الحريري يستشعر “إنقلاباً” وجنبلاط “يتموضع”.. والدولار “يُهادِن”!
Lebanese Prime Minister Saad Hariri (R) along with Foreign Minister Gebran Bassil arrive to the International Congress Centre on February 24, 2019, ahead of first joint European Union and Arab League summit in the Egyptian Red Sea resort of Sharm el-Sheikh. (Photo by MOHAMED EL-SHAHED / AFP) (Photo credit should read MOHAMED EL-SHAHED/AFP via Getty Images)

نحن أمام ثمانٍ وأربعين ساعة، لن تفضي، على الأرجح، إلى ولادة حكومة جديدة. كيف سيتطور الموقف الدولي والأوروبي في الساعات المقبلة إذا لم تولد الحكومة وما هو المضمون الفعلي لحركة وليد جنبلاط السياسية؟

كلما إستشعر المجتمع الدولي خطورة الوضع في لبنان، تدرّج في موقفه المتصاعد والمُتهيب لما يُمكن أن يكون عليه مشهد لبنان في الأسابيع والأشهر المقبلة. في المقابل، كلما إزدادت خطورة الموقف، تدّرج موقف القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة نزولاً من الإنكار إلى الإنفصام.. وهو مسار يقود حتماً إلى الإنتحار.

لم يبلغ الموقف الدولي ذروته حتى الآن. لا بيان عن جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت أمس (الجمعة). المداولات هي الأساس. ثمة تحذير من “هشاشة الوضع في لبنان” ومن “الإنزلاق إلى أزمة أعمق“، وهو التعبير الذي إستخدمته السيدة نجاة رشدي ممثلة الأمين العام بالوكالة في لبنان، في مداخلتها أمام المشاركين بالجلسة عبر تطبيق “الزوم”، حول الوضع في لبنان.

هناك ترقب دولي للبيان الذي سيصدر الإثنين عن وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي. وفق مصادر دبلوماسية لبنانية واسعة الإطلاع في بيروت، تبلغت الحكومة اللبنانية أن الوضع في لبنان أدرج، بطلب من وزارة الخارجية الفرنسية، على جدول أعمال مجلس الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي. الكلام الأوروبي واضح جداً؛ على اللبنانيين أن يختاروا مسودة بيان أوروبي من إثنين جاهزين:

البيان الأول يُرحّب بتشكيل حكومة لبنانية جديدة تضع لبنان على سكة الإصلاحات الضرورية وصولاً إلى التعافي واستعادة ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.

البيان الثاني لا يكتفي بتوجيه اللوم والإنتقادات إلى الطبقة السياسية في لبنان لعدم إقدامها على تأليف حكومة بأسرع وقت ممكن، تلبية لنداءات دولية، بل يُلوّح بفرض عقوبات على سياسيين لبنانيين يتحملون مسؤولية عرقلة ولادة الحكومة الجديدة.

عندما جرت المراجعة حول من هو المقصود من “السياسيين اللبنانيين” الذين يتحدث عنهم البيان الثاني، كان جواب الفرنسيين واضحاً: جبران باسيل وكل من يتحمل غيره هذه المسؤولية. أي أنهم لم يحسموا أمرهم سوى مع إسم واحد، برغم إصطدام موفدهم باتريك دوريل مؤخراً بالحريري نفسه.

من الواضح أن الفرنسيين يشعرون بخيبة أمل كبيرة. كل حسابات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذهبت أدراج الرياح. إندفاعة كبيرة بعد إنفجار مرفأ بيروت، ثم إدارة سياسية فرنسية مرتبكة. تراجع فرنسي تدريجي.. وصولاً إلى التلويح بعقوبات!

هل ينجح الضغط الفرنسي على باسيل؟

كل من يُوجّه إليه هذا السؤال لا يتردد في الإجابة أن رئيس التيار الوطني الحر لا يبدو مهتماً بالعقوبات الأوروبية. أصلاً هو معاقب أميركياً، ويسري ذلك بشكل غير مباشر على أوروبا. ربما يخسر بإقفال أبواب أوروبا بوجهه، لكن إستراتيجيته تقوم على اللعب ليس على حافة الهاوية بل في الهاوية نفسها. بعدها يفاوض الأميركيين على المخارج المطلوبة من العقوبات وصولاً إلى إعادة رسم خارطة رئاسية إذا كانت لا تضمن وصوله، لكنها تكون كفيلة بمنحه حق الفيتو وصولاً إلى شطب كل خصومه (سليمان فرنجية وسمير جعجع وجوزف عون). يتماهى باسيل في ذلك مع سلوك “الجنرال” ميشال عون في نهاية الثمانينيات القرن الماضي.

