جورج قرم لـ 180post: التفتيت الإقليمي قائم.. ونقترب عالمياً من إزاحة الدولار (2/1)

يرفض جورج قرم نظرية إنكفاء الإمبراطورية الأميركية. هناك أذرع أميركية، ولا سيما منها "القوى الناعمة". نحن في خضم مرحلة دولية جديدة. إنتهى زمن الثنائية القطبية التي كانت سمة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كذلك، إنتهت مرحلة الأحادية القطبية التي ميزت الحقبة التي تلت إنهيار الإتحاد السوفياتي حتى الآن. إذا أمكن إزاحة الدولار الأميركي كعملة مسيطرة على الإقتصاد العالمي بالكامل، "وهو إحتمال تتقدم حظوظه تدريجياً. يتوقف قرم عند بروز الصين كقوة عالمية واعدة إقتصاديا. ثمة توازن قوى بين الصين أكبر مكتتب في سندات الخزينة الأميركية وبين "دولة عميقة" في الولايات المتحدة، تبدو غاضبة من الصعود المفاجىء للقوة الصينية الإقتصادية في العقدين الأخيرين. هذا هو التحدي الأبرز دوليا.. لا تناقض بين روسيا والصين. هما قوة واحدة.. في الجزء الأول من الحوار الذي أجراه معه موقع ومجلة 180، يقارب الوزير الأسبق جورج قرم عناوين دولية وإقليمية، سياسية وإقتصادية.

ما هو توصيفكم للظاهرة الترامبوية (نسبة إلى دونالد ترامب)، وهل توافقون على المقولة السائدة بأن أميركا تنكفىء إلى الداخل الأميركي؟

-أنا أعتقد أن الظاهر الأميركي هو الإنكفاء والإنعزال، أما الحقيقة، فهي أن أميركا تدير عمليا حلف الناتو، وعلينا أن نعلم أن نفوذها عبر حلف الناتو، هو نفوذ مهيمن على عدد كبير من الدول وخاصة دول الإتحاد الأوروبي، ذلك أن دستور الإتحاد الأوروبي يشي بأن السياسة الخارجية للإتحاد والدول الأعضاء فيه تتقيد بتوجهات حلف الأطلسي (الناتو).

-أنتم تقصدون أن ما كانت الولايات المتحدة تقوم به بالأصالة، صار بمقدورها أن تقوم به من خلال الوكيل؟

-نعم. بعض من يرفضون الوصاية الأميركية، ينسون القوى الناعمة الأميركية، وهي المؤسسات الأكاديمية والجامعية وشبكة المنظمات المدنية وغير الحكومية في العالم. الولايات المتحدة تمتلك أذرعة متعددة للتأثير على سائر المجتمعات.

-ألا تعتقدون أن هناك بشائر تغيير؟

-نعم، هناك بداية تغيير نوعي، ولا سيما مع بروز الصين وأيضا دول منظومة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).

-بروز الصين كقوة واعدة وصاعدة عالميا، سيحدث توازنا عالمياً؟

-هناك مسألة لا يجب أن نتناساها. أكبر مكتتب لسندات الخزينة للدولة الأميركية هي الصين. هناك نوع من التوازن في القوى. من جهة، لا تستطيع الصين أن تخسر هذه السندات الأميركية. من جهة ثانية، تبدو الدولة العميقة في الولايات المتحدة، منزعجة جدا من الصعود الصيني المفاجىء جدا في العشرين سنة الأخيرة، حتى أصبحت الصين قوة إقتصادية دولية تنافس الولايات المتحدة بالقدرات الإقتصادية والمالية، وهذا ما يثير غضب ما تسمى الدولة العميقة في الولايات المتحدة.

-هل توازن القوى يمكن أن يتحول إلى مواجهة؟

-المواجهة التجارية الأميركية الصينية حاصلة. ترجمتها سوء العلاقات التجارية بين البلدين وإتخاذ إجراءات من جانب واحد من قبل الولايات المتحدة، وفي المقابل، ثمة إجراءات مضادة من قبل الصين. المقصود أن الحرب أو المواجهة التجارية قائمة.

