داغان يُقيّم نتنياهو قبل 10 سنوات: يجرّنا إلى الهاوية لأهداف شخصية (130)

في الحلقة الأخيرة من كتابه "انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية"، يُسلّط الكاتب رونين بيرغمان الضوء على كلام رئيس "الموساد" السابق مائير داغان في العام 2016 وفيه يقول إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجر الكيان الصهيوني إلى الهاوية دفاعاً عن مصالحه الشخصية، وكأنه بكلامه يُحاكي ما يجري منذ "طوفان الأقصى" حتى يومنا هذا.

يقول رونين بيرغمان إن “نظام الملالي” في طهران أراد بشدة صنع قنبلة ذرية لتحويل إيران إلى قوة إقليمية ولتأكيد استمرارية احكام قبضته على البلاد. في المقابل، فإن عمليات القتل المتعمد (الاغتيال) التي نفذتها إسرائيل ضد علماء نويين إيرانيين إلى جانب بث فيروسات في البرنامج النووي الإيراني وفرض عقوبات دولية، كل ذلك وضع إيران في أزمة اقتصادية حادة هدّدت باسقاط النظام برمته. هذه العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما (بما فيها شطب إيران من نظام “السويفت” النقدي العالمي) كانت قاسية إلى درجة أنها في أغسطس/آب 2012، قدّر رئيس وحدة “الرمح” الاستخبارية الإسرائيلية أنّه لو استطاع اقناع الولايات المتحدة باتخاذ تدابير اقتصادية قليلة إضافية فإن الاقتصاد الإيراني كان على وشك الإفلاس في نهاية هذا العام تقريباً وتوقع لو حصل ذلك “ان الوضع سيجعل الجماهير الإيرانية تنزل إلى الشوارع وكان من المتوقع حينها أن يتم اسقاط النظام الإيراني”.

يضيف بيرغمان أن بنيامين نتنياهو لم يوقف عملية التحضير لشن حرب مفتوحة على إيران، وليس واضحاً ما إذا كان نتنياهو ينوي فعلاً أن ينفذ الخطة، بحسب قول وزير دفاعه حينها ايهود باراك الذي يقول “لو كان الأمر عائداً إليَّ لكانت إسرائيل شنّت الحرب”، ولكن كان هناك آخرون يعتقدون أن نتنياهو – الذي تعود له الكلمة النهائية في الأمر – كان يريد أن يجعل أوباما يعتقد أنه ينوي شن الحرب من أجل الضغط على يد أوباما ليقوده إلى الاستنتاج أن الحرب حتمية لجعله ينخرط فيها، وعندها سيكون من الأفضل لأميركا أن تشن هي الحرب أولاً من أجل أن تتحكم بموعدها.

يتابع بيرغمان أن الولايات المتحدة كانت تخشى أن يؤدي أي هجوم “إسرائيلي” على إيران إلى ارتفاع مخيف في أسعار النفط وأن تعم الفوضى كل أرجاء الشرق الأوسط ما يؤدي إلى تضرر فرص الرئيس الأميركي في إعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. وقدّرت الإدارة الأميركية أنه من المرجح أن تقوم “إسرائيل” بالهجوم في وقت قريب فراقبت كل خطوة “إسرائيلية” بقلق بالغ، وأصبحت أية مناورة ينفذها أحد ألوية الجيش الإسرائيلي مصدراً للتفسير أن الهجوم على إيران بات حتمياً.

وفي يناير/كانون الثاني، التقت السيناتورة الأميركية دايان فاينستاين في مكتبها بواشنطن مع رئيس “الموساد” تامير باردو وطلبت منه أن يشرح لها السبب وراء تحركات اللواء 35 التي التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية. لم يكن باردو حينها يعلم أي شيء عن التدريب الروتيني لهذا اللواء، ولكنه لاحقاً أنذر نتنياهو بأن الضغط المتواصل على الولايات المتحدة سيؤدي إلى تدابير دراماتيكية ليست من النوع الذي يريده نتنياهو. واعتقد باردو حينها أن ممارسة المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على إيران لمدة عامين إضافيين من شأنه أن يجعل إيران تستسلم وتقبل بالتخلي عن برنامجها النووي. لكن نتنياهو لم يصغ له وأمره بمواصلة عمليات الاغتيال كما أمر الجيش “الإسرائيلي” بمواصلة التحضير للهجوم العسكري.