وفق معلومات موثوقة، فإن رئيس الحكومة المكلف سيتوجه الإثنين المقبل إلى القصر الجمهوري. قراره واضح وقد أبلغه إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين. لا تراجع عن القواعد التي حدّدها وهي الآتية: حكومة إختصاصيين منزوعة الثلث المعطل

ماذا على الصعيد المحلي؟

أولاً، فعلت دعوة الأمين العام لحزب الله فعلها. كل النداءات من كل حدب وصوب، بما فيها من بعض العواصم الدولية إلى حسان دياب من أجل تفعيل حكومته ذهبت أدراج الرياح. في الساعات الأخيرة، أدار دياب محركاته وتشاور مع معظم الوزراء، وقرر عقد جلسة رسمية لمجلس الوزارء خلال عشرة أيام على أبعد تقدير، تكون مخصصة لإقرار مشروع قانون موازنة العام 2021، في ضوء التعديلات التي سيتقدم بها كل الوزراء، بالإضافة إلى جدول أعمال يندرج في خانة ضرورات تسيير أعمال الدولة اللبنانية، وطلب من الوزراء أن يرتّبوا أوقاتهم على أساس أن هذه الجلسة ستكون ماراتونية (10 ساعات على الأقل). يطرح أمر إنعقاد الجلسة أسئلة حول موقف رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى وماذا إذا تم رفع الغطاء عن دياب، وهل يؤدي ذلك إلى تراجعه سريعاً عن قرار عقد الجلسة؟

ثانياً، وفق معلومات موثوقة، فإن رئيس الحكومة المكلف سيتوجه الإثنين المقبل إلى القصر الجمهوري. قراره واضح وقد أبلغه إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين. لا تراجع عن القواعد التي حدّدها وهي الآتية: حكومة إختصاصيين منزوعة الثلث المعطل. نقطة على السطر.

هل سيحمل الحريري تشكيلة جديدة؟

على الأرجح، لا تشكيلة جديدة. أصلاً، رفض رئيس الجمهورية خلال الجلسة الأخيرة أن يتسلم منه التشكيلة التي كان يحملها. طلب ميشال عون منه أن يراجع خياراته وأن يعود إليه الإثنين، بناء على هذه المراجعة.

لم يصدر عن الحريري أي موقف مباشر مما تضمنه خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء يوم الخميس الماضي. غير أن الحريري أبلغ نادي رؤساء الحكومات أنه غير مطمئن إلى مسار الأمور، وأنه يستشعر أن هناك إنقلاباً على التفاهمات التي حصلت تحت سقف المبادرة الفرنسية، وأننا كنا أمام جدار واحد إسمه الثلث المعطل لكن بعد خطاب نصرالله “أصبحنا أمام جدران مسدودة ليس من السهل إختراقها”، وبالتالي لم يعد سعد الحريري مطمئناً إلى مسار الأمور في المرحلة المقبلة.

إقرأ على موقع 180  فرنجية.. شهية مفتوحة على "لقمة الرئاسة"!

هل يُمكن أن يُقدِم الحريري على الإعتذار؟

الإعتذار ليس وارداً في قاموس الرئيس المكلف. إذا لم يتمخض عن اجتماع بعبدا المقبل تأليف حكومة جديدة، وهو أمر إحتمالاته ضئيلة للغاية، فإن الحريري يتجه نحو خيارات سياسية نوعية جديدة، قد يفصح عنها في الساعات التي تلي زيارة القصر الجمهوري (لم يحدد ما إذا كان سيعُلن موقفه من بعبدا أو من بيت الوسط)، وسيكون عنوان خطابه السياسي: لن أُسلّم إلى ميشال عون وجبران باسيل الاستئثار بتشكيل الحكومة.

ثالثاً، ماذا عن حركة وليد جنبلاط في الساعات الأخيرة؟

لا يأتي تحرك جنبلاط من الفراغ. من إستمع إلى مقابلته الأخيرة مع موقع “الأنباء” لمناسبة ذكرى إستشهاد كمال جنبلاط (16 آذار/ مارس)، أدرك أن الرجل يستشعر مواسم سياسية وأمنية وإجتماعية صعبة وقاسية ربما لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى.

