على الرغم من كون الاتفاق يلبي جوهريًّا العديد من الحاجات الأمنية الإسرائيلية، وحتى بعض المعايير السياسية المرتبطة بمستقبل نظام الحكم في قطاع غزة، فإن مجموعةً من العوامل تتوزع ما بين السلوك الإسرائيلي المتغطرس، وحساسية الموقف السياسي الداخلي والمعادلات الانتخابية، إضافةً إلى الأطماع الاستراتيجية لليمين الصهيوني، الذي يجد في اللحظة الحالية فرصةً تاريخيةً لتثبيت التغيير المنشود في الشرق الأوسط وحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، تجعل الهوَّة بين الطموح الإسرائيلي والواقع المتشكِّل كبيرةً وتتسع يومًا بعد يوم.
وعلى خلاف كل هذه المؤشرات، فإن طريقة الإدارة الأمريكية – التي بدت في ملامحها الاستراتيجية خادمةً للمشروع الصهيوني– تحمل في طياتها العديد من المحاذير التي تظهر تباعًا، وتخلق معيقاتٍ باتت تُشكِّل عبئًا على صانع القرار الإسرائيلي، وقيدًا كبيرًا على حركة جيش الاحتلال التي تُريد لها الحكومة الإسرائيلية أن تكون مطلقةً بلا أية كوابح.
في هذا الإطار، تتمثل المحاولة الإسرائيلية المحمومة حاليًّا بإعادة ضبط البوصلة وتوحيد المسار، بحيث يكون بنيامين نتنياهو وحكومته المحدِّد الوحيد لشكل التعامل مع قطاع غزة، إضافةً إلى كونهم من يفرضون أجندة وتفاصيل النقاش في المرحلة التالية.
في الوقت ذاته، تجتهد المقاومة –وحركة “حماس” على نحوٍ خاص– لبلورة أدواتٍ وقواعد للتعامل مع المرحلة القادمة بكل ما تحمله من مخاطر ووقائع يحاول الاحتلال فرضها، ما يعني بلورة قواعد اشتباكٍ مضادةٍ لحرية الحركة الإسرائيلية، مع تقليص حجم المخاطرة إلى حدوده الدنيا لتجنُّب تفجير الاتفاق الهش أصلًا.
من يناير 2025 إلى أكتوبر 2025
كان اتفاق تهدئة يناير/كانون الثاني 2025 في قطاع غزة أكثر شمولًا وإغلاقًا لتفاصيل التفاصيل، ضمن مسارٍ متسلسلٍ يُفضي إلى وقفٍ شاملٍ وكاملٍ لإطلاق النار، وانسحابٍ إسرائيلي من غالبية أراضي قطاع غزة، وتبادلٍ للأسرى وفق مفاتيح مقبولةٍ نسبيًّا للمقاومة في قطاع غزة، ومعقولة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي. إلا أن معضلته الأساسية أنه لم يمنح نتنياهو المشهدَ الذي وعد جمهوره به كثيرًا، والمبني على جملته الشهيرة “النصر المطلق”.
هذا ما أوصل الاتفاق السابق إلى الانهيار الكامل بعد إنجاز المرحلة الأولى منه، والتي كانت ترتكز بدرجةٍ أساسيةٍ على تبادل الأسرى وإعادة انتشار جيش الاحتلال بما يسمح للنازحين بالعودة من جنوبي القطاع إلى شماليه، ضمن مرحليةٍ في تسليم أسرى الاحتلال مقابل التزام الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق.
يبقى مستقبل اتفاق غزة على المحك، وهذا صحيح، لكن الفيصل الرئيس هو الرغبة الأمريكية في الحفاظ على تماسك هذا الاتفاق، وهو ما تم تأكيده في التعامل مع الخرق الأول الواضح، ما يعطي إشارةً واضحةً إلى إمكانية بلورة قواعد اشتباكٍ جديدةٍ عبر مراكمةٍ ميدانيةٍ يمكن أن تدفع النقاش المستقبلي حول الوجود الإسرائيلي على أراضي قطاع غزة وتعميق الانسحاب إلى المضي قدمًا دون تعنُّت إسرائيلي كبير
في الواقع، فإن مجموعة كبيرة من المعطيات كان تتخلل المشهد في يناير/كانون الثاني، وقد تجمعت لدفع كل الأطراف إلى القبول بالاتفاق. فأما المقاومة، من حيث المبدأ، فكانت تركز على الوصول إلى اتفاقٍ وحاولت استثمار زخم موسم الانتخابات الأمريكية، وصولًا إلى زخم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، الذي كانت وعود وقف الحروب جزءًا من دعايته الانتخابية.
