السعودية وقطر وتركيا.. انخراط في مسار وقف النار اللبناني

هو سباق مكشوف بالنار والدماء والدموع والتدمير يُطلق صافرته المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، فيما يحاول الجانبان اللبناني والإسرائيلي ممارسة لعبة لي الأذرعة في ربع الساعة الأخير، قبيل التوصل إلى وقف النار بين لبنان وإسرائيل.

يقود آموس هوكشتاين مبادرة أميركية ربما تكون الأخيرة، قبيل انتهاء ولاية الرئيس الحالي جو بايدن، ويبدو مفتاح نجاحه أو فشله رهينة موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يبدو مصراً على فرض وقائع ميدانية تُعزّز دفتر شروط تل أبيب بدعم أميركي وغربي فاضح.

وليس من باب المصادفة أن تعمد إسرائيل وخلال الوقت الذي يناقش فيه حزب الله ورئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي الورقة الأميركية إلى إغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف في قلب الشطر الغربي للعاصمة بيروت، لتعود وتستهدف محلة مار إلياس بعد ساعات قليلة على تسليم الحزب رده على المقترحات الأميركية، وتمضي في اليوم التالي نحو استهداف أحد مقاهي محلة زقاق البلاط قرب وسط بيروت حيث سقط عشرة شهداء وعشرات الجرحى في منطقة هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان والنازحين في العاصمة حالياً.

من هنا تتبدى حالة التوجس والريبة التي أصابت المسؤولين اللبنانيين حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب، وبخاصة أن التجربة مع إسرائيل من غزة إلى بيروت غير مشجعة، لذا كان لا بد للبنان أن يتعلم من دروس مفاوضات غزة وفي الوقت نفسه أن يتعاطى بإيجابية من حيث الشكل تجنباً لتحميله مسؤولية العرقلة أمام الرأي العام الدولي، ولا سيما أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعتقد أن الورقة الأميركية تحتاج إلى ملحقات تفسيرية بسبب زحمة التحديات والأفخاخ المتصلة بها.

يُرجح أن يزور بيروت خلال الأيام المقبلة مسؤولون قطريون وأتراك، لإبداء حالة التضامن المستمرة، وللمساهمة في الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار ووقف إطلاق النار والتي تتطلب انخراط أطراف إقليمية تحظى بثقة أغلبية القوى اللبنانية، في ظل رفض لبنان لأن تشمل لجنة متابعة تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 ممثلين عن ألمانيا وبريطانيا

من هذا المنطلق، تقرأ الأطراف العربية والإقليمية ما يحصل من زوايا متعددة، فالعديد من القوى العربية الفاعلة والتي تسترق السمع إلى تطورات الساحة اللبنانية بدت أكثر تشاؤماً في ظل استمرار إسرائيل بتوسيع مساحات الاستهداف الميداني، فيما نقلت منظمات دولية فاعلة في مجالات إنسانية أو تفاوضية، عن مسؤول إماراتي قوله إن نتنياهو لا يريد أن يوقف الحرب في هذا التوقيت لاعتبارات متعددة، على رأسها أن الضغط الأميركي عنه بات مُبدداً مع قرب نهاية ولاية بايدن، “والأهم أن وقف النار حالياً في ظل صعوبة تقديم انتصار حاسم للإسرائيليين، قد يستغله حزب الله لإعادة بناء ترسانته العسكرية من جديد”.

ويُسر المسؤول الخليجي العربي أن نتنياهو أبلغ الأميركيين أنه يُريد فك ارتباط إيران بالساحتين اللبنانية والسورية، وأن هذا الأمر من مصلحة أميركا والدول العربية قبل إسرائيل، ربطاً باحتمالات تصعيد الموقف الغربي مع إيران في الملف النووي مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل.

لكن هل هذا فقط ما ينوي نتيناهو القيام به؟ الأكيد أن الخوف يشمل أهداف نتنياهو في الداخلين اللبناني والسوري، من هنا يمكن مراقبة مجموعة عوامل داخلية وخارجية تزامنت مع التفاوض تحت النار، لعل أبرزها بالعامل الزمني:

أولاً؛ على المستوى الداخلي، ومع اندفاع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لإلتقاط اللحظة التي أعقبت اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وخطابه المرتفع تجاه “المكون الشيعي”، وآخرها حديثه عن إمكانية الذهاب لجلسة انتخاب من دون النواب الشيعة في البرلمان اللبناني، آثرت أطراف داخلية عدم الانخراط في هذا المسار السياسي وتحديداً القوى السنية والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر إضافة للنواب الأربعة المفصولين من التيار (الياس بو صعب وآلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا).. يُضاف إليهم الرؤساء ميشال سليمان وأمين الجميل وفؤاد السنيورة وتمام سلام، ما أجهض لقاء “معراب” الذي حضره يتيماً اللواء أشرف ريفي والذي بدا عقب اللقاء في حرج كبير برغم تبريراته الكثيرة، والأهم محاولة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والنائب ميشال معوض التمايز السياسي، خطاباً وممارسةً، عن القوات اللبنانية.