تحمل شخصياً مسؤولية فتح خطوط في الآونة الأخيرة بين الموفد الفرنسي باتريك دوريل واللواء عباس إبراهيم، وإقتنع الفرنسيون بصيغة التنازل عن الداخلية لميشال عون، مقابل التضحية بالثلث المعطل

الأمن يسكنه، لا بل هو نقطة ضعفه من أيار/ مايو 2008 حتى يومنا هذا. إرتفع منسوب مخاوفه ربطاً بشريانين حيويين لا بد أن يكون جمهوره على تماس معهما سواء في ساحل الشوف (الجية وبرجا) أم على طريق بيروت ـ دمشق. له أسبابه السياسية أيضاً، ولا يتصرف الرجل عادة بمنطق “كاريتاس”. قرر فتح خطوطه مع الجميع من دون إستثناء أحد. الأولوية لترتيب الواقع الدرزي (التواصل مع الجميع ولا سيما طلال إرسلان ووئام وهاب). حماية الجبل بكل ما أمكن سياسياً وأمنياً وإجتماعياً. يقتضي ذلك إعادة فتح الأبواب مع حزب الله والتيار الوطني الحر وتطوير العلاقة مع تيار المستقبل. إتخذ جنبلاط إجراءات حمائية في الجبل وراشيا وحاصبيا. لكنه يعتبر أن هذه الإجراءات لن تكون بديلاً عن تسوية سياسية ضرورية مطلوبة وبأسرع وقت “لأن الجوع يدق الأبواب”، كما قال بعد إجتماعه بالرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري، بناء على طلب الأخير.

“الأرقام والحقائب لم تعد مهمة” من وجهة نظر جنبلاط. لذلك، يأخذ على باسيل والحريري معاً أنهما لم يتقدما إلى منتصف الطريق حتى الآن. تحمل شخصياً مسؤولية فتح خطوط في الآونة الأخيرة بين الموفد الفرنسي باتريك دوريل واللواء عباس إبراهيم، وإقتنع الفرنسيون بصيغة التنازل عن الداخلية لميشال عون، مقابل التضحية بالثلث المعطل. “كانت اللقمة بالتم” يقول أحد المقربين من جنبلاط، قبل أن يفاجىء الحريري الجميع برفض هذه المبادرة من أساسها.

الآن، صار جنبلاط أكثر ميلاً إلى عدم التمسك بحرفية أي طرح. هو متيقن أن الفرنسيين سيوافقون على أية حكومة “حتى لو كانت غير مكتملة المواصفات“، على حد تعبير ماكرون. ما سرّبه قصر الأليزيه في الساعات الأخيرة، يشي بذلك، أي القبول بحكومة تكنوسياسية، وهو المناخ نفسه الذي عكسته أيضاً بعثة فرنسا في الأمم المتحدة.

هذه النقطة جعلت جنبلاط يؤكد أمام الجميع أن منطق التسويات يعني أن تكون التنازلات متبادلة، وهو بعد حملته على التسوية مع عون، غداة إنسداد آفاق التأليف الحكومي مؤخراً، قرر الإنتقال هذه المرة إلى مقلب المطالبة بتجديد التسوية (إصراره على عقد لقاء بين باسيل والحريري وهو الأمر الذي كان أحد أبرز نصائح الفرنسيين في الآونة الأخيرة). لا بل ذهب أبعد من ذلك، بعدم ممانعته بتشكيل حكومة من 24 وزيراً، تتمثل فيها الأحزاب بستة وزراء دولة (التيار الوطني الحر، الحزب التقدمي الإشتراكي، أمل، حزب الله، المردة، بالإضافة إلى الحريري نفسه)، على أن تسند الحقائب إلى 18 وزيراً من الإختصاصيين.

هذه الصيغة لا يعترض أحد عليها حتى الآن إلا الرئيس الحريري ويعتبرها بمثابة “نسف للمبادرة الفرنسية والقواعد الذي ارتكز اليها الحريري بتكليفه من الاساس”، ولذلك، أبلغ جنبلاط أنه يتحفظ على مبادرته، برغم أنها ستفضي إلى تمثيل طلال إرسلان بمقعد وزاري فيها (الـ 24 وزيراً تضم خمسة وزراء سنة وخمسة وزراء شيعة ووزيران درزيان وخمسة وزراء موارنة وأربعة وزراء أرثوذكس وإثنان كاثوليك وأرمني).

إنتهت مبادرة جنبلاط (الدعوة إلى التسوية) عند عتبة القصر الجمهوري، ماذا عن الإثنين المقبل؟

ما جرى من إرتفاع قياسي في سعر صرف الدولار خلال عشرة أيام، أي من تسعة آلاف ليرة إلى خمسة عشر ألف ليرة، يشي بأن هناك جهات سياسية كانت تتحكم بأمر السوق، وهو أمر لم يحصل في عز إنفلات أسعار الدولار في ثمانينيات القرن الماضي. هكذا نقلة كانت تحتاج إلى سنوات وليس إلى عشرة أيام. أيضاً الإنخفاض الحاد والسريع والمتوقع أن يصل إلى حدود العشرة آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد يؤكد المثل المعروف “كاد المريب أن يقول خذوني”. إذا إلتزم حاكم مصرف لبنان المركزي بالبنود التي تعهد بها، فإن “هدنة الدولار” ستستمر حتى نهاية أيار/ مايو المقبل. لماذا؟ للبحث صلة!

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  نواب التغيير الإفتراضي.. إستقيلوا!