اليوم التالي لحرب غزة.. هل ما يزال حل الدولتين مُمكناً؟   

منذ صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صارت الولايات المتحدة أكثر تدخلاً في السياسة الإسرائيلية، سياسياً وعسكرياً، وصولاً إلى البحث في تفاصيل اليوم الذي سيلي توقف الحرب في غزة.   
وكما إسرائيل، كذلك الولايات المتحدة، هناك أسئلة صعبة تواجه الجانبين من دون العثور على إجابات يسيرة. وعلى سبيل المثال من سيحكم غزة في حال تمكنت إسرائيل من هزيمة “حماس”، وهذا لا يزال من الإحتمالات غير الواقعية والأهداف العالية التي وضعها بنيامين نتنياهو للحرب على غزة.
كل النقاشات التي يخوضها المسؤولون الأميركيون مع الإسرائيليين، تتركز على استراتيجية الخروج الإسرائيلي من غزة، لكن لا إجابات إسرائيلية في زمن تغليب الانتقام العشوائي على أي مسار عقلاني يُمكن أن يلجم الآلة العسكرية الإسرائيلية ويُشرّع الباب واسعاً أمام الحديث في السياسة.
وعلى رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن يُكرّر أنه لا يزال يفضل حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه لا يستعجل المجازفة بلعب دور الوسيط مجدداً في سنة انتخابية أميركية، وحتى أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لن يكونا مستعدين للتجاوب مع رئيس قد يخسر الانتخابات بعد سنة من الآن. يضاف إلى ذلك، هناك تساؤل جدي حول مدى استعداد بايدن نفسه للعمل مع أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل.
لا تُعفي هذه التساؤلات الولايات المتحدة، من البحث عن دور أكبر في الشرق الأوسط، لأن ثمن تجاهل المنطقة خلال ثلاثة أعوام من رئاسة بايدن، قاد إلى الحرب الدائرة الآن، وأرغم واشنطن مجدداً على إرسال قوات إلى شرق المتوسط والخليج، في وقت كان معظم اهتمامها مُكرّساً لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وتحجيم الصعود الصيني في المحيطين الهادىء والهندي.
1973 ـ 2023.. انكشاف إسرائيل مجدداً
عندما يُخطط القادة للمستقبل، يعودون أيضاً إلى التاريخ لاستخلاص الدروس والعبر. بعد صدمة حرب العام 1973، انتزعت مكوكية هنري كينسجر في عهدي ريتشارد نيكسون ثم جيرالد فورد، ومن بعده سايروس فانس في عهد جيمي كارتر، تنازلات من غولدا مائير ومن ثم من اسحق رابين ومناحيم بيغن، لم تكن ممكنة قبل 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
كان لافتاً للإنتباه إعلان إسماعيل هنية، الأسبوع الماضي، من الدوحة، أن الحركة قدمت للدول التي تتواصل معها “تصوراً شاملاً” لحل النزاع ومن ضمنه موافقة الحركة على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. تلك، كانت رسالة مفادها أن الحركة التي تقاتل في غزة مستعدة للحلول المستدامة إذا توافرت شروطها
هذا يعني أن أمام بايدن فرصة الآن لانتزاع تنازلات من نتنياهو ومن أي رئيس وزراء سيليه، بعد صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ومن العوامل المساعدة في هذا الشأن، أن بايدن بات الآن يتمتع بنفوذ وسلطة على الحكومة الإسرائيلية بقدر لم يكن متاحاً قبل هجوم “حماس”. مثلاً، لم يستجب نتنياهو لكل المناشدات والوعود التي قطعها للرئيس الأميركي قبل أشهر، كي لا يمضي في التعديلات القضائية التي أحدثت شرخاً سياسياً غير مسبوق في إسرائيل. كثير من الإسرائيليين يعتبرون أن هذا الشرخ في أساس الإخفاق الاستراتيجي في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
نتنياهو اليوم في حاجة ماسة إلى بايدن للخروج من الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية التي رتّبها هجوم “حماس” والحرب التي تلته. الانكشاف الذي ظهرت عليه إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ربما كان ليتخذ مديات أوسع بكثير لولا مسارعة واشنطن إلى النجدة، سياسياً وعسكرياً.
هذا التغير الكبير في الوقائع السياسية والعسكرية على الأرض، هل يُمكن أن يُوظفه بايدن للدفع نحو حل الدولتين؟ هذا الحل قال عنه بايدن نفسه عندما زار تل أبيب في تموز/يوليو 2022، إنه ليس وارداً في قاموس الحكومة الإسرائيلية التي كانت وقتذاك برئاسة يائير لابيد، فكم بالحري في ظل حكومة الصقور الحالية برئاسة نتنياهو. ومع ذلك، لا بد من التذكير بأن حكومة بيغن المتشددة هي التي أبرمت معاهدة كمب ديفيد مع مصر في أواخر السبعينيات الماضية. بيد أن ذلك استلزم وجود جيمي كارتر في البيت الأبيض. ويقول المتفائلون إن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تُعمّر طويلاً فور أن تضع الحرب أوزارها. وشعبية نتنياهو في تدنٍ مستمر خصوصاً بعد تغريدته التي حاول فيها أن يلقي بالمسؤولية عن الإخفاق، على الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، قبل أن يعتذر عنها نتيجة مفعولها السلبي في الشارع الإسرائيلي.