وأما الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكن رئيس حكومته جاهزًا للوصول إلى اتفاقٍ ينهي الحرب، فقد كان بحاجةٍ إلى تخفيض عدد الأسرى الأحياء في قطاع غزة، مضافًا إلى حاجته للهدوء لإتمام مجموعةٍ من التغييرات في المستويين العسكري والأمني (تغيير رئيسَي الأركان والشاباك)، كل هذا بالتوازي مع رغبة نتنياهو في تلافي الدخول في مسارٍ معاكس مع الرئيس الأمريكي العائد حديثًا إلى البيت الأبيض، والمصمم على الحصول على صورة الاتفاق كجزءٍ من سيمفونية التنصيب والعودة إلى المكتب البيضاوي، ودليلٍ على نجاعة استراتيجية “السلام عبر القوة” التي تحدث عنها فريقه كثيرًا في الأيام الأولى.
وفق النسق ذاته، كان التدخل الحاسم من ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص متعدد المهام، والتي تتضمن ملف الحرب في قطاع غزة، إذ انتزع الموافقة النهائية من بنيامين نتنياهو في مشهدٍ سورياليٍ طار فيه إلى “تل أبيب”، كاسرًا حرمة يوم السبت عند اليهود، ليخرج الاتفاق إلى النور.
حقق الاتفاق في مرحلته الأولى حاجة كلٍّ من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، وكانت شهوره الثلاثة مدةً كافية لإنجاز تفاهمٍ إسرائيلي–أمريكي جديد حول شكل حسم المواجهة في قطاع غزة، خصوصًا بعد أن تبنَّى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أطروحات التهجير الإسرائيلية، وبات ينظر إلى القطاع كفرصةٍ استثمارية، ويتحرك على قاعدة أن حسم المعركة لا يحتاج سوى إلى تفويضٍ أمريكيٍ أكبر مما منحه سلفه جو بايدن.
وعلى هذه القاعدة، نسف ويتكوف ذاته كلَّ مسارات التفاوض اللاحقة، مؤمِّنًا الغطاء الكامل لإطلاق عمليات “عربات جدعون2” العدوانية، التي هدفت إلى إنجاز تدمير كل بنية قطاع غزة، ودفع السكان تدريجيًّا نحو جنوبي القطاع أو السجن الكبير المفترض في مدينة رفح، كبوابةٍ للتهجير القسري الجمعي لسكان القطاع.
أنجز الجيش الإسرائيلي ما احترف فعله منذ بداية الحرب، وأجهز على ما تبقَّى من بنيةٍ عمرانيةٍ وحضريةٍ في 70% من مساحة القطاع، وحشر كل السكان فيما تبقى من مساحةٍ ضيقة، ضمن ثلاثة معازل جغرافية: غرب مدينة غزة، المخيمات الوسطى، وغرب مدينة خان يونس بمنطقة المواصي.
لم تفلح هذه المرحلة في دفع حركة “حماس” إلى إطلاق سراح ما تبقَّى من الأسرى الأحياء دون أي ثمنٍ مقابل، خصوصًا إنهاء الحرب كمدخلٍ رئيسي، وبات الجميع أمام استحقاقٍ مفصليٍّ: إما اتفاقٌ جدي، وإما تصعيدٌ للعدوان، وهو ما دفع الولايات المتحدة لحصر المسارات في خيارين: الحل الشامل أو الحسم الشامل.
