عمران خان “يتقاعد” بأمر من الجيش.. وبايدن!

لعبة الكراسي الموسيقية تدور دورتها مرة جديدة في باكستان. هذه المرة سقط رئيس الوزراء عمران خان بعد سحب الثقة منه في مجلس النواب وحلّ محله زعيم المعارضة شهباز شريف عقب ازمة دستورية استمرت اسبوعا.

هكذا هي اللعبة في “الارض الطاهرة” منذ انفصالها عن الهند عام 1947، اذ قلما تمكن رئيس للحكومة من اكمال ولايته في بلد مضطرب تقاسم فيه العسكر والمدنيون الحكم على مدى تاريخه القصير.. ولاميركا اليد الطولى في تقرير سياساته الخارجية.

وعادة يسارع الرئيس المخلوع او المُقال الى رمي التهم وإحالة المسؤولية الى “المؤامرة الخارجية”، لكن لاعب الكريكيت العالمي كان وحده من بين اسلافه المخلوعين الذي تجرأ على القاء التهمة على اميركا مباشرة، وتسمية المعارضة بانها “عميلة للاميركان”. ربما لانه اكثر شجاعة من الذين سبقوه على هذا الدرب، وربما ايضا لانه طارىء على العمل السياسي ولا يتقن الاعيبه ومناوراته وخطورة توجيه اتهام كهذا، اقله بالنسبة الى الجيش الباكستاني، صاحب القوة النووية التاسعة في العالم، وهو “المؤسسة” و”الدولة داخل الدولة”، والمُدرك أكثر من غيره خطورة اللعب بالنار مع الاميركي، والانحياز الى معسكر معاد لواشنطن في مرحلة استثنائية يمر بها العالم اليوم. فكيف وهو الذي ما يزال جنرالاته الكبار يعيشون ارتدادات احداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي كادت ترمي بباكستان الى مصير مشابه لمصير افغانستان والعراق، لولم يتداركوا، ولا يزالون، خطورة الموقف في اللحظات الحاسمة.

للصين قصة كاملة مع عمران خان، وهي اكثر ما يقلق الجيش الباكستاني، لان تطوير العلاقة بين اسلام اباد وبيجينغ هي بمثابة “خط احمر اميركي”. ولعل من أبرز ملامح هذا “الخط” رفض الرئيس الأميركي جو بايدن المتكرر الرد على المكالمات الهاتفية للمسؤول الباكستاني عمران خان والتواصل معه

ما كان عمران خان ليصل الى راس السلطة لولا دعم الجيش، في مواجهة عتاة السياسة الباكستانيين المتجذرين في المال والسلطة والمجتمع. لكن الجيش الذي بدا انه على الحياد في الازمة الدستورية، حتى الأمس القريب، كان غاضباً ضمناً على رئيس الحكومة المخلوع منذ أن مدّد لقائد الجيش الباكستاني الحالي من دون الرجوع إليه كما تقتضي البروتوكولات المتعارف عليها، الأمر الذي أعطى إشارة إلى أن خان يريد أن يكون مستقلاً عن الجيش، وضاعف الغضب دعمه الواضح والصريح لحركة “طالبان”، ورفضه توظيف قدرات باكستان العسكرية والأمنية في محاربة طالبان، ورده على التهديدات الاميركية بوقف المساعدات لبلاده بالاندفاع اكثر نحو الصين الدولة الحارقة للاعصاب الاميركية.

للصين قصة كاملة مع عمران خان، وهي اكثر ما يقلق الجيش الباكستاني، لان تطوير العلاقة بين اسلام اباد وبيجينغ هي بمثابة “خط احمر اميركي”. ولعل من أبرز ملامح هذا “الخط” رفض الرئيس الأميركي جو بايدن المتكرر الرد على المكالمات الهاتفية للمسؤول الباكستاني عمران خان والتواصل معه، مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد الباكستاني الضعيف والمتهالك والذي يحتاج الى بشدة الى دعم غير متاح حاليا الا من الغرب ومن اميركا خصوصاً، بحسب اوساط الجيش والمعارضة الباكستانيين. وبالفعل فان التضخم وارتفاع اسعار المواد الاساسية وانهيار سعر صرف “الروبية” الباكستانية كانت الشعارات الرئيسية التي رفعتها المعارضة بمختلف اطيافها لتطيير عمران خان وحكومته.

