري سوف يُهدّد بانهيار وقف اطلاق النار واستئناف القتال مع ما يتضمن ذلك من غارات لطيران التحالف على صنعاء ومدن أخرى واطلاق صواريخ من اليمن إلى كل من السعودية والإمارات ويُهدّد بعودة الحرب الى جزيرة العرب.

رابعاً؛ في حال قرّرت إسرائيل أن تحمي سفنها التي تعبر البحر الأحمر، فهذا يتطلب منها إرسال قوة بحرية إلى جوار الساحل اليمني والاشتباك مع الزوارق اليمنية والتعرض لنيران صواريخ أرض – سطح التي يمتلك اليمن العديد منها وظهرت في العرض العسكري الذي أقيم في سبتمبر/أيلول الماضي في صنعاء وقبل سنة في الحديدة. وفعلاً أعلن الجيش الإسرائيلي بعد التهديد اليمني عن نشر منظومة دفاع بحرية (زوارق وصواريخ) في البحر الأحمر لكن برغم ذلك تمكن “أنصار الله” من السيطرة على السفينة “غالاكسي ليدر” بسرعة. لا يمنع ذلك من طرح السؤال: هل يُمكن أن نشهد في المرحلة المقبلة إشتباكاً يمنياً إسرائيلياً في البحر الأحمر وماذا عن تأثير ذلك على مجمل حركة عبور السفن في ممر مائي حيوي هام للتجارة العالمية؟.

إقرأ على موقع 180  بين جولة بايدن وقمة طهران.. لهيب أوكرانيا يلفح الشرق الأوسط 

خامساً؛ في حال تدخلت البحرية الأميركية واصطدمت بالبحرية اليمنية فإن من شأن هكذا مواجهة أن تؤدي إلى خطر إغلاق مضيق باب المندب الذي تعبره كل يوم نحو ٦٠ سفينة، مما يُسبب إضطراباً في حركة التجارة العالمية ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط نحو عشرين دولاراً، حسب تقديرات خبراء اقتصاديين. ويبدو أن الولايات المتحدة لا مصلحة لها في توسيع نطاق النزاع في المنطقة لما يحمل من أضرار جانبية واقتصادية.. لهذا ما زالت الدبلوماسية الأميركية تتحرك منذ عملية ٧ أكتوبر/تشرين الأول إلى حصر النزاع في غزة.

سادساً؛ في ضوء هذه المعطيات كلها، من الواضح أن ممر باب المندب صار في صلب معادلات حرب غزة. لذا، يصبح الهدف الرئيسي هو وقف اطلاق النار في غزة. يتطلب ذلك توسيع دائرة الوساطة التي تقوم بها دولة قطر والاستجابة للواقع الذي فرضته حركة “حماس” وتبريد الاجواء باتفاق وقف اطلاق نار وتبادل أسرى مقدمة لتسوية سياسية.. كما يقتضي ذلك توسيع دائرة الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان مع “أنصار الله” في اليمن من أجل ضمان حرية الملاحة ودفع العملية السياسية في اليمن نحو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  عن حلم بونابرت العربي الذي لم يتحقق