وفي الوقت الذي لم يكن نتنياهو قد استعد لمفترق الطرق هذا، كان وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر يعي تمامًا أن الهامش الزمني المتاح من الإدارة الأمريكية آخذٌ في التقلص تدريجيًّا، وهو هامش زمني يتفق عليه ديرمر نفسه وحتى نتنياهو، بكون عمر الحرب الافتراضي سيصل إلى نهايته مع نهاية العام، لاعتباراتٍ متعددة، خارجيةٍ وداخلية، بما فيها معادلات الانتخابات ودورات الكنيست الإسرائيلي.
ومن هذا المنطلق، وبخلافٍ واضحٍ وعلنيٍ مع جيش الاحتلال وتقديراته حول مصير من تبقَّى من الأسرى الأحياء، كان التوجه الإسرائيلي الرسمي نحو إطلاق المرحلة الثانية من العمليات العدوانية، والتي تستهدف القضاء على ما تبقَّى من مدينة غزة، القلب الاقتصادي والإداري للقطاع، وآخر الأحياء التي ما تزال مأهولةً شمالي وادي غزة.
كان الجميع يَعي أن التكلفة الناتجة عن هذه العملية ستكون أعلى من قدرة أي طرفٍ على التحكم في تجليات ما بعدها وآثارها وخلاصتها، خصوصًا أنها ستتضمن قتل نصف الأسرى الأحياء، كما ستُفقد “حماس” أيةَ قيمةٍ مستقبليةٍ لأي اتفاقٍ، وستدخلها في بوابةٍ صفرية الحسابات والخيارات، ما يعني مصيرًا مجهولًا للنصف الثاني من الأسرى، وكذلك لاستراتيجية الحركة القتالية التي ستنتقل لأطوارٍ أخرى ذات بُعدٍ استنزافيٍّ طويل الأمد يتجاوز محاولات الوصول إلى اتفاقيات.
أيقظ هذا التدخل التفصيلي لدى الاحتلال حقيقةً جديدة: أنه لن يكون المتحكم بجدول الأعمال القادم وحده، وأن التأثير الأمريكي وأطروحات أطراف إقليمية ذات صلة بالمقاومة، وكذلك قراءة واقعية أكثر للوقائع في قطاع غزة (مثل دور مصر وقطر وتركيا)، ستُفضي إلى منعرجات لا تعالج بالضرورة التفاصيل التفصيلية التي تطلبها “إسرائيل” بشأن استكمال أهداف الحرب، وخصوصًا نزع السلاح وتفكيك البنية الوطنية في قطاع غزة
ما بين المرحلة الأولى والثانية
يركز كثيرون على أن الاتفاق لن يتجاوز مرحلة تبادل الأسرى، خصوصًا وأن السوابق الإسرائيلية في هذا الإطار واضحة، وتهدف إلى إفراغ أي اتفاق من مضمونه وتركيزه على المكاسب الإسرائيلية، والتي في هذه الحالة مرتبطة بدرجةٍ أساسيةٍ بمكسب الحصول على أسرى أحياء.
إلا أن هذا الطرح لا يتقاطع مع معطيين أساسيين: المعطى الأول مرتبطٌ بالتعامل الحمساوي مع الاتفاق وتطبيقه، إذ تحرص الحركة حتى الآن على عدم ترك أية مساحة لأي ادعاءٍ إسرائيلي يمكن أن يُشكل سرديةً لاستئناف الحرب، وتحافظ على تواصلٍ لحظي وتفصيلي مع الوسطاء، حتى أنها لجأت إلى العمل على الاستخراج العلني بعض جثث القتلى الإسرائيليين المحتجزة، وبثّ هذه الجهود عبر القنوات والفضائيات؛ والمعطى الثاني، وهو الأهم، أن الإدارة الأمريكية ترى في اكتمال هذا الاتفاق ثمرةً مهمةً يجب تحقيقها، وفق قناعة ترامبية (غير واقعية بطبيعة الحال) بأنها تدشن مسارًا لإنهاء النزاع في المنطقة، وقد تفضي إلى إحياء نشط لمسار التطبيع وتوسيع اتفاقيات “أبراهام”.
