العودة إلى “غزة أولاً”.. تسويات أوسع أم جبهات جديدة؟

هناك شبه إجماع على أن وقف النار وتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، هو الجزء الأسهل من الخطة التي تتضمن 20 بنداً. أما تثبيت وقف النار بما يشكل وقفاً تاماً للحرب المستمرة منذ عامين، فذاك هو التحدي الأكبر الذي يواجهه ترامب. وبحسب التجارب السابقة، لا يوجد يقين بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لن ينكث بتعهداته مجدداً ويستأنف العمليات العسكرية، بعد أن يستعيد كل الأسرى الإسرائيليين، الأحياء منهم والقتلى.

وحده ترامب، في نظر الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب وبقية المجتمع الدولي، قادر على منع نتنياهو من استئناف القتال، مثلما ما منعه من ضم الضفة الغربية أو معظمها، رداً على اعترافات دول أوروبية مؤخراً بدولة فلسطين، ومثلما أجبره على الاعتذار من قطر لقصفه الدوحة في 9 أيلول/سبتمبر بهدف قتل قادة “حماس” الذين عادت إسرائيل لتفاوضهم إسرائيل بشكل غير مباشر في أحد فنادق شرم الشيخ على مدى ثلاثة أيام.

ناحية مهمة، ركزت عليها الصحف الغربية المواكبة للمفاوضات، وهي أن الاختراق الفعلي تحقق بعدما تدخل ترامب عبر صهره جاريد كوشنر، مقترحاً أن تبدأ إسرائيل الانسحاب من غزة قبل بدء عملية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. وشكّل هذا العامل دفعاً واضحاً لعملية التفاوض، التي كان من المتوقع أنها في حاجة إلى خمسة أيام أخرى للتوصل إلى اتفاق.

تثبيت وقف النار الذي سيشرف عليه 200 جندي أميركي، وتواكبه زيارة ترامب لإسرائيل ومصر، قد يقنع “حماس” والدول العربية والإسلامية “الضامنة”، بأن الرئيس الأميركي يزمع فعلاً تنفيذ ما أمكنه من الخطة العشرينية، أملاً في أن يكون ذلك منطلقه إلى ما دعا إليه مراراً من توسيع للاتفاقات الإبراهيمية وضم أكبر عدد من دول المنطقة إليها.

عراقجي: “قبل ثلاثة أو أربعة أيّام على ما أعتقد، جرى اتصال هاتفي بين نتنياهو وبوتين وقال الأول خلاله للثاني إنه لا نية لديه لاستئناف الحرب مع إيران”

إنها.. الدوحة!

أين كانت بداية التغيير في مواقف ترامب؟

لا شك أن نتنياهو أقترف خطاً جسيماً، وليس الأول من نوعه، عندما قصف الدوحة. ذاك التصرف أغضب ترامب لأن ارتدادات القصف، هزّت إلى حد كبير ثقة دول مجلس التعاون الخليجي في التعهدات الأميركية بالدفاع عن دول المجلس، وولّدت خوفاً واضحاً من هيمنة إسرائيل على المنطقة، بديلاً من هيمنة إيران المشكو منها على مدى عقود.

إضطر ترامب لترميم بعض من الثقة المفقودة، إلى توقيع مرسوم استثنائي يعتبر أن أي هجوم آخر على قطر، يعتبر هجوماً على الولايات المتحدة نفسها. وتلا ذلك اجتماع وصفه الرئيس الأميركي بأنه “أهم اجتماع يعقده على الإطلاق” مع ثماني دول عربية وإسلامية في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة. وسلم ترامب الخطة الأميركية التي كانت مؤلفة وقتذاك من 21 بنداً وباتت 20 بنداً بعد اعتذار نتنياهو لقطر.

الخطة ذاتها عرضها ترامب بعد يومين في البيت الأبيض على نتنياهو، الذي أدخل عليها تعديلات، بحيث أتت متماشية مع مطالبه بأن لا يتضمن النص إية إشارة صريحة إلى قيام دولة فلسطينية، مع تبني لغة جازمة بالنسبة إلى ضرورة تخلي “حماس” عن السلطة والسلاح. وفوجئت الدول الثماني بالتعديلات، وطلبت إيضاحات من واشنطن.

وعلى العموم، لقيت الخطة تأييداً عربياً ودولياً، وفتحت موافقة “حماس” عليها الطريق نحو التنفيذ، وشرع ترامب في الحديث عن “أمر لا يتعلق بغزة فقط” وإنما بتحقيق سلام أوسع في الشرق الأوسط.

وماذا عن إيران؟

اللافت للانتباه أن ترامب في سياق تعداده للدول التي وافقت على خطته بشأن غزة أدرج إيران من ضمنها، وأدلى بتصريحين في هذا الشأن، مرة بأن طهران بعثت بـ”إشارة إيجابية جداً” حول موافقتها على الخطة، ومرة ثانية بقوله إن إيران “ستكون في الواقع جزءاً من وضع السلام برمته”.