في ديسمبر/كانون الأول 2012، كان “الموساد” جاهزاً لتصفية عالم نووي إيراني آخر، وفيما كانت العملية في طريقها للتنفيذ، وافق أوباما، الخائف من أعمال “إسرائيل”، على اقتراح إيراني بعقد مفاوضات سرية في العاصمة العمانية مسقط، بحسب ما ينقل بيرغمان عن ضابطة رفيعة المستوى في “الموساد”، وأضافت “لم يخبرنا الأميركيون أبداً عن هذه المحادثات ولكنهم فعلوا كل شيء لجعلنا نعرف بها”، وقد أوصت هذه الضابطة رئيسها تامير باردو بالوقف الفوري لخطة الإغتيال قائلة: “يجب ألا نفعل ذلك في الوقت الذي تكون فيه عملية سياسية جارية”، وقد وافقها باردو الرأي وطلب من نتنياهو الإذن بوقف كل حملة الاغتيالات طالما أن المحادثات الأميركية الإيرانية جارية.

دعا داغان “الإسرائيليين” في مهرجان جماهيري أقيم في تل أبيب قبيل الانتخابات في مارس/آذار 2015 إلى عدم التصويت لنتنياهو وخاطب رئيس الوزراء بالقول “كيف يمكنك أن تكون مسؤولاً عن مصيرنا إذا كنت تخاف من تحمل المسؤولية إلى هذه الدرجة؟ لماذا يسعى شخص ما إلى تولي القيادة إن لم يكن يريد أن يقود؟ وكيف يُمكن لبلد أقوى بمرات عديدة من كل الدول في المنطقة أن لا يكون قادراً على القيام بخطة استراتيجية لتحسين الوضع؟ الجواب سهل جداً: لأنه لدينا قائد خاض قتالاً واحداً – قتال من أجل بقائه الشخصي. ومن أجل هذه الحرب فإنه جرّنا إلى هاوية أن نصبح دولة بجنسيتين – إنها نهاية الحلم الصهيوني”

ويتابع بيرغمان، من المنطقي التقدير أنه لو تأخرت المحادثات عامين إضافيين لأتت إيران إلى المفاوضات بوضع أضعف بكثير، ولكن مع ذلك فإن الاتفاق الذي وقّعته إيران أخضعها لعدد من المطالب التي كان آيات الله يرفضونها لسنوات، فقد وافقت إيران بموجب الاتفاق على تفكيك البرنامج النووي تقريباً بشكل كامل وأن تخضع لتدابير صارمة تحت مراقبة قوية لعدة سنوات قادمة. ويقول بيرغمان نقلاً عن رئيس “الموساد” السابق مائير داغان أن الاتفاق شكّل انتصاراً مزدوجاً؛ فقد حقّقت استراتيجيته لخمس سنوات ضد إيران العديد من أهدافها، وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو فهم أن شن هجوم على إيران فيما المفاوضات جارية سيكون صفعة في وجه الأميركيين لا يتحملونها، لذلك، قرّر تأجيل الهجوم مراراً وتكراراً، وعندما جرى توقيع الاتفاق ألغى الهجوم، على الأقل، في المستقبل القريب.

إقرأ على موقع 180  عدنان ياسين "الإستثمار الإستثنائي" لـ"الموساد" (62)

لكن ذلك لم يكن كافياً لارضاء مائير داغان، فقد كان يشعر بالمرارة والاحباط للطريقة التي أخرجه فيها نتنياهو من رئاسة “الموساد”، ولم يرد أن يترك هذا الأمر يمر بسهولة، ففي يناير/كانون الثاني 2011 وفي اليوم الأخير من ولايته على رأس الجهاز، دعا مجموعة من الصحافيين إلى مقر قيادة “الموساد”، وفي خطوة غير مسبوقة – وأمام دهشة الصحافيين – انتقد رئيس “الموساد” رئيس الوزراء ووزير الدفاع بشدة. ولكن بعد كلامه قامت الضابطة المسؤولة عن الرقابة العسكرية على الصحافة، وهي إمرأة برتبة عميد، وأعلنت أن كل ما قاله داغان عن خطط “إسرائيل” لمهاجمة إيران يقع تحت خانة “سري للغاية”، ولا يُمكن نشره في وسائل الإعلام الإسرائيلية.

ولكن عندما رأى داغان أن الرقابة العسكرية منعت كل ما قاله من النشر، قام بتكرار الكلام نفسه في مؤتمر عقد في جامعة تل أبيب في يونيو/حزيران أمام المئات من المشاركين، وهو يعلم أن شخصاً بوضعيته لا يُمكن محاكمته. كان نقد داغان لنتنياهو شخصياً وحاداً للغاية ولكنه كان أيضاً نابعاً من التغير في المواقف الذي عاشه في سنواته الأخيرة على رأس الجهاز، وهو تغير أكثر أهمية من قتاله الشرس مع رئيس الوزراء حول المشروع النووي الإيراني. كان داغان و(أرييل) شارون إلى جانب الكثير من زملائهم في المؤسستين العسكرية والاستخبارية يعتقدون لسنوات طويلة أن كل شيء بالامكان حلّه بالقوة وأن الطريقة الصحيحة لمواجهة الصراع العربي “الإسرائيلي” هو بـ”ابعاد العرب عن تفكيرهم” ولكن ذلك كان مجرد وهم ولكنه كان شائعاً في ذلك الوقت.