وفي هذا السياق، وضعت إدارة ترامب قيودًا على نفسها كان هدفها الرئيس تعظيم الضغط على حركة “حماس” للموافقة على العرض الأمريكي، إلا أنها بقدر ما ضغطت على الحركة، بقدر ما منحتها شعورًا بوجود أوراق التزامٍ أميركية دولية، لا سيما بعد التوافق مع ثماني دول إسلامية وعربية في نيويورك، ومن ثم ما يقارب عشرين دولة في شرم الشيخ.
تحول هذا التوسع في المشاركة والإشراف تدريجيًّا إلى عامل ضغط على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرى في هذا الانخراط التفصيلي الأمريكي في المعالجات على الأرض ومتابعة مجريات الاتفاق إخراجًا لزمام التحكم من يده إلى يدٍ أمريكية مشتركة مع حلفاء إقليميين.
في الإطار ذاته، أشعلت مجموعة مواقف تبنَّاها الرئيس الأمريكي تجاه بعض التطورات على الأرض صفارات إنذار لدى رئيس وزراء الاحتلال وفريقه، إذ تضمّنت هذه المواقف تبنيًا أو قبولًا بمبررات “حماس” بشأن بعض التطورات، سواءٌ على صعيد المعالجات الأمنية في القطاع، أو تأخر استخراج الجثث، أو حتى الحدث الأمني في رفح.
صفارات الإنذار هذه مرتبطة بدرجةٍ أساسيةٍ بإدراك الاحتلال أن قناة التغذية المعلوماتية بشأن الوضع في قطاع غزة، بل وحتى الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ككل، لم تعد إسرائيليةً حصريًّا، بل انفتحت على لاعبين آخرين صاروا أكثر انخراطًا، وعلى رأسهم اللاعب التركي والرئيس رجب طيب أردوغان، الذي منحه ترامب مساحةً مهمةً وإقرارًا بالحضور والنفوذ في معادلات الشرق الأوسط، وتجلَّت صورته في جلوسه على رأس طاولة الاجتماعات في نيويورك.
أيقظ هذا التدخل التفصيلي لدى الاحتلال حقيقةً جديدة: أنه لن يكون المتحكم بجدول الأعمال القادم وحده، وأن التأثير الأمريكي وأطروحات أطراف إقليمية ذات صلة بالمقاومة، وكذلك قراءة واقعية أكثر للوقائع في قطاع غزة (مثل دور مصر وقطر وتركيا)، ستُفضي إلى منعرجات لا تعالج بالضرورة التفاصيل التفصيلية التي تطلبها “إسرائيل” بشأن استكمال أهداف الحرب، وخصوصًا نزع السلاح وتفكيك البنية الوطنية في قطاع غزة.
سيحاول الاحتلال الإسرائيلي قدر الإمكان الإبقاء على كل مفاعيل الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وأن يُبقي على وتيرة الاعتداءات العسكرية المباشرة وغير المباشرة على القطاع، فيما ستحاول حركة “حماس” قدر الإمكان التأجيل والمماطلة في النقاش الفعلي والجدي لبند نزع السلاح، وستضغط للتعجيل بإنجاز بند إدارة قطاع غزة للتخلُّص من مسؤوليته من جانب، وحرمان الاحتلال الإسرائيلي من مدخلٍ لتوسيع العدوان من جانبٍ آخر
وبناءً عليه، تسارع “إسرائيل” ميدانيًّا لتثبيت حرية حركة جيشها على الأرض وتأكيد سيطرتها الأمنية على مفاصل الأوضاع في القطاع، وذلك أولًا عبر الاعتداءات اليومية بالنيران والقذائف على من يحاول العودة إلى مناطق سكنه قرب خطوط الانسحاب (الخط الأصفر)، أو عبر المماطلة والابتزاز الإنساني في ملف المعابر، وبالأخص معبر رفح الذي يُفترض أن يكون خارج السيطرة الإسرائيلية المباشرة ويدار تشاركيًّا عبر الفلسطينيين والمصريين برقابة أوروبية وفق بروتوكول 2005.
هذه المسارعة الإسرائيلية تستبق أية معالجات أمريكية قد تتحوَّل إلى قيدٍ أكبر على تحرُّكها، وتُخرج المزيد من الأوراق من يد الحكومة الإسرائيلية، وتُنهي بشكل أو بآخر على الحاجة والطموح الإسرائيلي في سيطرة أمنية طويلة الأمد على قطاع غزة.
