

على الرغم من الحصار الاقتصادي المفروض على إيران والصعوبات الناتجة عنه وعن “الضغوط الأميركية القصوى” بالنسبة إلى إدارة الدولة والمجتمع، فإن إيران تظل قادرة بفضل موقعها الجيوسياسي المحوري وتموضعها في “الجنوب العالمي” ومجموعة “البريكس”، فضلاً عن شراكاتها المتشعبة مع روسيا والصين، على الوصول إلى التكنولوجيات المتوافرة لبقية الدول في العالم بما في ذلك التكنولوجيا العسكرية.
وبات واضحاً أن إيران التي استوعبت صدمة الضربة الأولى وعمليات القصف الجوي الإسرائيلي بهجوم صاروخي مضاد على أهداف في قلب إسرائيل، ستقاوم أي هجوم يستهدف أراضيها بكافة الوسائل المتوافرة لديها، علماً أن الشعب الإيراني يتمسك بقوة بسيادته الوطنية واستقلاله وهو أثبت عبر التجربة التاريخية الطويلة قدرته على الوقوف كرجل واحد في وجه التدخل الخارجي.
ويمكن أن نتصور استناداً إلى أحد السيناريوهات، أن السلطات الإيرانية قد تلجأ إلى لعب ورقة النفط، ليس بوقف عمليات تصدير نفطها وغازها الطبيعي وحسب، بل بتهديد إنتاج النفط في العراق ودول الخليج، وقد تقدم على محاولة إغلاق مضيق هرمز، مما يتسبب في انقطاع الامدادات النفطية عن العالم.
وفي حال قرّرت الولايات المتحدة غزو إيران، يُرجح أن ينجح الجيش الأميركي في إيجاد موطئ قدم له داخل البلاد، سواء عبر إنزال بحري في محيط ميناء بندر عباس المطل على الخليج، أو عبر هجوم بري ينطلق من أذربيجان أو العراق. لكن سرعان ما يتكشّف أن أميركا لا تملك قوة قتالية تقليدية كافية لتنفيذ عمليات قتالية برية متواصلة على الأراضي الإيرانية. والسيناريو الأكثر احتمالاً سيكون أشبه بالتجربة السلبية التي خاضتها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق أو الاكتفاء بانزالات جوية موضعية. وفي أسوأ الأحوال يمكن أن نرى شيئاً يشبه الانهيار الشامل الذي أصاب الجيش الأميركي في حرب فييتنام. وهناك إمكانية لنجاح مقاومة الشعب الإيراني في إغراق عدد من السفن الحربية الأميركية، أو إلحاق أضرار فادحة في حاملات طائرات تعمل في المنطقة، فضلاً عن تزنير مضيق هرمز بالألغام البحرية.
يخشى العديد من الخبراء والباحثين السياسيين من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى مردود عكسي في شأن منع انتشار السلاح النووي، باعتبار أن العدوان هذا يمثل تهديداً وجودياً، ولا يترك لإيران أمام إسرائيل نووية تتجنب توقيع معاهدة عدم الانتشار النووي، سوى خيار إنتاج كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع سلاح نووي
لمواجهة مثل هذا السيناريو لـ”يوم القيامة”، لن يتبقى أمام إدارة ترامب سوى تصعيد المواجهة العسكرية ما يقود إلى ضرب إيران بالأسلحة النووية، وعندها تخرج المعادلة عن نطاق التوقعات المعقولة ويتعذر تقدير الأضرار، إذ أن الخسائر التي ستلحق بالولايات المتحدة نتيجة استخدام الأسلحة النووية ستكون هائلة.
وإذا أخذنا في الاعتبار أنه سيكون للحرب مع إيران، تأثيرات على إنتاج النفط في العراق والكويت والإمارات وقطر والسعودية وسلطنة عُمان، فهذا يعني أنه سينشأ احتمال بأن يواجه العالم قدرة إنتاجية سلبية يمكن أن تصل إلى عشرين بالمئة. من هنا خطر الارتفاع الصاروخي لأسعار النفط، وتالياً انعدام الاستقرار في أسواق النفط العالمية، وما قد يستتبع ذلك من حالات إفلاس تصيب قطاع رجال الأعمال الأميركيين بسبب التضخم الناتج من تجاوز أسعار النفط عتبة 150-200 دولاراً للبرميل الواحد على مدى فترة زمنية متواصلة.
إن النزاع المتفاقم بين أميركا وإيران، هو نزاعٌ وُلد في إسرائيل أولاً، وهو يستند إلى زعم إسرائيلي بأن إيران تشكل خطراً على إسرائيل، وأن إيران تملك برنامجاً لصنع السلاح النووي. لم تتبين صحةُ أيٍ من هذين الزعمين، بل تبين أن الكثير من الادعاءات الإسرائيلية بحق إيران كانت كاذبة.
إن السلاح النووي الإسرائيلي “الموضوع في القبو”، حسب السردية العبرية، هو نوع من السرّ المثير للرعب يحوم مثل طائر الشؤم فوق إيران وجوارها العربي في الشرق الأوسط.
وفي معرض التنبيه إلى التداعيات الخطيرة لاستمرار النزاع بين إسرائيل وإيران، قامت مجموعة من 21 دولة عربية وإسلامية بإصدار نداء يدعو إلى “إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، وتعني كل دول المنطقة بلا استثناء”. وحمل النداء توقيع السعودية ومصر وتركيا وقطر وحتى باكستان التي تملك سلاحاً نووياً وليست عضواً في معاهدة حظر الانتشار النووي.
طبعاً النداء الإسلامي، على أهميته، سوف يبقى من دون ترجمة عملية لكنه يكشف حالة الخوف التي تكبر في ظل وجود برنامج نووي عسكري إسرائيلي في ديمونا في صحراء النقب. ويضم هذا البرنامج حسب التقارير الاستخبارية، مصنعاً لإنتاج البلوتونيوم مرتبط بالتسلح. ويخشى العديد من الخبراء والباحثين السياسيين من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى مردود عكسي في شأن منع انتشار السلاح النووي، باعتبار أن العدوان هذا يمثل تهديداً وجودياً، ولا يترك لإيران أمام إسرائيل نووية تتجنب توقيع معاهدة عدم الانتشار النووي، سوى خيار إنتاج كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع سلاح نووي، علماً أن السعي إلى السلاح النووي في السياق الجيوسياسي الحالي، قد يكون ضمانة أمنية، لكنه ينطوي أيضاً على مخاطرة كبيرة.
في الخلاصة، هيبةُ أميركا وموقعها على الصعيد العالمي لحقت بهما أصلاً أضرار كبيرة بسبب فشل استراتيجيتها للهيمنة على العالم تحت ستار “الحرب على الإرهاب”. وبالتالي قرار خوضها حرباً ضد إيران لمساندة إسرائيل التي تحاول باستهدافها النظام الإيراني ومشروعه النووي، التغطية على حرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، لن تُساهم سوى في خسارة بقية من نيات طيبة يكنّها العالم لأميركا، فضلاً عن الضرر الذي سيلحق بمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي.