حل الصراعات عبر تشارك السلطة.. سوريا نموذجاً

تتعقد الأزمة السورية بسبب إندماج ثلاث ساحات من الصراعات على أرض سوريا: الصراع بين أطراف محلية؛ الصراع بين أطراف خارجية (إقليمية ودولية)؛ الصراع بين الإقليمي، الدولي والمحلي.

لا شكّ أن السوريين انتفضوا إعتراضاً على الواقع الاقتصادي والإجتماعي والسياسي وتأثروا بثورات العالم العربي التي بدأت شرارتها من تونس أواخر عام 2010. إلا أنه يجب التذكير أن ظهور المعارضة السلمية في ربيع عام 2011 كان إستكمالاً للمعارضة الوطنية والحراك المدني الذي اندلعت شرارته مع “ربيع دمشق” عام 2001، عندما تسلم السلطة الرئيس الحالي بشار الأسد بعد وفاة والده حافظ الأسد (1930- 2000). إلا أن التطورات التي أفرزتها الساحة السورية أدت إلى ظهور منظمات مسلحة همّشت مجموعات الحراك السلمي.

اليوم، هناك ثلاث قوى محلية أساسية تتقاتل على السلطة: النظام الذي يسيطر على مناطق أبرزها الساحل والعاصمة دمشق؛ حزب الإتحاد الديمقراطي عبر ذراعه العسكري “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمال البلاد؛ و”هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب.

إقليمياً ودولياً، تتداخل مصالح بعض الدول في المنطقة مع قوى كبرى، مثلاً إيران وروسيا وتركيا ينافسون الولايات المتحدة واسرائيل. القوى الإقليمية والدولية تفهم جيداً حدود مصالحها، فايران تسعى إلى الهيمنة على الطريق الذي يصل طهران ببيروت، وتركيا تفرض نفوذها في الشمال لمنع الأكراد من قيام زنّار كردي قد يؤثر على الوضع الداخلي في العلاقة بين المكونين الكردي والتركي، وروسيا تسعى للحفاظ على موطئ قدم في المياه الدافئة.

لا إمكانية لحل يستمد شرعية سورية طالما أن الأكراد و”هيئة تحرير الشام” والنظام قادرون على الحفاظ على مكتسبات حقّقوها خلال الحرب، حتى لو تمكنت العناصر الإقليمية والدولية من ايجاد صيغة لحل سلمي تحفظ مصالح “الدول” في سوريا

في المقلب الآخر، تسعى أميركا إلى السيطرة على حقول النفط والتجسس على تحركات الإيرانيين دعماً لإسرائيل ولتمكينها من إصطياد قادة أمنيين ايرانيين ولبنانيين تابعين لحزب الله، بالإضافة إلى ضرب قوافل الأسلحة الآتية من طهران إلى حزب الله في الأراضي السورية.

هذه الدوائر الثلاث تؤثر بشكل كبير على مجريات الحل السوري. فأيُّ حل في سوريا لا يأخذ في الإعتبار المصالح المتشابكة بين القوى الإقليمية والدولية والمحلية لن يدوم ولن يُكتب له النجاح. مثلاً، لن تسمح تركيا بأي حل يعطي منطقة فدرالية في شمال البلاد يكون شبيهاً بإقليم كردستان العراقي، خوفاً من تداعيات ذلك على الداخل التركي. بدورها، إيران ستسعى بكل قوتها للحفاظ على طريق الحرير الفارسي الذي يسمح لها بمد نفوذها إلى لبنان وغزة. أما إسرائيل فستسعى لوقف المد الإيراني عبر سوريا واقامة منطقة عازلة في جنوب البلاد. من جهة أخرى، أميركا تريد الهيمنة على موارد النفط السورية، وأيّ حديث عن دعمها للأكراد أو فصائل أخرى يرتبط بقدرتها على الحفاظ على ورقة النفط، وروسيا لن تسمح بحل لا يحفظ لها وجودها العسكري في المنطقة. لذلك، مبدأ القبول بأي تسوية تضمن التشاركية في السلطة يعتمد كخطوة أولى على إمكانية الحفاظ على مصالح الدول الإقليمية والدولية وزبائنهم المحليين.

حتى الآن، يُمكن الإستنتاج أن لا إمكانية لحل يستمد شرعية سورية طالما أن الأكراد و”هيئة تحرير الشام” والنظام قادرون على الحفاظ على مكتسبات حقّقوها خلال الحرب، حتى لو تمكنت العناصر الإقليمية والدولية من ايجاد صيغة لحل سلمي تحفظ مصالح “الدول” في سوريا. والعكس صحيح كذلك، فإذا أبرمت “هيئة تحرير الشام” اتفاقاً ما على صيغة لحكم البلاد مع النظام والأكراد، فإنّ تطبيقه سيكون متعذراً إذا غابت المصالح الإقليمية والدولية عن مثل هكذا تسوية متخيلة.

اذا كان الحل في سوريا يتطلب التشارك في السلطة بين أطراف الصراع المحلي، فإن نجاح الحل سيتطلب حتماً ضمانات إقليمية ودولية لتطبيقها.. وحتى الآن، يبقى ذلك بعيد المنال.

(*) المقال جزء من بحث مُموّل للكاتب عبر (Swiss Network for International Studies).

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ما فات السيد نصرالله!
Avatar

أكاديمي لبناني، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والإدارية في جامعة روح القدس الكسليك

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  شيرين أبو عاقلة.. "راك كاه" هكذا وحسب