لغة الميدان
لا يخشى الاحتلال من خلاف استراتيجي في الأهداف بينه وبين الولايات المتحدة، إلا أنه يخشى من ضعف وركاكة اهتمام الإدارة الأمريكية الحالية بالتفاصيل، وإمكانية تأثرها السريع بلاعبين آخرين، ما يفرض عليه التحرك بخفةٍ وعبر مساراتٍ متعددة، بما في ذلك الاستعانة بالقيادة الوسطى في الجيش الأمريكي لتمرير معالجاتٍ تحاول تجاوز أي خلافٍ علني مع الرئيس الأمريكي أو الذهاب في مسارٍ تصادمي، وهو ما يجعله –أي الاحتلال– يحاول إجراء معالجات عبر جهات فنية وتخصصية أمريكية عسكرية وأمنية تفهم متطلباته.
في المقابل، تدرك حركة “حماس” تمامًا أن المعادلة القادمة لن تخلو من حرية الحركة الإسرائيلية، كما ترى في كل تحركات جيش الاحتلال الميدانية فرضًا لقواعد اشتباكٍ ميدانيةٍ يريد عبرها جيش الاحتلال الاستمرار في استنزاف قدرات المقاومة والمجتمع الغزي مجانًا ودون أي ثمنٍ مقابل، في محاولة لدحرجة نموذجٍ أكثر حدة مما يجري في جنوب لبنان وبقاعه.
يتطلب هذا في المقابل مواجهةً عبر تطوير ودحرجة قواعد اشتباكٍ مضادة، تُحوِّل أولًا بقاء الاحتلال على أكثر من 50% من مساحة القطاع إلى بقاء مُرهِق ومُستنزِف، وثانيًا تحويل خروقات الاحتلال إلى خروقات بثمن مقابل من دماء وأرواح جنود الاحتلال.
وبالطبع لا يمكن الجزم، لكن يمكن الافتراض أن ما حدث في رفح كان نوعًا من محاولة الحركة بلورة شكلٍ جديدٍ من أشكال الاستنزاف دون تحمُّل مسؤولية مباشرة، وأن الاحتلال قد قرأ هذا الأمر وفضَّل الرد عليه بشكل مبالغ فيه، برسالة بالنار مفادها أنه لن يقبل بهذا الأمر.
في المحصلة، ما بين المعادلتين، يبقى مستقبل اتفاق غزة على المحك، وهذا صحيح، لكن الفيصل الرئيس هو الرغبة الأمريكية في الحفاظ على تماسك هذا الاتفاق، وهو ما تم تأكيده في التعامل مع الخرق الأول الواضح، ما يعطي إشارةً واضحةً إلى إمكانية بلورة قواعد اشتباكٍ جديدةٍ عبر مراكمةٍ ميدانيةٍ يمكن أن تدفع النقاش المستقبلي حول الوجود الإسرائيلي على أراضي قطاع غزة وتعميق الانسحاب إلى المضي قدمًا دون تعنُّت إسرائيلي كبير.
وسيتحول هذا المسار إلى المسار الأوسع في خلال الفترة القادمة، خصوصًا مع حاجة كل من بنيامين نتنياهو وحركة “حماس” إلى إطالة أمد المرحلة الأولى، خشية منهما لاستحقاقات المرحلة الثانية، وفي الوقت ذاته انعدام رغبة أي منهما في العودة إلى الحرب بزخمها الإبادي.
سيحاول الاحتلال الإسرائيلي قدر الإمكان الإبقاء على كل مفاعيل الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وأن يُبقي على وتيرة الاعتداءات العسكرية المباشرة وغير المباشرة على القطاع، فيما ستحاول حركة “حماس” قدر الإمكان التأجيل والمماطلة في النقاش الفعلي والجدي لبند نزع السلاح، وستضغط للتعجيل بإنجاز بند إدارة قطاع غزة للتخلُّص من مسؤوليته من جانب، وحرمان الاحتلال الإسرائيلي من مدخلٍ لتوسيع العدوان من جانبٍ آخر.