ثانياً؛ سعى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للاستفادة من حالة التشتت الداخلي والرفض الحاصل لخطابين متناقضين بين القوات وحزب الله، لجمع المسلمين السنة، دينياً وسياسياً، قبيل توجهه للرياض للمشاركة في أعمال القمة العربية والإسلامية، والأكيد أن هذه المسارات “السنية” هي عبارة عن محاولة تلمس مبكر لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، ولا سيما مرحلة تسمية أي رئيس حكومة مستقبلي، وبخاصة أن مواقف الرجل الأخيرة المتحسسة من الدور الإيراني في لبنان أعادت شيئاً من الدفء في العلاقة بينه وبين قادة عرب ولا سيما في الخليج.

ثالثاً؛ في خضم موقف جعجع السياسي الأخير بشأن انتخاب رئيس للجمهورية من دون المكون الشيعي، جاء اللقاء بين ميقاتي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث حرص خلاله المُضيف أن يُسمع ضيفه كلاماً واضحاً، كان قد ردّده مسؤولون سعوديون لنظرائهم العرب واللبنانيين، لجهة رفض المملكة أية محاولة لتهشيم وتهميش الشيعة اللبنانيين، وأهمية استيعابهم بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية للدفع بهم للقبول بالصيغ المؤسساتية للدولة وأبرزها الانخراط في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. والأهم رفض أي محاولة للدفع بهم نحو خيار العدمية السياسية، ما قد يؤثر على الأمن القومي الخليجي والمصالحة السعودية الإيرانية التي تتخذ طابعاً تنفيذياً لمقررات وخطوات جرى الاتفاق عليها في سياق مصالحة بكين، وهذا الموقف السعودي الذي ترجم بمواقف مهمة في القمة الإسلامية والعربية الأخيرة في الرياض، يتزامن مع حراك إماراتي في لبنان، ترجم بابداء الإستعداد لتمويل مسار دعم القوى اللبنانية المسلحة (جيش وقوى أمن وأمن عام)، تسليحاً وذخائر، بعد انتهاء الحرب، فضلاً عن تقديم مساعدات سخية للنازحين من جهة، والسعي للامساك بمؤسسات إعلامية صار الإماراتيون يملكون حضوراً مؤثراً فيها، وهي خطوة غير واضحة الأسباب والخلفيات، من جهة أخرى.

إقرأ على موقع 180  سيرة خطف شاب لا "جماعة" له.. ولكن

رابعاً؛ على جدول أعمال القمة الرئاسية بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حضر الملف اللبناني بكل تشعباته، واللافت للانتباه أن الجانبين اللذين فتحا خطوط التنسيق مع القاهرة وعمان والرياض حول تطورات المشهد اللبناني، وضعا دفتر شروط تنسيقية حول لبنان، يتكامل مع التصورات السعودية.

سعى ميقاتي للاستفادة من حالة التشتت الداخلي والرفض الحاصل لخطابين متناقضين بين القوات وحزب الله، لجمع المسلمين السنة، دينياً وسياسياً، قبيل توجهه للرياض للمشاركة في أعمال القمة العربية والإسلامية، والأكيد أن هذه المسارات “السنية” هي عبارة عن محاولة تلمس مبكر لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب

وبرغم أن البيان الختامي لقمة الرياض لم يكن فضفاضاً لكن أحد المطلعين على أروقة اللقاءات أفاد أن الجانبين أكدا على دعم الجهود المشتركة مع الأطراف العربية والإقليمية لوقف الحرب بين لبنان وإسرائيل والذهاب لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بمشاركة كل الأطراف وعدم السماح بإقصاء أي طرف أو مكون سياسي لبناني عبر التمسك باتفاق الطائف، وهذا الموقف له دلالاته التي تعني أن التخوف هو من اليوم التالي بعد الحرب.

وبالتوازي مع جهود وقف النار، برعاية أميركية – فرنسية، بدا الجانبان التركي والقطري أكثر اندفاعاً لمواكبة هذه التحركات الدولية والإقليمية، بجهود هدفها الدفع باتجاه وقف الحرب وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته وعدم المس بسيادة لبنان ودعم الجيش والتي لم تتوقف الدوحة عن دعم صموده منذ سنوات.

من هنا يُرجح أن يزور بيروت خلال الأيام المقبلة مسؤولون قطريون وأتراك، لإبداء حالة التضامن المستمرة، وللمساهمة في الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار ووقف إطلاق النار والتي تتطلب انخراط أطراف إقليمية تحظى بثقة أغلبية القوى اللبنانية، في ظل رفض لبنان لأن تشمل لجنة متابعة تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 ممثلين عن ألمانيا وبريطانيا، واقتراح أن تشمل ضامناً عربياً يقبل به لبنان الرسمي مثل الأردن أو قطر أو ضامناً أوروبياً مثل أسبانيا أو النروج.

في المحصلة، يستشعر مسؤول خليجي بارز وجود فرصة ضيقة لوقف النار إذا ذهبت سدى، وهذا احتمال كبير، سيدخل من بعدها لبنان في نفق التدمير الذي قد يمتد لأكثر من شهرين.. في انتظار مبادرة أميركية جديدة وموفد جديد غير آموس هوكشتاين.

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  معركة إدلب: خطوط تركيا الحمر تسقط