في المقابل، كان لافتاً للانتباه بروز موقفين إيرانيين في الساعات الأخيرة عبّر عن أحدهما وزير الخارجية عباس عراقجي الذي كشف في حوار تلفزيوني أن بلاده تلقت رسالة روسية مفادها أن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة جديدة مع طهران، وقال عراقجي: “قبل ثلاثة أو أربعة أيّام على ما أعتقد، جرى اتصال هاتفي بين (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”، وأضاف: “قال نتنياهو إنه لا نية لديه لاستئناف الحرب مع إيران”، مشيراً إلى أن هذه الرسالة نقلت في إحاطة مُقدّمة للسفير الإيراني في روسيا. أما الموقف الثاني فقد عبّر عن حذر إيراني مبالغ به عندما قال علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، “إن بدء وقف النار في غزة، قد يشكل كواليس نهاية وقف النار في مكان آخر”، ملمحاً إلى جبهات العراق واليمن ولبنان.

وعندما يتحدث ترامب بثقة عن اعتزامه الدفع قدماً نحو السلام في الشرق الأوسط، فهو يأخذ في الاعتبار حالة التراجع في قوة إيران ونفوذها في المنطقة خلال العامين الماضيين، وخصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية في حزيران/يونيو والتي قصفت أميركا خلالها المنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، مضافاً إليها عودة العقوبات الأممية بعد تفعيل الترويكا الأوروبية “آلية الزناد” اعتباراً من الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

يبقى السلام بعيداً طالما لا توجد ضمانات بأن إسرائيل لن تفتح فعلاً جبهة أخرى في لبنان أو العراق أو تذهب إلى حد توجيه ضربة جديدة لإيران أو استمرت في الضربات والتوغلات داخل سوريا، بعدما عادت الدولة العبرية إلى اعتناق مبدأ الحروب الاستباقية، وهي سياسة قد يلجأ إليها نتنياهو للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي المتطرف “تعويضاً” عن وقف النار في غزة

بديهي، أن وقف النار في غزة يخلق ارتياحاً في المنطقة، لكن من دون بلوغ مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تعمل على إزالة آخر العقبات من أمام التوصل إلى اتفاق للتطبيع بين السعودية وإيران، لتنقلب الأمور رأساً على عقب بعد هجوم “حماس” والحرب الإسرائيلية.

إقرأ على موقع 180  التوتر الإيراني ـ الأذري.. من ينتهي تأثيره في القوقاز؟

ويبقى السلام بعيداً طالما لا توجد ضمانات بأن إسرائيل لن تفتح فعلاً جبهة أخرى في لبنان أو العراق أو تذهب إلى حد توجيه ضربة جديدة لإيران، أو استمرت في الضربات والتوغلات داخل سوريا، بعدما عادت الدولة العبرية إلى اعتناق مبدأ الحروب الاستباقية. وهي سياسة قد يلجأ إليها نتنياهو للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي المتطرف “تعويضاً” عن وقف النار في غزة.

وعلى سبيل المثال، لم تظهر حكومة نتنياهو اهتماماً بابرام الاتفاق الأمني مع النظام السوري الجديد، على رغم الضغط الأميركي في هذا الاتجاه. وذلك بعدما كبلت تل أبيب الاتفاق بسلسلة من الشروط التعجيزية. وطرحت تساؤلات عديدة حول أسباب عدم التوقيع على الاتفاق في أيلول/سبتمبر في نيويورك، كما روّج مسؤولون أميركيون في وقت سابق وبينهم السفير الأميركي إلى تركيا وبلاد الشام توم بّراك.

يثبت ذلك، أن السلام بمعناه الواسع لا يزال بعيداً. ويتعين على ترامب النجاح في “غزة أولاً” بعد أكثر من 30 عاماً على عملية أوسلو، التي بدأت من “غزة أولاً” وانتهت إلى فشل يعيش الفلسطينيون والمنطقة تداعياته إلى اليوم.

 أكثر من التقط هذا الواقع هو لجنة نوبل للسلام التي على رغم الإلحاح الأميركي، لم تمنح جائزتها لترامب بل ذهبت إلى زعيمة المعارضة الفنزويلية كورينا ماتشادو.

فهل يرد ترامب بفرض عقوبات على لجنة نوبل، لأنها أبقته دون مستوى ثيودرو روزفلت وودرو ويسلون وباراك أوباما وجيمي كارتر؟

كاتب العمود في صحيفة “النيويورك تايمز” توماس فريدمان، اقترح على اللجنة منح ترامب جائزتين بدل الواحدة، إن هو استطاع تنفيذ بقية بنود الخطة الأميركية!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  هيل يُلزم لبنان بمعادلة هوف الحدودية.. والمرسوم "إلى الجارور"!