-إلى أين يمكن أن تصل؟

-الصين كما هو معروف تهتم بمحيطها الأسيوي أكثر من أي شيء آخر. طبعا إمتدادها دوليا إلى الدول النامية في العديد من قارات العالم ظاهرة مهمة، ولكنها تبقى ظاهرة ثانوية. المحيط الأسيوي له الأولوية عند الصين، لذلك، نرى الأميركي يركز في حربه التجارية مع الصين على شرق آسيا، أي العمق الصيني.

-تايوان وهونغ كونغ جزء من هذه الحرب؟

-نعم، تايوان وهونغ كونغ هما جزء لا يتجزأ من هذه الحرب.

-أين روسيا من هذه الحرب التجارية؟

-لا تناقضات بين روسيا والصين. هما دولتان حليفتان وتنسقان السياسات الخارجية، وكما نعرف فإن روسيا خاضعة لإجراءات مقاطعة إقتصادية من الولايات المتحدة الأميركية وهي إجراءات مضرة ليس فقط لروسيا بل للإقتصاد الدولي ولا سيما الأوروبي، وقد شهدنا مؤخرا كيف أن رئيسة الوزراء الألمانية المستشارة أنغيلا ميركل، قررت أن تفتح حواراً مع روسيا وتريد أن يمر خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” من روسيا إلى ألمانيا، وهو يشكل إحدى نقاط الخلاف التجارية الكبرى بين واشنطن وبرلين. أوروبا مسكونة بهاجس تزويدها بالغاز والنفط من روسيا، الأميركيون يريدون التخلّص من ارتباط أوروبا بهذه الطاقة الآتية من روسيا، هذا همّهم الأساس، وهذا يطرح أسئلة حول ما جرى في سوريا في العام 2011، وهذا الحضور اللافت للإنتباه للأميركيين اليوم في غاز شرق المتوسط.

لا شك إذا أمكن إزاحة الدولار كعملة مسيطرة على الإقتصاد العالمي مئة بالمئة، سيكون ذلك بمثابة إنتصار للدول النامية ولما كانت تسمى سابقا دول عدم الإنحياز، وهذا الإحتمال تتقدم حظوظه

-أي نظام دولي نشهده حالياً؟

-النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية (نظام الثنائية القطبية في زمن الحرب الباردة) إنتهى كما إنتهى نظام الأحادية القطبية الذي أعقب إنهيار الإتحاد السوفياتي، ولذلك، نحن أمام نظام دولي جديد قيد التكوين. الدوائر السياسية الغربيّة لا تقبل كالعادة وقوف أي نوعٍ من أنواع الأنظمة السياسية في أية بقعةٍ في العالم في وجه السيطرة الكاملة للدول الغربيّة وأجهزتها الاقتصادية والثقافيّة والماليّة.

اليوم مع دول “البريكس” أتصوّر أن الأمور ستُصبح أكثر جدّية. حتّى العقوبات الاقتصاديّة التي تفرضها الولايات المتحدة ستُشجِّع التجارة بين دول “البريكس” وصولا إلى الاعتماد على الذات. من هنا تكمن أهمية المؤسسات التي تنبثق عن “البريكس”، ولذلك، دعوت وأدعو لبنان مجددا للإنضمام إلى مؤسسات هذه المنظمة.

-ولكن هناك مطبعة وحيدة للدولار الأميركي، وهذا أحد أبرز عناصر قوة الأميركيين؟

-لا شك إذا أمكن إزاحة الدولار كعملة مسيطرة على الإقتصاد العالمي مئة بالمئة، سيكون ذلك بمثابة إنتصار للدول النامية ولما كانت تسمى سابقا دول عدم الإنحياز، وهذا الإحتمال تتقدم حظوظه إلى حدود تنفيذه بالتدريج، وانا متفائل في هذه النقطة تحديداً.

إقرأ على موقع 180  أصوات المغتربين الفرنسيين تعاكس تيار اليمين المتطرف.. بالأرقام

-ما هو مصير الإتحاد الأوروبي، هل يتفكك مع الوقت؟

-أتوقع أن يبقى الإتحاد الأوروبي إلا إذا حُكمَت أوروبا مما تسمى “الأحزاب الشعبوية”. سياسات الإتحاد الأوروبي هي سياسات غير عاقلة، وأضرت وتضر بمصالح الشعوب الأوروبية، لصالح الفئات الأكثر ثراء، وهذه نقطة تتسلل من خلالها هذه الأحزاب الشعبوية، وتؤدي إلى إحتجاجات كتلك التي شهدناها مؤخراً في أوروبا.