حل الدولتين.. مجرد عصف فكري!
لا يعني هذا أن الطريق أمام حل الدولتين ستكون معبدة، أو أن هذا الحل لا يزال ممكناً. وليس بخافٍ أن الحماسة لهذه الفكرة قد تراجعت ليس لدى الإسرائيليين فحسب، بل أيضاً في أوساط الفلسطينيين. وهذا عائد إلى اقتناع الجانبين بعد ثلاثين عاماً من التفاوض، بأنه من المستحيل الوصول إلى هذا الهدف. مثلاً في نهاية 2021، بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية 465400 مستوطن، صعوداً من 116300 عند التوقيع على اتفاقات أوسلو في العام 1993. وبحسب استطلاع للمعهد الديموقراطي الإسرائيلي أُجري في العام 2022، فإن غالبية اليهود تفضل الأمر الواقع السائد حالياً.
ثم هل يُمكن ترميم السلطة الفلسطينية وتأهيلها للدخول في مفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى حل الدولتين؟ يقودنا هذا إلى طرح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن خلال شهادة أمام الكونغرس، الأسبوع الماضي، بأن تضطلع السلطة الفلسطينية بدور في غزة بعد الحرب. هذا الطرح يواجه عقبات كثيرة في مقدمها أن السلطة الموجودة حالياً في رام الله أصابها الصدأ والترهل، بفعل التهميش الذي عانته من واشنطن ومن إسرائيل على حد سواء، فضلاً عن تدني شعبيتها في أوساط الفلسطينيين، بسبب الفساد وسوء الإدارة.
وعليه، فإن “العصف الفكري” الأميركي وفق صحيفة “وول ستريت جورنال” ليس واضحاً تماماً بعد، ولاسيما لجهة الميل إلى إشراك دول عربية مع السلطة الفلسطينية في إدارة غزة في مرحلة انتقالية، مع وجود قوة متعددة الجنسيات فيها. وأكثر الدول المرشحة لذلك هي مصر والأردن وقطر. وتاريخياً، تحاذر القاهرة وعمان تنكب أي دور في هذا الشأن، لأنه سيؤدي لا محالة إلى قطع الطريق أمام حل الدولتين.
يُذكر أن اجتماع وزير الخارجية الأميركي في عمان مع وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية ودولة الإمارات وقطر، بعد زيارته إسرائيل، يومي الجمعة والسبت، يصبُ في هذا الاتجاه.
دوفيلبان: “إن حل الدولتين أمر صعب، لأنه لم يعد جزءاً من التفكير الإسرائيلي، وهو صعب لأنه يتعين بروز محاورين فلسطينيين.. لكن الديبلوماسية هي أن تكون قادراً في آخر النفق على تصور أن الضوء ممكن”
لكن كل هذه السيناريوات تفترض هزيمة “حماس” في الحرب، وبأن الحركة لن يكون لها أي دور سياسي أو عسكري في المستقبل. وهذه افتراضات سابقة لأوانها لأن الحرب لا تزال دائرة ولا يمكن التكهن بنتيجتها ولا بإمكان توسعها لتخلق واقعاً جديداً في كامل المنطقة، أخذاَ في الاعتبار أن إيران وحلفائها لن يسمحوا بهزيمة “حماس”، وتكرار “سيناريو بيروت” في عام 1982.
وكان لافتاً للإنتباه إعلان رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية، الأسبوع الماضي، من الدوحة، أن الحركة قدمت للدول التي تتواصل معها “تصوراً شاملاً” لحل النزاع ومن ضمنه موافقة الحركة على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. تلك، كانت رسالة مفادها أن الحركة التي تقاتل في غزة مستعدة للحلول المستدامة إذا توافرت شروطها.
من المؤكد أن واشنطن تزن الأمور الآن، وتدرك أن الواقعية تتطلب منها أن تقتنع هي أولاً ومن تضغط على إسرائيل لوقف النار، قبل الولوج إلى الأسئلة الأكثر صعوبة.
 في هذا السياق، يحضر ما قاله وزير الخارجية الفرنسي سابقاً دومينيك دوفيلبان، في مقابلة تلفزيونية قبل أيام، “إن حل الدولتين أمر صعب، لأنه لم يعد جزءاً من التفكير الإسرائيلي، وهو صعب لأنه يتعين بروز محاورين فلسطينيين.. لكن الديبلوماسية هي أن تكون قادراً في آخر النفق على تصور أن الضوء ممكن”.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  كيف لمملكة أن تكون قوية إقتصادياً.. وضعيفة إقليمياً؟
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  رحلة ابن جبير من سبتة إلى مكة.. بمعيار الإسلام (1)