منذ إطلاق جو بايدن دعوته لهذه القمة الجديدة فى نوعها وأهدافها خلال حملته الانتخابية في العام الماضى، تُرك الباب مفتوحا أمام اجتهادات الكثيرين فى العاصمة الأمريكية عن هوية الدول التى سيتم دعوتها أو استبعادها من المشاركة، وتبعات ذلك على علاقات تلك الدول بواشنطن خلال السنوات الأربع القادمة.
ومنذ الإعلان عن فوز بايدن، يتساءل العديد من الدبلوماسيين الأجانب بواشنطن: هل ستتم دعوة بلادهم؟ وبالفعل وجهت واشنطن الدعوة لـ108 دول للمشاركة فى هذه القمة، ولا تقتصر المشاركة فى هذه القمة على الدول فقط، بل ينتظر أن يشارك فيها الكثير من منظمات المجتمع المدنى وشركات التكنولوجيا كذلك.
ولا يزال مساعدو بايدن يشكلون جدول أعمال القمة الديموقراطية. وبشكل عام، تؤكد مجموعة الأفكار المتداولة وجهة نظر بايدن بأن تعزيز الديموقراطيات فى العالم فى وقت يزداد فيه الاستبداد، يتطلب أدوات تتجاوز مجرد الخطابة عن الانتخابات الحرة والنزيهة.
وباستثناء العراق، تغيب جميع الدول العربية عن هذا المؤتمر العالمى. وتعد منطقة الشرق الأوسط من بين أقل المناطق تمثيلا فى هذه القمة، إذ لا يشارك منها سوى العراق وإسرائيل.
***
وقبل شهر من استضافة الرئيس جو بايدن قمة الدول الديموقراطية، شهدت العاصمة واشنطن جلسات الحوار الاستراتيجى بين الولايات المتحدة ومصر التى ترأسها أنتوني بلينكن (عن الجانب الأمريكي) وسامح شكرى (عن الجانب المصري) وهي الأولى من نوعها منذ عام 2015. تطرق بلينكن فى كلمته الافتتاحية للحوار الاستراتيجى إلى 4 ملفات هى: الأمن الإقليمى، التحديات العالمية كالمناخ والبيئة ومكافحة فيروس «كوفيدــ19»، قضايا حقوق الإنسان، ورابعا وأخيرا التعاون الاقتصادى. وأشار بلينكن إلى عمق وتاريخية العلاقات الثنائية مع القاهرة التى سيحتفل الطرفان بمرور 100 عام على تأسيسها العام القادم. وفى حين تحدث بلينكن عن «التزام الرئيس بايدن بموضوع مركزية حقوق الإنسان فى السياسة الخارجية الأمريكية، ورحب بفرصة مناقشة أهداف مصر فى مجال حقوق الإنسان»، أكد الوزير سامح شكرى خصوصية قضية حقوق الإنسان فى مصر، وأنها عملية تدريجية تراعى خصوصية مصر الثقافية والاجتماعية.
ما قد يزعج الحكومة المصرية قد لا يقتصر على استبعادها عن قمة الدول الديموقراطية، بل ربما قيام إدارة الرئيس بايدن بتوجيه دعوة لبعض منظمات المجتمع المدنى المصرى العاملة فى مجال الحريات ودعم الحقوق السياسية والديموقراطية للمشاركة
وقال شكرى فى كلمته إن حقوق الإنسان هى «عملية متطورة، ولا بد لكل دولة من أن تأخذ فى الاعتبار نسيجها الاجتماعى، والواقع الذى تعيشه، وخلفيتها الدينية والثقافية»، وأضاف أن «استراتيجية حقوق الإنسان التى استندت إلى عملية تشاورية أخذت مدخلات أصحاب المصلحة، وأدت إلى إنهاء حالة الطوارئ والعمل على إقامة دولة حديثة تنفع المواطنين، وأن تجربة السنوات العشر الأخيرة أثبتت أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة والنسيج الاجتماعى، وهو أمر مهم وأساسى للوفاء بتطلعات الشعب المصرى لمواجهة التطرف».
ومنذ توليه منصبه، حاول الرئيس جو بايدن الموازنة بين بعض الاعتبارات فى مقاربته لعلاقات بلاده مع القاهرة، فى حين أشاد بايدن بالدبلوماسية المصرية وتحدث مرتين مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إبان أزمة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. وتحظى مصر، التى حافظت على معاهدة السلام مع إسرائيل منذ عام 1979، بالثناء من المسئولين الأمريكيين بسبب زيادة وتقوية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
***
إلا أن ما قد يزعج الحكومة المصرية قد لا يقتصر على استبعادها، بل ربما قيام إدارة الرئيس بايدن بتوجيه دعوة لبعض منظمات المجتمع المدنى المصرى العاملة فى مجال الحريات ودعم الحقوق السياسية والديموقراطية للمشاركة. وكتب بايدن يقول عن القمة الموعودة إنها سوف تتضمن أيضا منظمات المجتمع المدنى من حول العالم “التى تقف على الخطوط الأولى فى الدفاع عن الديموقراطية»، وتتمتع الكثير من المنظمات المصرية بسمعة طيبة وتأثير ملموس فى الدوائر الحقوقية الأمريكية التى يقترب الكثير منها من الحزب الديموقراطى، ويتشابك بعضها مع دائرة الرئيس جو بايدن.
***
وكان الرئيس جو بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية بعودة بلاده لتأدية دور قيادى فى علاقتها مع حلفائها حول العالم، وأن يستضيف خلال العام الأول له فى البيت الأبيض قمة دولية للدول الديموقراطية، حيث سيناقش القادة الديموقراطيون المنتخبون بحرية من شعوبهم، سبل التصدى للفساد وللممارسات الاستبدادية، فضلا عن توسيع نطاق حقوق الإنسان.
وتهدف واشنطن من خلال هذه القمة إلى بناء تحالف دولى ديموقراطى لمواجهة النجاحات التى تحققها الدول غير الديموقراطية ــ خاصة الصين وروسيا ــ فى العديد من المجالات الاقتصادية، والتنموية، والعسكرية، والتكنولوجية.
ويرى البعض أن بايدن قد أخفق فى أجندة الديموقراطية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يراه الكثيرون مختلفا عن سلفه الرئيس دونالد ترامب.
(*) بالتزامن مع “الشروق“