يتخرج الشاب العربي من جامعة أميركية أو غربية، وقد سيطر الغرب عليه من خلال الأيديولوجيا النيوليبرالية الغربية

-من سيملأ فراغ الأميركيين في المنطقة؟

-من سوء حظ شعوبنا العربية أنه توجد في منطقتنا مجموعة من الدول العربية التي أصبحت لها علاقات ود وتطبيع مع الدولة الصهيونية وذلك على مرأى من جميع شعوبها، وأعتقد أن مثل هذه الدول يمكن أن تملأ الفراغ.

-وأين الإيراني والتركي والإسرائيلي؟

-التركي والإيراني والروسي هم اللاعبون الرئيسيون حاليا في المنطقة وهذا ما يُغضب الولايات المتحدة. لنأخذ النموذج السوري، تجتمع ثلاث دول غير عربية في أستانا وتناقش ملف دولة عربية إسمها سوريا. هذه ليست ظاهرة جديدة. من أيام (جورج) بوش جونيور، كلنا نعلم مفهوم “الفوضى الخلاقة”. نحن اليوم في خضم هذه الفوضى.

-هل تتوقع تعديل الخرائط في المنطقة؟

-هناك مسعى صهيوني وأميركي لإعادة النظر بالحدود لمصلحة تفتيت كيانات سايكس بيكو إلى عدة كيانات عرقية ودينية. هذا أمر واضح.

-ألم يفشل مسعى التفتيت؟

-أعتقد أن الدوائر الصهيونية والغربية والأطلسية ما زالت تعمل من أجل تفتيت الكيانات العربية الحالية.

-أين تضع “القانون الأرثوذكسي” في لبنان في سياق مخطط التفتيت؟

-القانون الأرثوذكسي كان مشروعا جهنميا بكل معنى الكلمة.

-ألا تعتقد أن هناك خارطة جديدة للمنطقة يمكن تسميتها خارطة النفوذ الإقليمي؟

-نعم، هذا صحيح، ولكن أنا بتقديري أن القوى الناعمة للولايات المتحدة، ما تزال كبيرة للغاية. هناك الحكومة والجيش الأميركي ولكن هناك أيضا مئات الآلاف من الطلاب العرب الموجودين في الولايات المتحدة وأوروبا وهم يتأثرون بمحيطهم في هذه الدول الغربية والمشهد معقد وليس بالسهولة التي نتصورها. أعتقد أن بعض تحليلات القوى المناوئة للولايات المتحدة تسقط من الحسبان قضية القوى الناعمة وهي الأخطر والأجدى والأكثر تأثيرا. حتى الشاب العربي الذي يتخرج من جامعة أميركية أو غربية، يتخرج وقد سيطر الغرب عليه من خلال الأيديولوجيا النيوليبرالية الغربية.

-كيف تفسر الإنسحاب الأميركي من العراق ومن سوريا؟

-الدولة العميقة في الولايات المتحدة لا تريد للجيش الأميركي أن يتورط في حربٍ كبيرة مثلما حدث في العراق أو أفغانستان. هذه المرة قرروا إستخدام كلّ وسائِل ما نسمّيها “القوّة الليّنة” )Soft Power( بما فيها وسيلة المال، وأصبح موضوع المال عبئاً على العالم كلّه حتّى على حلفاء أميركا. عندما تفرِض أميركا عقوبات على مصارِف أوروبيّة كبيرة أو حتّى أميركيّة بمليارات الدولارات وتتحكّم بأيّ تحويل مالي يحدث بين دولة وأُخرى إذا كان بالدولار، فهذه أهمّ وسيلة للقوّة الأميركيّة في عالمنا اليوم.

(**) نشر هذا الحوار في موقع ومجلة 180 بوست للمرة الأولى في الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2019

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مجتمع دولي يُكرر.. ولا عاقل لبنانياً يفهم عليه!