وكانت حكومة “حركة الانصاف” بزعامة عمران خان، خطت خطوات كبيرة اقتصاديا باتجاه الصين، على عكس رغبة الجيش الذي يسعى الى السير على خط مشدود بين واشنطن وبيجينغ، والموازنة بدقة بين الطرفين، فمن جهة، يريد مواصلة التحالف التقليدي مع الصين في مواجهة جارته اللدودة الهند، ومن جهة اخرى، يدرك الحاجة الى التكنولوجيا والمساعدة الاقتصادية والتدريب النوعي الذي يعتمد فيه على الغرب. وفي كلتا الحالتين يحاذر السقوط في فخ الانحياز للمحور المناهض لواشنطن واغضاب الاميركي الذي قدم لاسلام اباد نحو 33 مليار دولار من المساعدات على مدى نحو عقدين.

لكن درة التاج في التعاون الباكستاني الصيني، كان مشروع بناء ميناء غودار ومدينته على السواحل الباكستانية لبحر العرب، وهو ليس فقط منافسا قويا للموانىء الاماراتية والهندية والايرانية، بل العقدة الاساس في مشروع “الحزام والطريق” الصيني. ومن شأنه ان يعجل من حيازة الصين وتربعها على عرش أكبر قوة اقتصادية عالمية، ويعتبر ضربة قوية للنفوذ الأميركي في المنطقة ونقلة قوية للنفوذ الصيني.

من هنا فان هذا المشروع اشعل الصراع الإقليمي بوقوف الولايات المتحدة في صف الهند والإمارات، فيما تدخل غريمها الروسي ليدعم كلًا من الصين وباكستان .لذا ليس مستغربا ان تتركز الانظار الاميركية على الراعي الباكستاني للمشروع ومحاولة اطاحته بادوات محلية على امل اجهاض ميناء غودار قبل استكمال بنائه وتوسيعه.

وعدا عن مواقف عمران خان المؤيدة للقضية الفلسطينية ورفض استضافة قواعد عسكرية اميركية، فان ما سرّع في عملية اطاحته، تلك الصورة الشهيرة التي جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم اطلاق موسكو عمليتها العسكرية الواسعة في اوكرانيا، والتي ابرزت اسلام اباد في موقع الحليف والمشجع لروسيا في تناقض واضح مع رغبة الجيش الباكستاني من جهة وواشنطن طبعا من جهة اخرى.

إقرأ على موقع 180  بين عَبَدَة "الكرسي".. وعبيدهم!

وللقيادة العسكرية الباكستانية سجل تاريخي حافل ومتبادل مع الجيش الروسي منذ الاحتلال السوفياتي لافغانستان ودعم اسلام اباد للمجاهدين المناهضين لهذا الاحتلال في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. كذلك لا يمكن للجيش الباكستاني ان يتغاضى عن الصفقات العسكرية الضخمة التي ابرمتها موسكو مع خصمه الجيش الهندي. وهذا ما دفع بقائد الجيش النافذ الجنرال قمر جاويد باجوا الى الخروج عن صمته ازاء مواقف رئيس الوزراء، فقد انتقد الهجوم الروسي على أوكرانيا في خطابٍ أمام حوار أمني دولي بإسلام آباد، ووصفه بأنه “مأساة كبيرة”، قبل أن يؤكد على علاقات بلاده الطيبة مع واشنطن.

وما يُقلق أوساطا عسكرية وسياسية باكستانية هو أن تُفضي سياسة عمران خان الى القطع مع الغرب، والتوجه شرقا وشمالا والارتماء في أحضان التحالف الروسي ـ الصيني، وهو ما تترتب عليه تحولات عميقة في مختلف المجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية الباكستانية.

لذا لا ينفك مناهضو عمران خان عن التذكير بان الاقتصاد الباكستاني يعتمد بشكل كبير على الدعم من المؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها هذه القوى الغربية ولا سيما الولايات المتحدة، فيما يذهب القسم الاكبر من الصادرات الباكستانية إلى أسواق الولايات المتحدة (20 في المئة)، والاتحاد الأوروبي (28 في المئة) والمملكة المتحدة (حوالى 8 في المئة). في المقابل، لا تزال حصة الصين من الصادرات أقل من 10 في المئة، بينما تستوعب الأسواق الروسية ما يقرب من 1 في المئة فقط من الصادرات الباكستانية.

Print Friendly, PDF & Email
أمين قمورية

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  مضيق تايوان.. ممر إجباري للحرب أم للحوار؟