يتابع بيرغمان، أن أجهزة “الموساد” و”أمان” و”الشين بيت” التي يعتقد أنها أفضل أجهزة استخبارية في العالم، لطالما زوّدت قادة “إسرائيل” بردود فعل عملياتية لكل مشكلة طُلبَ منهم حلها. هذه النجاحات الاستخبارية عززت الوهم عند معظم القادة “الإسرائيليين” أن العمليات السرية يمكن أن تكون أدوات استراتيجية وليست أدوات تكتيكية..

ويمضي بيرغمان بالقول إن القصص عن عمليات أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” التي تضمنها هذا الكتاب، كانت سلسلة طويلة من النجاحات التكتيكية المثيرة للإعجاب ولكنها كانت في الوقت نفسه إخفاقاً استراتيجياً كارثياً.

وفي آخر أيام حياته، فهم داغان، كما فهم قبله شارون، هذه الحقيقة ووصل إلى استنتاج أن الحل السياسي مع الفلسطينيين – حل الدولتين – فقط بامكانه انهاء 150 عاماً من الصراع، وأن سياسات نتنياهو ستفضي إلى دولة مزدوجة الجنسية للعرب واليهود وأن ذلك سيُشكل خطراً على الحلم الصهيوني بدولة ديموقراطية وستكون قائمة على القمع الداخلي العنيف وإن كانت ذات أغلبية يهودية.

ودعا داغان “الإسرائيليين” في مهرجان جماهيري أقيم في تل أبيب قبيل الانتخابات في مارس/آذار 2015 إلى عدم التصويت لنتنياهو وخاطب رئيس الوزراء بالقول “كيف يمكنك أن تكون مسؤولاً عن مصيرنا إذا كنت تخاف من تحمل المسؤولية إلى هذه الدرجة؟ لماذا يسعى شخص ما إلى تولي القيادة إن لم يكن يريد أن يقود؟ وكيف يُمكن لبلد أقوى بمرات عديدة من كل الدول في المنطقة أن لا يكون قادراً على القيام بخطة استراتيجية لتحسين الوضع؟ الجواب سهل جداً: لأنه لدينا قائد خاض قتالاً واحداً – قتال من أجل بقائه الشخصي. ومن أجل هذه الحرب فإنه جرّنا إلى هاوية أن نصبح دولة بجنسيتين – إنها نهاية الحلم الصهيوني”.

وصرخ داغان أمام الآلاف من الجموع: “لا أريد دولة بجنسيتين. لا أريد دولة فصل عنصري. لا أريد أن أحكم الملايين من العرب. لا أريد أن نبقى رهائن الخوف واليأس والحائط المسدود. أعتقد أن الوقت قد حان لكي نستيقظ، وآمل أن لا نبقى كإسرائيليين رهائن للخوف والقلق يتحكمان بنا ليلاً ونهاراً”. ومع الاشارات التي كانت تدل على إصابته بالسرطان، ختم داغان كلمته والدموع تنهمر من عينيه قائلاً: “إنها أكبر أزمة قيادة تعيشها الدولة في كل تاريخها. إننا نستحق قيادة تُحدّد لنا نظام أولويات جديداً. قيادة تخدم الشعب ولا تخدم نفسها”. لكن كل جهوده كانت بلا جدوى، فبرغم التقدير العالي الذي كان يتمتع به كأفضل رئيس استخبارات في “إسرائيل” لاقى نداؤه، كما نداء العديد من رؤساء أجهزة الاستخبارات والقيادات العسكرية لتحقيق تسوية ما مع الفلسطينيين ولتحسين علاقات “إسرائيل” مع العالم الخارجي، كل ذلك لاقى فقط الأذن الطرشاء.

لقد عاشت “إسرائيل” في ذلك العقد من الزمن تغيرات جذرية، فقد تراجعت إلى حد كبير قوة النخب القديمة، بما فيها الجنرالات وتأثيرهم على الرأي العام، وحلّت محل هؤلاء نخب جديدة من اليهود في الأراضي العربية والأرثوذكس (اليهود المتشددون) والجناح اليميني. وينقل بيرغمان عن داغانقوله له بأسى شديد في آخر مكالمة هاتفية بينهما قبل أسابيع قليلة من وفاته في منتصف مارس/آذار 2016 “إعتقدت أنني سأكون قادراً على أن أصنع فرقاً باقناعهم لكنني فوجئت وخاب أملي”.

الانقسام بين جنرالات الحرب، الذين “كانت السكين دائماً بين أسنانهم” ولمسوا حينها حدود القوة؛ هذا الانقسام بينهم وبين غالبية شعب “إسرائيل” كان الحقيقة المحزنة التي توصل إليها مائير داغان في آخر أيام حياته.

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  وساطة قطر النووية بضوء أخضر أميركي.. ما هو رد طهران؟